90s fm

الاثنين، 18 أبريل 2011

حد التلاشي


أفهم الآن لماذا أبدو في السن صغيرا جدا.. تصغرينني أنت ب6 سنوات كاملة، ويبدو وجهك (ومن له من الحسن نصيب وجهك؟) أصغر من عمرك الحقيقي ب4 سنوات.

ومن ثم نبدو سويا كطفلين معا..

وأنت تعلمين أن التناسق الكوني يفرض نفسه علىنا، فعلاقتنا ليست مجرد تكرار عابر للعلاقة البشرية المفترضة بين رجل وامرأة (طفل وطفلة في حالتنا)..بل هي استثناء مكتمل الأركان، يفرض قواعده على الكون ويقبل من الكون أن يدلو بدلوه ليتواطأ في إتمام هذه العلاقة بكل ملابساتها المباغتة للمعتاد الإنساني.

يمكننا أن نظل على هذا النحو..يمعن الكون في خصم السني المنقضية من عمري، ويتفنن في استدراجك للخلف سنين عددا

.. نصغر نصغر..إلى أن نتلاشي..

ثم نلقتي أرواحا في العالم الأول..ونصير سويا تارة أخرى.

(سبحان من خلق من كل نفس زوجها)

الثلاثاء، 12 أبريل 2011

لماذا تبدين في المساء أجمل؟


لماذا تبدين في المساء أجمل؟ أعود بعد يوم عمل طويل، أحرص على التعطر قبل النزول من السيارة، مفاتيحي تصلصل في سكون الحادية عشر مساء..أفتح الباب فأراك_ولله در من يراك_ جالسة أمامي على كنبتنا المنزلية المفضلة..وبجوارك يرقد صغيرنا ذو العام الواحد. ما الشيء الغريب فيك الليلة؟ ألوان ملابسك ؟ درجة الإضاءة مع البرواز النصفي الرائع الذي أهدته لنا ماريا؟ شيء ما فيك ساطع أو متألق..مشرق مبهج..حاضر..لا أدري. نهاية القول: أنت الليلة أجمل، الصورة أجمل، كأن كل لون يعبر عن نفسه منفردا، وكأن كل تكوين في أثاث شقتنا الصغيرة، جاء ليتراص حواليك على هذا النحو كي أرى هذا المنظر الفائق الحسن. (أقف مكاني ثابتا، والخشوع مستحب في مواضعه) أنظر إليك طويلا، أنظر إليك عميقا..تلتقطين الخيط. لا تردي، ولا تستفسري، فالمسكين الآن أسيرك. أود أن أمازحك مزحتنا اليومية المشتركة: حبيبتي يا أسوأ زوجة في شمال أفريقيا..أخبارك إيه؟ لكن شيء ما يلجمني.. يمس باطن كفي ظهر يدك..فأرتعد رعدة خفيفة بداخلي، وأعيد تقييم حياتي بكاملها في لحظة : أنا سعيد! تمتد يدي لتطوق كتفك..تريحين رأسك على كتفي..تفطنين إلى أن رائحتي من عطرك المفضل..نجلس ساكتين..في حوار لا ننطق فيه لفظا..لكن كل منا يدرك ما في نفس الآخر. وابننا بجوارنا نائم. رغما عنك يجرحني إظفرك..أهون عليك الأمر، وأقول بيني وبين نفسي: سهمك نفذ في، فلا ضير من جرح الإظفر..وما أحب إلى دما من دم على يديك سال. أقوم لأتحمم تحممي الليلي قبل النوم، بينما أرقب من طرف خفي، قميصي في حضنك..تتنسمين رائحتي.

الأحد، 10 أبريل 2011

فصول غير مدونة من سيرة دون كيشوت


بالتبادل، تتردد الجمل بداخلي:

"هؤلاء جنودي وقد دربتهم جيدا وأعرف كيف سيتصرفون..لن يتراجعوا أبدا"

The man in the iron mask


"مجانين..أريد مجانين"

فتح الله كولن


"انفض ثقيل حملك واتبعني يا أخي"

أنا


"اضربوا عنق السائل"

أبو مسلم الخراساني


"إنا نرجوه للناس من بعدنا"

الإمام أبو حنيفة متحدثا عن أبي يوسف


"أنا أؤلف الرجال والرجال يؤلفون الكتب"

جمال الدين الأفغاني


"آلبرت..كف عن إخبار الله عما يجب عليه فعله!"

نيلز بور


"رق الزجاج وراقت الخمر/فتشاكلا فتشابه الأمر"

ابن عربي

الاثنين، 4 أبريل 2011

فتنة المنصة


وقفت اليوم حيث أيقنت يوما ما أني سأقف.. أحاضر في جامعتي، في نفس المدرجات التي طالما شردت فيها أثناء دراستي، لأتخيل اليوم الذي سأعتلي فيه المنصة ، بينما يذهب المملون الذين يدرسون لي_حينها_ إلى أقرب مركز تعليم تريكو.

مبكرا كنت أحس أني منتصر تماما في كل الجدالات التي خضتها مع أولئك "المملين"، حتى لو لم يبد الأمر لهم ولا لزملائي كما أراه أنا ساعتها. فكرت كثيرا، قبل أن أقف محاضرا في فن/علم الصحافة ..

كيف سيكون الأمر؟ من المؤكد أن السماء سترعد مع بسملة البداية..ستبرق..ستهطل الأمطار..سيحدث شيء ما كوني إيذانا بتلك اللحظة..سيومض الماضي قبالة عيني بغتة فأرى كل شيء..سيحدث شيء ما فوق ما أتخيله..سيحدث..بالطبع سيحدث شيء كهذا..

كنت أتحسب للمشاعر التي ستنتابني أثناء المحاضرة الأولى أكثر مما كنت أتحسب للمادة العلمية التي سأقوم بمناقشتها مع الطلاب . لكن كل شيء جاء على غير ما توقعت، وقفت ثابتا_برأيي_ جامدا، أتحدث: عن كيف ينبغي أن نفكر كصحفيين، كأنما هي محاضرة ألقيها منذ عشرين سنة..

لم تبرق السماء ولم تمد الأرض..كل شيء كان منتظما دقيقا لأقصى مدى ممكن.. تمتد يداي لتتحسسان الأقلام الفلوماستر التي سأكتب بها على السبورة، بينما أكبح شيئا ما طفوليا يدفعني دفعا لأن أرسم على السبورة بدلا من أكتب عناصر وإشادات المحاضرة..أقول لنفسي: هذا هو القلم الذي طالما تمنيت أن ألعب به يوما ما.

أتفرس في الوجوه عن موهبة كامنة، عن شاب طموح، عن بنت ذكية..أحس مهمة ما على كاهلي أصعب من أن تحتملها جوارحي..أنوء بها وإن الجبال لتنوء بنصفها بددا..

الأمر يتحول لأمانة أمام الله ورسوله، أكثر منه مجرد "دردشات" صحفية، يظنها طلاب طيبون "الحكمة المقطرة"..أفهم في لمح البصر قول تلامذة الإمام مالك: جالسناه عشرين عاما..ثمانية عشر يعلما آداب العلم..واثنتين العلم.

أحسني مسئولا عن هذه الوجوه البريئات، عن هذه الأحلام الغضة التي تعتمل في نفوس "بعضهم"..وعلي استحياء عذراوي هش.

أتحرك في المدرج الصغير، كي تتحرك عيونهم معي..درءا للمل وللفتا للانتباه، أعلو بصوتي وأخفضه، أمازحهم وأنتقدهم..أود أن أجرهم جرا إلى عالم وسيع..أن أكسر القيود التي ترزح تحتها عقولهم..أن أحطم أصنامهم..أن أقول لهم انطلقوا واحلموا وفكروا..امزحوا وافرحوا..تعلموا هذه "الصحافة" وأنتم سعداء..لقد اخترتم مهنة مدهشة، ستظل تواليكم بمفاجآتها حتى النهاية..نهايتنا لا نهايتها..فهي ستظل..ستظل..ستظل.


أسترجع كل خبراتي، وأفتش في أوراقي القديمة: هذه ملاحظة دونتها خلف نك جوردون، وتلك قصاصة أحتفظ بها لسيمور هيرش، وهذه صور توثيقية التقطتها من داخل مقر واشنطن بوست.. هذه قصة ينبغي أن أخبرهم بها..وهذه خبرة اكتسبتها من سفرة السودان ينبغي أن أقصها عليهم..وهذه فكرة قرأتها في كتاب وأعتقد أنها ستدفعهم للأمام بضع خطوات..

أتحرك بينهم، لكن شيئا ما يستوقفني: هؤلاء الطلاب يشبهون زملاء دفعتي بالضبط..شبه شكلي ونفسي يكاد يكون متطابقا بصورة تدعو لتساؤلات أكثر من وجودية. هذه الفتاة متحمسة كفلانة التي كانت في دفعتي، وهذه رعناء كتلك، أما هذه فإنها طيبة كأنها زميلتي الطيبة..وهذا خجول مثلي..وهذا مفتقد للثقة في نفسه..وهذا لو ركز قليلا سيصير صحفيا ذكيا..كل واحد منهم يشبه واحدا من دفعتي على نحو كاربوني...

تقودني قدماي رغما عني للمكان الذي كنت أجلس فيه أيام كنت طالبا، في تلك البقعة.. تحديدا حين كنت أتمنى أن تقترب "إياها" صدفة كي تجلس هنا..كي أتغذى بالنظر إليها..عوضا عن خجلي المطبق الذي يحول بيني وبين التحدث إليها في هذه الأيام.


أستغني عن المايكروفون، يبح صوتي، أحسني كما لو كنت في مشاجرة عنيفة دامت ساعتين، لا في محاضرة عملية عن الصحافة..حين أحس شيئا منتعشا في أرواح "الأولاد"..أقول بيني وبين نفسي: هي الأمانة..وهم يتلقفونها..وليغفر الله لنا فيما قصرنا.