90s fm

السبت، 24 نوفمبر 2007

فترة عمر النصف..ونصف العمر..عيد ميلاد سجين


يوم 28 نوفمبر القادم سيتم أبي عامه ال45 ،بينما أنا لتويً أتملص من سن 22 عاما ونصف،بما يعني أن 28 نوفمبر القادم هي المرة الوحيدة التي سينتصف فيها عمري عمره،وهي المناسبة الأكثر ملائمة كي أشاكسه وأعدد له ما فشل فيه في حياته في مقابل نجاحي أنا،ومن ثم سأعرج بالخطبة العصماء التي سألقيها إلي شخصه ونصه بما ينتهي إلي أني خير منه آلاف المرات.

سأصل الي هذه الذروة منتظرا انفعاله المحبب إليً :"إنت مبتفهمش..قوم من وشي ياابن الكلب"..لكنه سيحبطني بابتسامة ماكرة ثقيلة واثقة بينما يشعل سيجارة منتقاة بعناية .." يا أحمد انت المفروض بتبدأ من حيث أنا انتهيت"
كي أموت أنا بغيظي وحسرتي بعد ضياع فرص مشاكسته.

تصل العناصر المشعة كاليورانيوم إلي مرحلة تسمي فترة عمر النصف وتعرفها ويكبيديا ب :" فترة عمر النصف لمادة نشيطة إشعاعيا هو الزمن اللازم لنصف العينة المأخوذة من المادة ليحدث له
تحلل إشعاعي".

أبي في فترة عمر النصف_افتراضا_ بينما أنا في نصف العمر_بداهة_ وهو ما يشكل لحظة فارقة بيننا،أتحينها مذ كنت في الخامسة عشر تقريبا،وأتذكر أول كتاب حاولت كتابته في حياتي حين كنت في الصف الخامس الابتدائي،وكان موضوعه أبي،محاولة في تفسير الشخص والمآل،بالطبع لم يكن هذا اسم الكتاب_دعنا نطلق عليه كتاب مجازا ونفخا في شخصي الكريم_ لكنها المحاولة البدائية الساذجة في تأمل شخصه،تلك المحاولة التي ظلت للأسف غير قادرة علي الايغال،لأن علاقتي بهذا الرجل الذي أشعر أن حبي له رغم أنفي،فآخر مسوغات حبي له علاقة الدم بينا والاستجابة الطبيعية للأبوة والبنوة،هذه العلاقة ظلت بريئة خجول،لأن كلينا يحمل صوب الآخر خجل غير طبيعي،وكلانا يستحي من الآخر أشد ما يكون الاستحياء.

كان يتظاهر بعدم الانتباه لتدني درجاتي المدرسية،بينما أتعامي عن كبواته،وكل منا يعرف إدراك صاحبه لحال الآخر لكنه الخجل المسيطر علي الموقف برمته،منذ اثنين وعشرين عاما تقريبا.

كنت أتمني أن أحتفل بعيد ميلاده هذا العام،فالسنوات الاخيرة لم تمر إلا وأبي في معتقل أو أمام نيابة،أو علي مكتب النائب العام!

يستهلك كلانا مشاعره بعيدا عن الآخر ربما لأننا ندرك_كل يدرك هذا علي حدة_ اننا إذا تنبهنا لن نتمكن من العيش بصورة طبيعية،فالارتباط سيكون ارتباطا مرضيا يطعن في السيرورة الطبيعية للأمور وللحياة.

يغتالني أبي من حيث لا يدري،فالمعتقلون الناجون من جحيم المعتقل يحكون لي عن أبي بالداخل،وكيف كانوا يقضون أياما كاملة في سيرتي،وكيف يتحدث أبي عني.
بينما يخبرني آخرون عن حكاياه عني،فكأنما يباغتوني برجل آخر غير الذي أشاكسه فيشاكسني..
عمر أبي يتسرب رويدا رويدا(بحكم فترة عمر النصف)، لكنما مشاعره تبدو حيالي أبدية،مشعة إلي مالانهاية.

السبت، 17 نوفمبر 2007

عن قسوة نوفمبر


نوفمبر هذا العام قاسي بما يفوق القدرة علي الاحتمال،ولا يمت بصلة لنوفمبر العام الماضي لما كان sweet novmber تصديقا للفيلم الحريري الملمس الذي يحمل هذا الاسم والذي شاهدته مصادفة نوفمبر 2006.
الجد يحتضر تقريبا،وعزرائيل يفرض سطوته علي أجواء منزل العائلة،والأحاديث كلها تدور حول وصية الجد بشأن مكان الدفن،أو مكان تلقي العزاء،والأقارب يناقشون التفاصيل المؤلمة مضطرين مع الرجل العجوز الراقد علي سريره في سكينة الموتي.
الأب ضرب عن الطعام من حين لآخر في المعتقل،والداخلية حسمت أمرها واعتبرت حبسه علي ذمة الاعتقال لما أمرت النيابة بإخلاء سبيله نظرا لبراءته من كل ما وجه إليه،وعليك أن تضرب رأسك في أقرب حائط.

الأخت تتعرض لحادث سرقة عنيف في وسط الطريق وفي وضح النهار لولا ستر الله لتظرو لما هو أسوأ.
الأنذال يتمادون يوما عن يوم في إيذاءنا بكل الطرق الممكنة،كأنما الله لايسمع ولا يري ولن يحاسب.
الشكوي في حد ذاتها مملة وسخيفة،لكنه التدوين آملين أن تذهب تلك الأحداث العطنة إلي سلة مهملات الذاكرة يوما ما.
أعينوني بالدعاء والامنيات الطيبة،فمعتقل طرة كان قاسيا في زيارة اليوم،والبيت مسكون بتفاصيل مؤلمة،وعجلة الحياة لا تراعي إيقاعك أبدا
لكننا في النهاية...لانملك سوي الله
وهو معنا يسمع ويري.أبد

الثلاثاء، 6 نوفمبر 2007

ملبوسات أمن الدولة


ولما كان الفليم المفضل لأبي "حب في الزنزانة"،دار نقاشنا هذه الزيارة حول مشهد كوميدي من الفليم حين راح أحد السجناء يحكي لزوجته وأبناءه عن حياته المنعمة في السجن وعن صناعة الخبز التي تعلمها وكيف تمرس في فن هذه الصناعة حتي صار مشرفا عاما لها متفوقا علي باقي السجناء


استدرجتنا الظروف لهذا المشهد بعدما أنهي أبي إضرابا عن الطعام امتد لثلاثة أيام احتجاجا علي عدم تعرضه للشمس منذ اعتقاله أول أكتوبر/تشرين الماضي وما لهذا من أضرار جسدية ونفسية وخيمة


انتصر إضرابه،وقرر طبيب المعتقل صرف ساعتين شمس يوميا! اقتادوا أبي لمساحة تقدر بمترين في ثلاثين مترا تسمي ب"الأنبوبة" استجابة لنصائح الطبيب وبعد موافقة أمن الدولة


جلسنا أول ما جسلنا نستعرض قرار إدارة المعتقل بمنع "تريننج" أبيض أحضرناه له،بحجة أن هناك تطريز أسود رفيع،وبادج أسود أصغر يتوسط المساحة الصدرية متحيزا لناحية اليسار قليلا!..وكالعادة ضحكنا من إدارة المعتقل التي رفضت تسليم الملبوسات التي أحضرناه له..رفض أمين الشرطة،وحولوا الامر لضابط المباحث،ووافقهم مسؤول أمن الدولة..وأقرت إدارة المعتقل كل شيء بعد العديد من المفاوضات


قالي لي مشيرا إلي كل جزء يرتديه : هذا التيشرت هدية لي من شباب القاعدة،والبنطلون من الإخوان، والبطاطين من معتقلي سيناء،والهدايا التي تملأ زنزانتي من الجماعة الاسلامية...أنا لا أحتاج شيئا علي الإطلاق..كل شيء علي ما يرام


وعند هذه اللحظة ذكرته بالمشهد المفضل لكلينا من الفيلم..ضحك بشدة،وتحاشي النظر لي..إذ أدرك إشارة السخرية(الطيبة المسالمة) في كلامي من واقعه وتفهمي لصموده _أو قل مكابرته_ واستهزائي بمحاولاته لمراوغتي إيهاما بأنه في جنة الخلد


في النهاية قال لي سلم لي علي الدنيا كلها


استلمت بعض أغراضه وأنا خارج،وسلموا لنا كل شيء،وابتسم لي أمين الشرطة الذي فتشني وارتبك عندما تحسست يده في جيبي خرزات خشبية تبين له أنها مسبحة ذات مئة حبة ليس إلا،بادلته الابتسامة فقد صلي الظهر لتوه ثم فتشني..وحين سلمني الحاجيات أثناء الخروج ربما يكون قد صلي ركعتي السنة