90s fm

الأربعاء، 26 ديسمبر 2012

الحب في غرفة المونتاج



في غرف المونتاج المظلمة، قضيت ساعات طوال، مع هذا المخرج وذاك المونتير. أقول له أريد هذا المقطع هنا، ولا أريد هذا المقطع هناك.
نجادل بعضنا لأجل المعنى والمغزى والصورة والتماسك..والجمال.
صناعة الأفلام الوثائقية، كانت نافذتي السحرية لغرفة المونتاج، حيث الكثير من دخان السجائر والكثير من الأكواب الفارغة..إلا من بقايا الشاي والقهوة والنيسكافيه. بجوار الأجهزة الفضية الصلدة من طراز آبل ماكينتوش.
في المونتاج تعلمت سحر العالم..سحرا يؤثر.
ذات مرة..كنت في مونتاج فيلم صورناه في الشارع، قضينا في تصويره ساعات طوال، وقد انهمكت تماما في مراجعة هذه الساعات التي صورناها.
ألاحظ في غرفة المونتاج بعيدا عن صاخب الشارع الذي استغرقني، أن هناك في الخلفية وسط الزحام، قصة حب تتطور بين ولد وبنت.
كان التطور مدهشا لي: نفس الوتيرة التي ألحظها في كل العلاقات العاطفية تقريبا..
كانوا مجموعة من الشباب الجامعي الذي يختلس كل منهم النظر إلى شريك/شريكة محتملة في الرحلة الأرضية، ولو على مداها القصير.
كان بطلاي، كما بدا لي، لديهما إرث من المناوشات الطفيفة المشتركة، لكن اليوم الذي خرجوا فيه سويا، أخذت هذه المناوشات تفرض نفسها وتفصح عن نفسها مدفوعة بقوة الطبيعة الأم.
كان هناك خط مغناطيسي رابط لتحركات كليهما..أخذت أرصد وقفاتهم أثناء التقاط الصور الجماعية ( تاركا الفيلم الذي في يدي والذي علي الانتهاء من بناء تتابعاته ومقاطعه!) وانهمكت في متابعة كيفية حركة كليهما داخل الجماعة وكيف يسترقان النظرات والابتسامات.
رسمت مسارات حركتيهما: تحركاته باللون الأزرق وتحركاتها باللون الأحمر داخل حلقة الأصدقاء الجامعيين الفوضويين كثيري الحركة واللعب والتقافز..
بدا الخطان كما لو كانا يتناغمان في شكل فيزيائي من أشكال العلماء الأوائل وهم يصفون تحرك الإليكترونات حول النواة، بديا كما لو كانا رسمان من عالم ميكانيكا الكم/ الكوانتم، بديا طرفا مغزولا على نفسه..بتقاربات وتباعدات سرعان ما ترتد لبعضها البعض مرة أخرى كي تلتقي في نقطة بعينها.
بديا في رقصة خاصة داخل الجماعة.
وهكذا الحب، مغناطيسية تربط طرفين داخل الجماعة، فتشق طريقا خاصا يسلك في الأرض سبلا فجاجا.
استغرقتني اللعبة متأثرا بتجارب الفيزياء الاجتماعية التي كانت ترصد سلوك الناس داخل محطات المترو عبر كاميرات المراقبة ( كيف يسيرون وكيف يشكلون ممرات متبادلة للمشي في اتجاهين وكيف تتصادم الأجساد وكيف تتفاعل الجماعة داخل الحيز).
عدت لعملي مرة أخرى، وأخذت أستبعد بعض المقاطع من مقابلات الضيوف التي يجري على خلفيتها كل هذا الضجيج الكوني والاحتشاد الهرموني.
كانت المفاجأة أكثر إدهاشا لي : كلام الضيوف منتظم ومتسق..حسنا فهذا عملي وهذه حرفتي. لكن مع الاستبعادات المتعمدة من كلام الضيوف، كانت المقاطع في الخلفية تحكي نفس الحكاية بلا خلل!
كانا يحبان بعضهما البعض ويدوران خلف بعضهما البعض..لا يخل باجتزاء المقاطع أي تسلسل في حكايتيهما سويا.
حينها تركت غرفة المونتاج والمونتير الصموت المدخن..ونزلت إلى حيث صورنا هذا المقطع.
وقفت نحو ساعتين أستعيد المشاهد، وأراقب المشاهد الجارية الآن.( والمقارنات تمزق مخي)
خطفتني حقيقة مدهشة: كل الكون متناغم، وكل الحكايات متوازية ومتقطاعة.
قل لها أحبك الآن..وغيرك سيقولها في نقطة أخرى بالضبط. ولو تجردت من بشرانيتك، ورأيت ما يجري في الطابق الأسفل من العقار الذي تجلس فيه الآن..سيدهشك أن غيرك يقول شيئا ما بنفس المعنى.
هناك ملايين المسارح المنصوبة، أنت في عربة المترو بطل، وفي المحطة بطل مساعد، وكومبارس في الشارع، وتعود لبيتك كي تصبح بطلا مرة أخرى، وهكذا دواليك دواليك..كلنا مستغرقون في الدراما الكونية..دراما حياتنا ودراما حياة الآخرين.
استنتاج: الكون وكل حكاياه ليسا متناغمين فحسب..بل هناك مخرج فذ يشاهد كل هذا، ويراكم انطباعات عنا، ويعرف عن يقين كيف تجري كل حكاية هنا وهناك.
وأنا الآن أترك هذه التدوينة من يدي وأحدق مبتسما في وجه المخرج.


الجمعة، 21 ديسمبر 2012

السلفيون..من تجارة الهريسة لمقاولات الأفكار




يلفتني منذ منتصف التسعينات، اختصاص أفراد منتمين للتيار السلفي بصناعة وتجارة الهريسة في أكثر من محافظة من محافظات مصر، بصورة تبدو مثيرة للتساؤلات بقدر ما تدعو للدهشة.
استوقفني الأمر في كل مرة احتككت بها بأحد محال بيع الهريسة..دوما هناك رجال ملتحون (أقرب إلى البدانة)..يبيعون الهريسة على خلفية قرآنية بصوت أحمد بن علي العجمي.
ضمنت الملاحظة في سلسلة تحقيقات أجريتها عام 2007 حول السلفيين في مصر (الانتشار والقناعات..المرجعية والزي..الشيوخ والأتباع..إمكانات التحول الكامن..الدور المستقبلي الذي قد يلعبه السلفيون في مصر).
وفي لقاء مع خبير الحركات الإسلامية حسام تمام،رحمه الله، فكر معي في الأمر قليلا، ثم قال: يعتقد السلفيون في حديث شريف يقول بأنه سيجيء يوم على الأمة يدخل فيه المال الحرام في رزق كل مسلم إلا الراعي في الصحراء.
ومن ثم فإن السلفيين يتخوفون خوض مغامرة العمل في صناعات أو تجارات أو مهن مركبة أو ذات مراحل معقدة، قد يتخلل الحرام "المرتقب" أيا من مراحلها.
لذا فإن الهريسة_كجزء من تجارة الحلوى_ تمثل صناعة بسيطة،ويمكن إخضاعها لمقياس الحلال والحرام بسهولة.
إلا أن السلفيين في السنوات السبع الأخيرة، تملكوا بصورة كبيرة زمام تجارة مستلزمات الكمبيوتر، ففي مولات الكمبيوتر بالقاهرة، لا يخفي الانتشار السلفي..
فهناك دوما رائحة بخور سعودي في بهو المول، وهناك دوما قرآن بصوت أحمد العجمي..وهناك الكثير من "جزاكم الله خيرا"..و"اتفضل يا أخي".
وهو تحول حمل من الدلالات، ما لا يجوز معه الاستغراب اليوم من انخراط السلفيين بغتة في الشأن السياسي العام على هذا النحو. فالسلفيون يتطورون زمنيا ويطورون من أهدافهم وتجربتهم، فالانقطاع عن العالم لم يثبت جدواه كوسيلة تعايش، ولا اعتزاله ممكن عمليا ونفسيا.
السلفي مطمئن أكثر مما نعتقد..هو شخص يقيم كل الأمور على مقياس واحد فقط (حلال أم حرام؟)..ومن ثم فإنه لا يواجه الكثير من الأسئلة الوجودية والقيمية التي تنتاب التيارات الأخرى.
الأمر بنظره حلال أم حرام؟ وتحديد الحلية من الحرمانية أمر محدد سلفا..له معايير ومقاييس دقيقة للغاية..
كل أمر وشأن في العين السلفية يمكن قياسه على هذا المعيار ..
(الديمقراطية تعني حكم الشعب للشعب)..
جملة كهذه حين تطرحها أمام الذهن السلفي، لن يتم التعامل معها على النحو الذي سنفكر نحن فيه..فهي جملة تحتوي مجموعة من المعطيات التي ينبغي إخضاعها بداهة للمعايير الصارمة..
الديمقراطية (كنظرية غربية هل هي حلال أم حرام؟ وهل لو ثبت جدواها يجوز للمسلم الاستعانة بنظريات الغرب ونقلها أم لا؟)
حكم الشعب للشعب؟ هل يجوز أن يحكم الشعب في ظل حكم الله؟ ولو جاز هل يحكم الشعب وفقا للشريعة المبينة أم أن هناك مساحات للاجتهاد والتغيير؟ وإذا جاز فهل يجوز أن تحكم جماعة بعينها باقي الأمة؟ وما هي مواصفات هذه الجماعة في هذه الحالة؟
كل مرحلة من مراحل التساؤل تخضع لسلسلة من المداولات والمشاورات الفقهية الصارمة التي تجيد المدرسة السلفية تمرير الأمور من خلالها.
يفخر السلفي بهذا البنيان الصارم، فهو يستند إلى أصول علمية ليس بالهين الإحاطة بها، لذا فإن هناك دوما دروس في علوم الشأن الإسلامي يتدارسها السلفي بدأب وانقطاع عسكريين.
وهذا التدارس، يضع السلفي أيا كان مستوى تعليمه الذي حصل عليه، على قدم المساواة مع الأزهري الذي تبددت سنو عمره الشابة في غياهب المتون وفي هوامش الرسالات!
وهي إحدى نقاط الضعف التي طورها التيار السلفي على مستوى أفراده، وهناك تسجيلات مرفوعة على موقع يوتيوب لمفتى الديار المصرية د.علي جمعة، يسخر فيها من تقعرهم الخاوي الذي لا يستند على قاعدة علمية بعمق تلك التي يستند عليها الأزاهرة الأشاوس!

ومن ثم فإن السلفي شخصية مغايرة عما يعتقده قطاع واسع من الناس حوله، فهو ليس الشاب الفقير الذي قرأ كتيب فتاوى سعودي من هذا الطراز الذي يحرم الغناء وارتداء المناظير الشمسية، ويدعو الرجال لإطلاق اللحى والنساء للانتقاب..ويختلس النظرات للسيدات الجميلات، ويتمنى لو اغتصبهن بعد انتهاءه مذاكرة فتوى ابن تيمية مساء كل ثلاثاء.
السلفي شخصية أعمق وأعقد مما يشاع، هو شخص له زيه الخاص، جلباب أبيض سعودي مكوي بعناية..دوما متعطر برائحة من تلك الروائح البدائية البشعة (الياسمين خاصة)..يصحو مبكرا لصلاة الفجر، ويمارس أحيانا رياضة رفع الأثقال (المؤمن القوي خير)..يواظب على دروسه من حديث وسيرة وفقه بانتظام صارم.. وينتمي عادة لإحدى محافظات الدلتا..ويميل لامتهان المهن التي لا تتطلب الحركة الكثيرة فهو عادة يبيع شيئا ما، هريسة أو مستلزمات كمبيوتر أو ملاحف وحليب نوق.
يحلم بالزواج من فتاة تحوز صحيح مسلم، لأنه يمتلك صحيح البخاري ومن ثم فإن بيتهما سيكون جنة لصحاح الأحاديث وموئلا لصحيح الدين (على فكرة واحد صاحبي سلفي اسمه محمود كان هو ده حلمه بالظبط وصارحني به اكتر من مرة).
وإذا كان متزوجا يحلم بابنه الأول معاذ أو البراء أو مصعب أو عمار..أو بابنته حفصة أو نسيبة أو أي اسم يصعب تذكره بسهولة.
شخص راسخ واثق في نفسه لأنه ينتمي لأفراد الفرقة الناجية (كلهم في النار إلا واحدة..)..مستعد لمجابهة الآخرين (هداهم الله)..متأهب دوما لخوض المعارك لأنه يمتلك حيثيات إطلاق الحكم..فكما قلنا كل شيء إما حلال وإما حرام.
وحين تضغطه الظروف، ويهاجمه الجميع، سيقول قول الشيخ محمد حسين يعقوب "البلد بلدكم مش بلدنا..نحن نريد الجنة".
(المقال أعلاه منشور من نحو عام ونصف، وأعيد نشره الآن هنا على المدونة، دون الانطلاق من أي أغراض هجائية، هي فقط محاولة للفهم، جابنها الصواب أم جافاها، كليا أو جزئيا)

الأحد، 18 نوفمبر 2012

رسالة المواطن 7774


في المعتقل، حمل أبي لقب "المعتقل 26"، وهي تقنية نفسية معروفة، درستها في مادة العلوم السياسية ( فصل الحرب النفسية) في سنتي الجامعية الأولى..استبدل اسم سجينك برقم، اختزل وجوده كله في هذا الرقم، دعه ينسى اسمه، جرد ذاته من ذاته، أنسه ملامح نفسه، دعه يعتقد أن وجوده في هذا الكون لا يعبر عنه إلا هذا الرقم..باعد المسافة بينه وبين إدراكه لذاته، فهو ليس محمد ولا هانيء ولا جون ولا آدم..هو هذا الرقم فحسب..ولم يكن أحد ينادي أبي بغير : 26!

 ( ربما لأجل هذا أناديه لا شعوريا بكل الألقاب التعريفية الممكنة له مخافة أن يكون قد نسى شيئا ما، رغم أن تكوينه النفسي أصلب بكثير من أن يقع في هذا الشرك، فتارة أقول له : أبو أحمد وتارة أبو مازن وتارة أبو حيدر، وأحيانا يا محمد! هكذا بتخفيف لا يأباه هو كشخص كتواضع ولطيف المعشر)


الآن، وقد قطعت بعد سن الرشد 6 سنوات كاملة، متعاملا مع الدولة المصرية (مباركها ومرسيها، وبينهما مجلسها العسكري)، أستطيع أن أقولها قرير العين : هذه ليست دولة وهذا ليس وطنا، هذه لوحة رقمية كبيرة وشاشة معلومات عمياء، هذه الدولة تدركني فحسب كرقم بطاقة ورقم تأمين وكود وظيفي، وباركود لعين يختزل كل هذا عني.

يوما ما لم أحس أن علاقتي بالدولة علاقة في اتجاهين، هي مجرد علاقة تجاه مواطنها الحائز على رقم البطاقة الفلانية أو الرقم التأميني الفلاني ورقم الإعفاء من الخدمة العسكرية الفلاني..كل إدراكها لي ينحصر في دفعي المنتظم لضرائب الدخل وتسديدي لمستحقات الدولة لدى استخراج أي ورقة رسمية..


ذهنية الدولة نفسها تتعامل معي على أنني "مصدر مشاكل محتمل"..كمواطن مشاكس من الممكن أن يقترف جرما مروريا ما، عليه أن يراجع غراماته الافتراضية لدى تجديد الرخصة..أو كشخص متمذهب سياسيا على غير ما يذهب إليه النظام، سواء عصابة مبارك أو جماعة مرسي ( وإن كنت نذر دولة أمن الأخير لم تلح بكامل طاقتها بعد)..

كنت أتلقى النصيحة في كل سفر: اهرب بعيدا عن مبنى السفارة المصرية!وبخيالي الجامح كنت أتخيل دوما جماعة أبي سياف وهي تخطفني، أو تنظيم القاعدة وهو يحتبسني في كهف أفغاني لطيف، أو إف بي آي وهي تحتجزني في الدور ال14 تحت سطح الأرض وتستجوبني (معصوب العينين) : ما علاقتك آهميد بيشايخ آبو آبدوالله الماسري؟


كنت أتخيل نفسي مخطوفا ومحتجزا ومعلقا..وعلى الناحية الأخرى على الهاتف السفير المصري ردوده واحدة..لن يدفع فدية استردادي من أي تنظيم إجرامي..بينما سيقول لهم على الفور في إف بي آي: اتخذوا الإجراءات الحمائية اللازمة معه..أنتم تعرفون جهودنا لمحاربة المتطرفين..نحن نعتذر لكم عن هذا..


كل ما تراه الدولة المصرية أنني مصدر مشاكل محتمل: تريد حجب المواقع الإباحية لأنني منحط سأترك عملي وعلاقاتي الإنسانية وأتفرغ لمشاهدة أفلام البورنو..لذلك "الأخ الأكبر" يعرف مصلحتي أكثر مني وسيحجبها..وتفرض إجراء "فيش وتشبيه" _تتلاشى قيمته كل 3 أشهر تلقائيا- إذا ما حاولت العمل في مكان جديد..لأنني بالضرورة قد أكون قد ارتكبت جرما ما في أحد فصول السنة الأربعة.


وشركات الهواتف المحمولة تسألني لدى إتمام تفعيل خط عن اسم جدي لأمي! (اسم أبو أم حضرتك إيه؟)..

يذهب الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو إلى أن الدولة تنظيم عصابي كبير ينشيء كيانات العد والإحصاء، ويحرص على إدراج المواطنين في مشافي ومدارس وسجلات، بغرض إحكام السيطرة وإدراك حجم "النهيبة". الدولة فحسب-وفقا لفوكو- مجرد تنظيم عصابي يحسب الطاقات الانتاجية ل"عدد" المواطنين، ويحسب أنفاسهم وممتلكاتهم والضرائب المستحقة منهم..كي يسهل حسبان المكسب الكلي وتحسينه لصالح العصابة الحاكمة!أتخيل القابع يحكم هذا البلد، وقد استحلنا أمامه على شاشة كبيرة، إلى مجرد شجرة عائلية مرقمة..هذا المواطن 876876 حفيد المواطن 878 وأبن أخت الهارب من العدالة 92923..


أخالني وعامل بريد تعس يجيء لأبي يسلمه 4 آلاف جنيها نظير قضائي نحبي على المحور أو الطريق الدائري..أقول بيني وبين نفسي: لو باعني جزار بالكيلو سيكون ثمني أكثر من 4 آلاف جنيها!

في نقابة الصحفيين، الدولة الأصغر، أحمل الرقم 7774، وهو الرقم الوحيد الذي أحفظه ضمن سلسلة الأرقام التي أحوزها بوصفي مواطنا مصريا وتختزل علاقتي بالوطن، فهو الرقم الأقصر والأكثر دلالة (هذه مهنتي وهذا وجودي وهذا هو كودي الاختزالي المحبب! وبالمصادفة يطابق المقطع الأخير من رقم هاتفي القديم!)..لو قضيت نحبي، أتخيل أبي بعد شهر وهو في قاعة ضخمة من قاعات نقابة الصحفيين كي يتسلم درع ما (شهيد الصحافة أو أي هراء بلاغي من هذا) بينما يقف السيد نقيب الصحفيين قائلا:لقد افتقدنا زميلا عزيزا..وصحفيا فاضلا..مارس المهنة مترسما خطاها الأخلاقية والاحترافية كما يليق بصحفي شريف..حقا لقد افتقدنا الزميل 7774..

الجمعة، 26 أكتوبر 2012

المورق اليانع حسام.. أو ما يقال عنه عام على رحيل حسام تمام


يمر اليوم عامُ بالضبط على رحيل حسام تمام. وفي عام كامل لم تبرحني ذكراه.
ما مرت من طريق إلا ولي معه فيه ذكرى، كأنه اختار أن نمر سويا في كل الطرق. يرحل وينقطع عن دنيانا إلا من علم ينتفع به، وسنين طوال من الذكريات الجميلة.
إنسانيا ومهنيا، حين أستدل على شيء ما في حكاية ما في حجة ما في سياق ما، دوما يكون للأمر علاقة بحسام بطريق أو أخرى.
كتبه التي ألفها، وتلك التي أخذتها منه على سبيل الاستعارة أو هذي التي قرصنتها بسيف الحياء، كلها تصادفني كل يوم كأنها تذكرني بصاحبها.
ربما لأن مجالسة حسام تحفر في وجدانك شيئا، تقودك حتما لشيء ما. 
كان حسام رحلة فكرية مكتملة الأركان..أسطورة جميلة تمت قبل أوان التمام..فكان لابد أن ترحل لعالم آخر غير الذي نحن فيه.
كل شيء من ذكراك عطر..فأي شرف هذا الذي رحلت دونه يا حسام؟
كل ذكراك شجرة ثابتة أصلها في الأرض وفرعها في السماء..ويانعٌ أنت مورقٌ دوما.
لاينال من حضورك، تغييب الدار الآخرة.
أصدقك القول حساما، حين دخلنا محل دفنك، كانت المرة الأولى التي أجد فيها مدافن مطمئنة أقرب للسكينة والابتهاج الهاديء منها للقبض والوحشة.
رحلت إلى ربك وخلفت زوجة شجاعة وقفت معك بكل جسارة بينما تسلم الروح لبارئك رويدا رويدا بتعاقب الشهور والأيام..وتركت أخا يشبهك تماما (الشكلٌ وربما الخلقٌ)، حين وقف في منتصف المسجد يسأل إن كنت مدينا لأحد كي يسد دينك، فعرفت أن هذا البيت بيت كريم الخلق شهم الخلقة أصلا.
رحلت وتركت إخوة لك من غير دم ولا لحم، كلهم يبكوك بحرارة لحظة الفقدان الأولى، وكلهم على نحو ما يدرك أن مثواك ليس إلا في مكان لم تره عين ولم تسمع عنه أذن ولم يخطر بقلب بشر..هكذا يتوارد في نفوسهم جميعا..وما كان الله ليخلف ظن المؤمنين..ما كان الله ليخلف ظن كل هؤلاء!
في سلام ترقد، ويقيني يا صاحبي، أن أجمل ما فيك لم نعرفه قط.
السلام عليك يوم التقيتك ويوم صاحبتك ويوم افتقدتك ويوم تبعث حيا.

الاثنين، 22 أكتوبر 2012

انزلاقة الشنيور..أو ما أدعوه فقه المفك الصليبة



منذ الطفولة والمفك الصليبة دوما يشعرني بأن العالم بخير، وبأن هناك مساحة ممكنة دوما للسلام الداخلي.
انطباق صليبة المفك على أي مسمار "صليبي" الرأس..كان يشعرني أن هناك حلٌ مناسب لكل شيء في هذا الكون، وأن هناك أغراض-بطبيعتها- على وئام ناموسي مع أغراض أخرى.
استقرار رأس المفك البارزة داخل رأس المسمار المجوفة، كان سحريا بالنسبة لي، كان أحجية تكتمل كالمعجزة أمام عيني.
كنت أدير المفك الصليبة فيطاوعه المسمار في خضوع غريب، وأظل أراقب الاستدارات اللولبية على جسم المسمار وهو ينفك رويدا رويدا، بينما لولبيتها ودائريتها تخادعان بصري فيبدو المسمار كما لو كان يستطيل إلى ما لانهاية.
المفك الصليبة كان يشعرني أننا ناجح في جملة المهارات الذكورية المطلوبة من فك وربط وهدم وبناء وتصليح.
وعادة ما كنت أفكك به في التسعينيات، ترسانة الألعاب التي أحضرها لي أبي الثمانينيات ( الأطباق الطائرة والدبابات وباقي عدة الحرب..جنبا إلى جنب مع القطار المذهل الذي كنت امتلكه في طفولتي والذي أثق أنه ستدب فيه الروح يوما ما وينتفض من الصندوق المغبر الذي يقبع فيه، كي ينقلني إلى عالم سحري آخر).
وكانت سنو عمري تسرق مني رويدا رويدا، بينما لا أكن تجاه الأدوات-عموم الأدوات- سوى كراهية العاجز عن استخدامها..
كل الأدوات..سوى المفك الصليبة.
***
بالأمس فقط أمسكت الشنيور للمرة الأولى في حياتي..مستخدما لا مناولا.
أنا أمام الحائط، ومن المفترض أن أزج ب"البنطة" داخل الجدار كي أجري ثقبا محسوب العمق..كي نعلق ستارة ما أو شيئا ما من هذه الأشياء التي تعلق من وقت لآخر..لا أتذكر حقيقة.
التجربة مذهلة، كونية، صاعقة، كاسحة..بالنسبة لي (مهما بدا لك الأمر تافها أو مألوفا)
تحسست الجدار بيسراي وأغمضت عيني، كأني أستبين ذرات الحائط وأخترقها بروحي، كأني أفهم-دفعة واحدة- كيف هي متماسكة وكيف سأخلخلها أنا دون أن أدمرها، ودون أن أعتدي على كبرياء جدار من جدران منزلي الذي يؤيني.
في لمستي، ذبت في الجدار، أحسست بكل بكل مكوناته: طبيعتها، رائحتها، تاريخها، خواصها، تفاعلها، نقاط ضعفها، مشاعرها.
رفعت الشنيور، مستأذنا الجدار أن أشن عدواني المهذب عليه..وضغط إصبعي على زر التشغيل، وزمجر الشنيور في يدي زمجرته المتوعدة.
لامست الجدار برأس البنطة ملامسة رقيقة، ثم تركت له العنان.
كان يدور بانسيابية غريبة، كانت ذرات الحائط تتباعد من تلقاء نفسها، كان الثقب يغور في تناغم مدهش، كان الجدار يتجاوب معي، أكثر مما كان الشنيور يؤدي وظيفته.
أتأملني في وقفتي الثابتة، وذراعي في وضع عمودي، ممسكا شنيور يخترق الجدار، بثقة وتفاهم.
أقول لو كان فرويد هنا لكتب كتابا كاملا عن فقه الأجساد العمودية والاختراقات المنشودة..كان سيقول كلاما كثيرا لن يخرسه إلا هذا الشنيور وأنا أغرسه في عنقه كي يصمت إلى الأبد ويكف عن تصديعنا.
أنتهي من ثقبين في الجدار، بديا لي كما لو أنهما ذابا من تلقاء نفسيهما، وأتأمل الشنيور في يدي كأنما هو مسدس مائي من الطراز الذي كنا نلعب به في طفولتنا.
كانت قيادة طائرة ميراج أسهل بالنسبة لي من استخدام الشنيور..لكن في لحظة بعينها، لحظة التفاهم الكبرى مع الكون/الجدار..يتوائم الشنيور كأنه مفك صليبة باعث على الطمأنينة بأن كل شيء سيأخذ مجراه.

الأحد، 14 أكتوبر 2012

الرأسمالية وتدريبات يوم القيامة..في كواليس المؤسسة العالمية



أقف أمام ماكينة القهوة في الدور الثاني من البناية الضخمة التي تحتل المؤسسة العالمية التي أعمل بها نصفه.
أنتظر دوري في طابور قصير ملول، يخفي الواقفون فيه تذمرهم ،من الانتظار ومن بعضهم البعض، تحت غطاء من اللياقة الاجتماعية التي يمكن أن تكتسبها بالتدريب، ما لم تكن منقوشة في وجدانك.
هنا في هذه البناية، في هذه المؤسسة، في إسار الطابع العام الذي يحكم الأمور..يمكنك أن تعرف كل شيء حول عشرات العاملين معك في القاهرة، وحول الآلاف بامتداد العالم.
إنهم يشربون القهوة أو النيسكافيه في الموعد الفلاني عادة، ويتناولون غدائهم في موعد آخر ثابت، بانضباط فسيولوجي ومزاجي صارم.
لو كنت أحد محللي الأداء الوظيفي لرسمت شكلا بيانيا بالمنحنيات الثلاث: المزاج-الأداء-الرغبات الفسيولوجية، ولبدا الارتباط الوثيق بين ثلاثتهم.
أنا هنا أواجه نفس الضغوط التي يكابدها شاب في مثل سني يعيش في سان فرانسيسكو، يجلس على "لاب توب" مطابق للذي أعمل عليه، شكلا وإمكانات، ولا يفرقهما عن بعضهما البعض سوى ملصق الباركود.
كلانا يواجه أزمات تقنية واحدة، ويظل كابوسه المقيم، ألا يصل تقييمه الوظيفي للدرجة التي يريدها وفقا لمنجزاته المهنية، التي تحسبها عليه برامج إحصاء وتعقب وتحليل فائقة الدقة.
كل نقرة مني على الكيبورد، تعني أنني أتخذ قرارا ما في عملي، ما يؤثر في نهاية المطاف على درجة الإنجاز وجودته، كل نقرة مني، أشبه بمقامرة قدرية حول ما سيؤول إليه تقييمي الوظيفي بعد 3 شهور.
وحين تواجهني مشكلة تقنية ما، يهرع فورا فريق عالمي لتباحثها وحلها..
ينضم إلى نافذة دردشة شباب تقنيون عباقرة..من الصين وإيطاليا وأمريكا..ودول كثيرة بينهما على الخريطة.
كل مرة أواجه فيها مشكلة تقنية..ينضم إلي هؤلاء جميعا..فأحس أنني أتباحث إصلاح الكون نفسه، لا أخوض مجرد دردشة عملية حول عطب فني في حسابي العالمي داخل هذه الشبكة العملاقة.
جميعهم يواجهون كوابيس تقنية شبيهة بما أواجه، وكلهم تقريبا يخضعون لنفس الضغوط، ونفس المميزات..
كلهم يتلقون رسائل البريد الإليكتروني التبشيرية التي ترسلها الإدارة الأم..حول مستقبل أفضل للعاملين في هذا الكيان.
وكلهم لديهم أهداف مرحة على نحو ما..أو هكذا يمكنك أن تتخيل إذا ما تصفحت صورهم الشخصية المدرجة في ملفاتهم المتاحة على شبكة داخلية عملاقة.
أتخيل زميلا صينيا يدعى "لي" مثلا، ينتظر إنهاء وردية عمله كي يمرح مع زميلته..في حين يبدأ زميلي الإنجليزي "آدم" ورديته بعدما قضى نوبة مرحه مع صديقته..في مشهد درامي تلعب فيه خطوط الطول ودوائر العرض وفروق التوقيت، دورا فنيا فوق المدهش.
أخالني وقد صرت شبيها بأشباهي من سائر موظفي المؤسسة العملاقة حول العالم.
نمتلك نفس البطاقات الممغنطة التي تفتح أبواب المكاتب والطرقات..نمتلك نفس جهاز اللابتوب..ونفس "مولًد" كلمة السر النقال..ونفس الحقائب التي تحمل شعار المؤسسة..ونفس الأيقونات الصغيرة..
الجميع يتنقل داخل نطاق دخل شهري بعينه، يجعلنا نشتري ملابسنا وأحذيتنا من محال بعينها، بالأحرى من أفرع هذه المحال، بحيث نصير في نهاية المطاف محشورين داخل أزياء وتصميمات بعينها..
نفس الموظفين يشترون من نفس الأفرع بنفس الأسعار حول العالم..
ويعضد الأمر رغبة التشابه داخل الجماعة الإنسانية..
فيحتذى البعض "لوك" البعض الآخر..وهكذا نصير جميعا نسخا مستنسخة..
أنظر إلينا (ها قد صرت أحدهم وأقول "إلينا"!) من زاوية منظور الطائر..بينما نسير كالروبوتات الآلية..
نجلس على المكاتب البنتاجونية التكوين (خماسية الأضلاع كلها)..نشرب القهوة في مواعيد بعينها، فنذهب لدورات المياه في مواعيد متزامنة تقريبا، ويترافق أداؤنا الحيوي مع انبساطنا المزاجي..وفي نهاية اليوم، نصل لنفس الدرجة من الإرهاق، ويجتاحنا نفس القدر من التوتر..لننتظر في نهاية الربع السنوي، تقييما دقيقا، يرتكز على أرقام وإحصاءات وشهادات مدراؤك وزوملاؤك..ولسان حال تقريرك يقول "اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا"..
لأول مرة أحس أن الرأسمالية تدربني على وقفة يوم الدين!

الاثنين، 10 سبتمبر 2012

عسليولوجي..مقدمة في علم العسلية

اعلم يارعاك الله أن لاختيار عسليتك المفضلة أصول وضوابط تعاقدت على إبانتها الذائقة السليمة والفطرة السوية والنزوع الحميد.
هنا دليل عملي كيف تختار عسليتك :
أولا: هل تحبها بسمسم أم بدون سمسم؟ إذا كنت تحب الطراز السمسمي، فعليك باختيار نوع من اثنين، إما العسلية اللينة القوام، وهي التي تباع في أنفاق محطة مترو العتبة، وفي أول شارع الأزهر، وهذه تناسب من يعانون أوجاع الأسنان المؤقتة ذلك أنها غير مؤذية في القضم، كما لا تتسلل إلى نقاط تسوس الضروس (هذا في حالة آكل العسلية المخضرم الذي تسوست ضروسه كاملة).
 أو أن تختار النوع الأجود، إذا كنت تأكل العسلية كضابط مزاج وأمر مثير للبهجة وباعث على الوقار، وهو النوع الذي روعي فيه أن يكون أقرب للتحميص، مع غزارة وكفاءة في توزيع السمسم على جسم العسلية.
ويمكنك تمييز كل منهما بتحسس الكيس، وملكة التمييز ستنمو لديك تدريجيا، حتى تميز العسلية بمجرد النظر دون اللمس.
أما إذا كانت تفضلها بدون سمسم، فعليك مراعاة اختيار النوع الذي يبدو أقرب للبياض ويبدو كما لو كان منثورا عليه شيء يشبه الدقيق، لأنه يحفظ العسلية أن تسيح فتلتصق بالكيس البلاستيكي الذي يحفظها.
وفي هذه الحالة أوصي بعسلية العتبة (الميدان والمحطة)، وبعسلية الرجل الهاديء المطمئن الذي يرتدي جلبابا أبيض ويبتسم طوال اليوم ويجلس على ناصية شارع طلعت حرب ويبدو من أولياء الله الصالحين.
ثاينا: درجة التأثير المرجوة: هل تريد عسلية لأجل التسرية السريعة والمتعة المختلسة؟ اختر النوع اللين وعلسيات مقالي اللب الأنظف والأقل في قدرتها التأثيرية.
أما إذا كانت من متعاطي العسلية لدوافع ضبط الحالة المزاجية، فعليك بالبحث عن العسلية المصنعة من عسل مصانع نجع حمادي وبقية عسل قصب السكري الصعيدي، حيث تعمل درجة التكثيف العسلي الذي يراعى ضبط مقاديره في وحدات العسلية، على ضبط المزاج بصورة توازي احتساء فنجاني قهوة من الفصيل المركز جدا. ( ركز دوما في قراءة الملصقات الرخيصة في أكياس العسلية حيث تخبرك بتاريخ صناعتها ومكان صناعتها).
ثالثا: نطاقك السكني: هل تسكن في 6 أكتوبر أو العبور أو أي من المناطق التي تتتاخم نقاط صحراوية؟ عليك باختيار عسليات المقالي، لأن تغليفها أفضل، لأنه في حالتك الجغرافية مالم تكن العسلية مغلفة جيدا، ستجتذب أسراب لانهائية من النمل الفارسي المتوحش. لذا راعي الظروف البيئية لدى اختيار نوعك المفضل.
رابعا: هل تجلس بمفردك في حالة مزاجية سيئة؟ إذا عليك بكيس العسلية الشوارعي الرخيص الذي يباع لقاء 50 قرشا فقط.
تحسس السمسم أولا قبل وضع وحدة العسلية كاملة في فمك..امضغ العسلية بتلذذ واستمتاع، مص اصابعك من اثر السمسم، اثقب الكيس وتناول السمسم المتخلف عن العسلية في الكيس، لا تغسل فمك، اترك نفسك كالأهبل قليلا بينما يحيط السمسم فمك. ثم نم مكانك مستمتعا بسريان الأثر السكري للعسلية في بدنك، حاملا البهجة والسعادة وما لايمكن للكلمات أن تختزله أبدا.

الجمعة، 7 سبتمبر 2012

دليل الحيران في الرد على ردود الإخوان

عزيزي عضو تنظيم الإخوان المسلمين..
إيماء إلى جملة أسئلتك وردودك المتكررة في كل المحافل الإلكترونية، والتي باتت محل تندر عام، أود أن أجيبك عنها في إطار علاقة المصارحة التي تفرضها علي علاقات: الجيرة والعشرة والجنسية (أنا مصري مش فلسطيني على فكرة).
أولا: ردا على سؤالك حول انتقادنا "بعض" تصرفات مرسي: "وكنتوا ساكتين ليه أيام مبارك؟".. يا عزيزي أيام مبارك كنا نهتف في التسعينات (يا مبارك يا جبان يا عميل الأمريكان) وكنتم تهتفون بأمر قياداتكم : (يا مبارك ليه تستنى وإنت معاك أحفاد البنا).
وفي 2008، كنا نقف معكم في نفس المظاهرات نهتف ضد تواطؤ مبارك على ضرب غزة (الحتة الغالية عليكم)، وكنت تسكتون تماما حين نتعرض له، وحين ننظر إليكم مندهشين متسائلين (سكتوا ليه؟) كنتم تقولوا : الإمام البنا نهى عن التجريح في الهيئات والأشخاص يا أخي!
ثانيا: ردا على سؤالك: لماذا تلتفتون إلى الجوانب السلبية في رئاسة مرسي؟ يا عزيزي نحن لسنا أولاد خالته. نحن مواطنون ونمارس سلطتنا الرقابية على الرئيس، وهي التجربة التي دشنت نفسها في نهايات حقبة مبارك على شبكة الانترنت بصورة أعنف بكثير مما يجري. فمازال الإيقاع العام هو تلمس الأعذار لمرسي وترقب خطواته، بشيء من العقلانية..لا احتفاء في غير موضعه، ولا مساندة بلا علة تنظيمية!
مرسي يدرك أكثر منك أن صدفة طائشة، تعاقدت عليها أقدرا إلهية، واستكمل إتمامها أصوات النكاية في شفيق، جاءت به إلى موقعه..الرجل يجتهد، دعه يجتهد ودعه يقيل عثرات نفسه بنفسه.
عزيزي انت بمفردك من تستعد للدفاع عن تحويل دفة الاقتصاد المصري للاعتماد على زراعة ثمار الحرنكش الكاروهات..أما أنا فمن حقي مناقشة "رئيس" مصر ومحاسبته في كل خطوة تمس هذا الوطن..حتى لو كانت هذه الخطوة هي اعتقال أفراد من جماعة الإخوان المسلمين!
ثالثا: تساؤلك الدائم حول سلوك حمدين صباحي وتصريحاته، وسخريتك من مجمل ما يقول ، لا يعكس سوى أنك ترى فيه المنافس والوريث الأقوى لنظام الإخوان ولمرسي شخصيا. فلا تعتقد أننا معه في كل ما يقول، ولا تعتقد أنه ليس محل نقد. فقط دع عنك "بعبع" أننا نتربص بكم وبالمشروع الإسلامي (لن أتكلم عن مشروع النهضة الآن وسأترفق بك وسأفصله عن المشروع الإسلامي مؤقتا). فنحن لسنا الهيئة العليا لحركة الكفار الجدد.ولا نجتمع في كهوف مظلمة كي نمزق المصاحف ونتباحث كيفية اسقاط حكم الإخوان المسلمين.
ملحوظة: لا تعتقد أن كل من هو ضدك هو "يساري"..هذا اختزال مخل بالعالم يا عزيزي، فهناك أشرار كثيرون يملأون هذه الدنيا بخلاف اليسار.

رابعا: جملتك الشهيرة السخيفة : "أنا مش إخوان بس"..كنت عضوا أو متعاطفا أو متولها في أسطورة الجيل القرآني الفريد، فإن هذا لن يضعك تحت طائلة مراقبة أمن الدولة..صدق يا عزيزي أن مبارك غار، وأن أخا لك في التنظيم يحكم الآن مصر..وكفى خوفا وولولة. إذا لم تكن إخوان، فلماذا تبدو أحمقا لهذا الحد في دفاعك غير المبرر؟ لماذا أنت مستعد لتبرير تطبيع العلاقات مع روسيا بوصف إن تلجها حلو وممكن نحطه في عصير القصب؟ ومستعد لتفهم زيارة مرسي للبرازيل عشان القهوة المتحوجة ترجع متحوجة زي زمان؟ ومستعد للتهليل لصفقة استيراد بطاريق من القطب الشمالي بوصفها أرخص من الفراخ البيضا؟ عزيزي شكلك أرعن للغاية..كف عن هذا واسترجل وقل أنا إخوان..وواجه العالم.
أنا أعرف أنك تتخيل أن الصحفيين مجرد مرتزقة مضللين، يتصيدون أنصاف التصريحات، ويزيغون بالمعاني بعيدا عن المرامي، ويجتزأون من السياق، ويطرحون أسئلة استشرافية مستفزة.
أنا أعرف أنك تكره جهاز التسجيل الصغير الذي يحمله الصحفيون، وتكره الكاميرا الديجيتال التي يرفعون  مقاطعها المصورة على يوتويب، وتكره حضورهم في ندواتكم. لكن حقيقة الأمر وطبائع الحياة، تقول أنكم كأي جماعة إنسانية "ستهلفطون كثيرا" وسيوثق الصحفيون هذه الهلفطة.
العالم فوضوي بأكثر مما تعتقدون، وربانية الدعوة أمر يعتمل في مخيلتكم فحسب، أما على أرض الواقع، فشيطانية النازع تتاخم الربانية المتخيلة، وتخالج النفوس، وأنت تحفظ يا أخي وتعرف أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم من العروق.
ولعمرك وعمر مرشدك وشاطرك أيها الأخ الكريم في "الجماعة" لا يوجد في مصر 10 صحفيين يمكنهم أن يقوموا بكل هذه المهارات البهلوانية ضد تنظيمك.

عزيزي عضو التنظيم، أنا لا أكرهك ولا أكره المشروع الإسلامي (وأنا الآن أنتظر أن تشرحه لي لأني لم أستوعب مشروع النهضة الذي يبدو كسراب بقيعة)..أنا صديقك العزيز الذي يصلي بجوارك العشاء في المسجد بعدما يعود منهكا من يوم عمل طويل..
الفارق بيني وبينك أنني لا أكون أفكاري بناء على تعميمات أسرتك في التنظيم.
ولا أعتقد أن المشروع الإسلامي، هو ما قال عنه خيرت الشاطر (جاء بمشاركة 1000 خبير) فأنا أقلق دوما من الأرقام الصحيحة! أنا فقط لا أعتقد أن خيرت الشاطر من المبشرين بالجنة، ولا أطمح أن يكون في النار.
فقط فليراقب استثماراته وسوبر ماركتاته، وسلسلة محال الملابس الشهيرة التي يقال أنها مملوكة له والتي تبيع للنساء ملابس لا توافق الشريعة الإسلامية!