90s fm

الجمعة، 27 يوليو 2012

المنطق والتماسك والتخفي ( عن الإحباط وما هو ضده)


الأمر ببساطة، أنني في هذه التدوينة، أحاول دعم نفسي، ودعم آخرين يشبهونني. (هذه ليست تدوينة لكنه مانفيستو ضد العالم).
أنا اليوم أدافع عن الطفل داخل كل من هو شبههي وكل من أنا شبهه. (هذه تدوينة تبرر الفشل وتمنطقه، ولا تتورع عن التلويح بأنياب – وإن كانت لبنية- في وجه هؤلاء القساة القلوب الغلاظ الأكباد الذين يحيطون بنا).

المنطق: لماذا لا أرد أحيانا ردودا منطقية رغم امتلاكي زمام الأمر؟ لماذا لا أفعلها وأنا على كامل المقدرة من تفنيد كلام/مزاعم كل من نطق في وجههي أو من ورائي؟ لماذا أرد ردودا التفافية بعيدة عن جوهر وصلب المشكلة.
للأسف، هو الخجل الطفولي، من أن تنتصر. بل بالأحرى، هو خجل أن ينهزم أحد ما على يديك أنت.

الحس الأخلاقي التي بذرته فينا يدٌ مدت من العدم السحيق، لنظل الأطفال الأتعس مطلقا، ثم الشباب الأتعس مطلقا، وربما إذا لم نصل لتوازنات نفسية من طراز معين، سنصير الشيوخ الأتعس مطلقا.
نخجل من التكريم ومن الإعجاب ومن النوم منتصرين. كما لانجيد التعامل مع من يطرحون أنفسهم كعقلانيين متزنين، بينما عقلانيتهم الظاهرة وقدرتهم على الإلمام الدنيوي بمجامع الأمور، هي الشاهد الأكبر على خرابهم الداخلي.

التماسك: لماذا لا أكتب ولا أتكلم كثيرا عن نحو متماسك، لماذا أتحرك يمنة ويسرة وأجوب الأجواء بلا رادع ولا ضابط؟ لماذا أفترض أن الآخرين معي على نفس موجة البث؟
حين يركز العاقل الواعي الداهية الذي بداخلي، وحين ينفصل عني كي يصارحني كيف أبدو: يقول لي أنني متعثرُ في الحديث، متلعثم في ترتيب الوقائع، مشتت في ذكر الأخبار، أميل لاجتزاء الحكايا، وأكملها بأنصاف وقائع أو هواجس أو حقائق أخرى. (نهاية المطاف : أنا أحكي خوالجي، مخلوطة بما حدث، وبما توقعت حدوثه، وبما أحسه مستقبلا، هو خليط غير أمين، ولا يزعم أنه أمين، لكني لا أستطيع كبح جماح الفوضوي –بداخلي- و الذي لا يدرك شفرته إلاه).
هذا المهلهل، هو الاختيار الطوعي الذي حسمته، كي لا أشقى بمظهر أولئك الذين يجيدون السير على الخطى.
أنا لا أفترض أن التقدم أو النجاح هو أن تسير على خط مستقيم واحد، في خطوة تستلمها خطوة أخرى. بل لكل بصمته، وأنا من الذين يجوبون حول أنفسهم ويثبتون في مكانهم طويلا، ثم يقفزون إلى الثريا ومنها إلى جيبوتي ثم كولومبيا ثم ركن الغرفة المنزوي. لا أفترض سيرا، ولا فرض الله علي خطا بعينه أنتهجه.( خلقني بأخلاق الملائكة السائحين الطوافين، ولم يخلقني بأخلاق الملائكة ذوي المهام المحددة كعزرائيل قابض الأرواح، أو هكذا أظن).

التخفي: لماذا كثيرا ما أتظاهر بأنني مرتبك، ولماذا أمعن في إرباك نفسي؟ لماذا أصر على ألا يتبين أحد كل رباطة الجأش التي رسختها يدٌ قدريةٌ بداخلي؟
أنا أفكر بصورة متوازية، وفي أكثر من شيء في نفس الوقت، وأتحكم في كل شيء في جسمي. (كل ذلك حين أكون بمفردي). لكن حين الأمر على الملأ، أستحي من كل هذا.

لا أعرف هل هو أمر أخلاقي أم هو غير ذلك، لكن ما أوقن به، أنني حين أسير في الشارع، أبطيء السير إذا ما صادفت شخصا به أذى ما في جسمه (شلل أو عرج أو ما سواه مما يعتري الجسم في الرحلة الأرضية الوجيزة). وأتذكر أنني كنت ألعثم شفتي في الكلام حين كنت أناقش زميلي الذي يعاني حالة تلعثم متقدمة، كي لا أعمق إحساسه بأزمته.

الخطيئة المحببة كرها: أقترف خطايا ما عن عمد، كي أصير عاديا في عيون الآخرين، كي أصير في المتوسط الطبيعي العام. الأمر لا يعني أنني خالص من كل شائبة، أنا فقط أقترف خطايا من طراز مختلف عما هو شائع..لكن من سيقتنع بهذا؟ اخطيء مثلما يخطئون كي لا أصير مصدر إزعاج دائم لمدمني التشابه.
أحيانا أخطيء كي نتساوى أخلاقيا أنا ومن أمامي، وكي لا أتركه في قاع سحيقة يتضاءل فيها أمام نفسه بخئطه هذا. لكن للأسف، أحيانا نجعل المعروف في غير أهله، فيعتقدون أننا الخطاءون وأنهم التوابون.
أترك سهاما تنال مني كي تتوازن الأمور، وحتى حين أكتب كل ما هو فوق هذا السطر، لا أكتبه من باب التباهي ولا الإغاظة، بل لأن نواقصه، ستبرر لموتورين ولضعيفي فهم سقيمي روح، كل ما يعتمل بداخلهم تجاهي/تجاهنا.
(أنا حزين اليوم، كما لم يكن الأمر من قبل)..هناك شيء ثقيل جاثم على صدري، وكآبة محدقة بي من كل صوب.

 (أحس للمرة الأولى في عمري، أنني يمكن أن أموت حقا، وأنه من الممكن أن ينهي ميكروباص مسرع حياتي في أقل من 30 ثانية. لتظل أفيالي في غرفتي بلا أحد يرعاها، ولتتعفن عسليتي في مخابئها السرية، وليصادر جوجل هذا البلوج بعد بلوغ أكثر من عام على عدم دخول صاحبه). أحس الآن نغزا خفيفا في أصابع قدمي اليمنى.

الأحد، 22 يوليو 2012

ما الذي تعنيه وفاة عمر سليمان بالنسبة لي؟

 

 

 

يثرثرون كثيرا فيما يخص وفاة عمر سليمان، وأنا بمفردي أحتفظ بدهشة شخصية، تربكني كما لم أرتبك من قبل.

 من موروثات طفولتي، قناعتي التامة أن هناك أشخاص لن يموتوا أبدا..كان على رأسهم جدي (رحمه الله).. ، وأحد أساتذتي في المدرسة الابتدائية الذي لا أعرف أين محله من الأرض أو السماء الآن..

وأخيرا: عمر سليمان الذي لقي ربه قبل أيام.

 الأمر لا يتعلق بولهي المبالغ فيه بشخص سليمان، ولا لأنني من فريق يرى أنه الرجل الفرصة الذي فقدته مصر.. الأمر- بالأساس - يتعلق بكوني رأيته شخصيا مرتين، واقتربت منه لمسافة تقل عن نصف متر، وتأملته عن قرب..عن قرب جدا.

وفي القرب-كما تعلمون- درجة من التفهم تتولد بين الطرفين، والتفهم –بطبعه- يسفر عن تعاطف ما، ارتباط ما، تبرير ما.

كان سليمان لغزا كبيرا بالنسبة لكثيريين، كان في عقيدة البعض مهديا منتظرا سيطيح بمبارك وعائلته في لحظة مباغتة، وكان في عقيدة آخرين ضلع الاستبداد الأصلد..وما بين هؤلاء وأولئك تناثرت روايات كثيرة يناقض بعضها بعضا.

رأيته أول مرة عام 2007، في أحد فنادق القاهرة، في مصادفة غريبة سمرتني مكاني، ولم أنطلق نحوه كي أعرفه بنفسي..

بسذاجة صحفي في مقتبل العشرينيات، كنت سأقول له: أنا صحفي وأريد أن أجري معك حوارا. لكن المفاجأة ألجمتني، وربما كان في هذا مصلحتي.

في المرة الثانية، في العام 2009، حين جاء أوباما لجامعة القاهرة كي يلقي خطابه للعالم الإسلامي.

كنت أراقب من موقعي في شرفة الدور الثاني من قاعة الجامعة، حركة سليمان الواثقة، ونظرته الشاردة، وحضوره غير المتضرر من حضور الآخرين وغير الآبه بهم..كان برأيي ممن لا يجيدون لعب دور الرجل الأول، أو أنه زاهد جدا، أو أنه داهية فوق ما نتوقع جميعا.

قبل أن يجلس في كرسيه، التفت خلفه فإذا صف من المشايخ الأزهريين،فنظر إليهم- سليمان- بتواضع جم وقال: السلام عليكم ورحمة الله ثم جلس..في لفتة مهذبة جدا، لم يقارفها جمال مبارك ولا نظيف ولا أيا من رموز وأركان دولة مبارك حينها.

لدى الخروج من القاعة كانت المسافة بيني وبينه هي نفس المسافة بيني وبين شاشة الكمبيوتر الذي أنقر حروفي الآن عليه.

كان صلب البنية، متين العظام، بملامح صخرية قاسية، ونظرة ثاقبة..كل هذا محمل على جسد يسير بعرج خفيف لا يكاد يلحظ.

في هذه المرة كنت أكبر بعامين، وكنت أهدأ نفسا من أن أذهب إليه وأقول له: أنا صحفي وأريد أن أجري معك حوارا.

ومع اندلاع الثورة، وتعيينه نائبا، وحديثه لوسائل الإعلام كانت صدمتي كبيرة، الرجل ليس عميقا بالمرة، ليس ملما بكل الخيوط والأطراف، لا يراوغ ولا يبادر بإجابات ذكية أو حلول حصيفة..لم يفرق قيد أنملة عن مبارك "الأهبل" "السطحي" "محدود القدرات".

وبعد الإطاحة بمبارك، جاءت ملفات التحقيقات معه صادمة، فمعظم إجاباته عن أسئلة النيابة كانت محبطة تتراوح بين: لا أدري، لا أتذكر..وإما إجابات عمومية جدا.

كانت كلها مملة وعديمة الإفادة، ولا تناسب مقدار الإثارة والتشويق المنثورين حوالي الكهنوت السليماني.

حين يتكلم كان يبدو كالجبل الهادر، ولكن الخلاصة القولية لما يفضي به: كأننا جالسين والماء حولنا..كقوم جلوس حولهم ماء.

ورغم كل شيء، حين يرد ذكره، كنت على الفور أذهب للنسخة الشخصية التي أحتفظ بها في ذاكرتي لعمر سليمان، بعيدا عن ثرثرة الإعلام..سواء من مادحيه المأجورين، أو كارهيه الشانئين.

كلما جاءت سيرته، كنت ألفظ ميراث ويكيليكس الذي هو برمته محل شك لدي. وكنت أهرع لصورة الرجل الذي يعرج عرجا خفيفا، ويبدو شارد الذهن غير آبه بالمحيطين، ويبدو على نحو ما "يدرك شيئا ما".

الطفل بداخلي كان ينتظر تشويقا أكثر، وينتظر نهاية أكثر درامية (حلقات مسجلة بشهادته واعترافاته، أسراره التي سيكشفها على برنامج تلفزيوني، بكاءه بين يدي محقق نيابة خشن لينهار ويعترف بكل شيء).

لم أستبعد أن يكون عمر سليمان محبا للشيكولاتة والبطاطس المحمرة، كنت أنسج عشرات التفاصيل، بشوق وتوق طفل يشاهد فيلما بوليسيا، لا يعرف كيف ستكون نهايته، لكن الأشرار عادة ما يلفظون بكل الحقائق قبل الموت. كما أن الأبطال يقولون لنا الحقيقة الكاملة كي نتعاطف معهم دراميا وأخلاقيا.

لقي عمر سليمان ربه..ومازال في نفسي سؤال طفولي لا يكف اعتمالا: هل هذا هو كل ما لديك يا سليمان؟

هل أنت تافه فعلا وسطحي وسخيف إلى هذا الحد؟

صورتك في ذهني تقول شيئا آخر، اقترابنا سويا في محيط واحد كان يقول شيئا آخر (هذا لو سلمت بنقاء الطفل بداخلي حين يقيم الأمور).

لكن هنا، لا يجوز ألا تحترز ثوريا وتشتم سليمان. أو كخيار أغبى: أن تحتشد فلوليا وتترحم عليه.

ما بين العاطفتين والنازعين والسؤال الطفولي العالق..أسأله في برزخه: هل هذا هو كل ما لديك يا سليمان؟

 

 

السبت، 14 يوليو 2012

حين تنامين وتتأخرين عن الموعد يا حبيبتي

حين تنامين، متخلفة عن المواعيد المضروبة بيننا، ينشط شيطان ما، ويجوب يمنة ويسرة، لأجل إفساد كل شيء.

***
فمثلا مثلا: أتلقى دعاوى لانهائية للذهاب للسينما مع أشخاص، لا يبدو لي غرضهم النهائي هو الذهاب للسينما، ولا يبدو أن الحديث الذي ينتوون إجراؤه معي سيكون حول روعة الفن السابع.
كما أن البعض يطري على لون عيني كل إسبوعين مرة، وهو بطبعه يتغير يوميا كما تعلمين أكثر من سواك، هذا فضلا عن أنه-بمنتهى الأمانة- شديد العادية بطبيعته، على نحو لا يستدعي أي معاكسة مقنعة.

 دعك من هذه التي تحدثني عن زاوية تحدر ذقني، وكيف هي "سو كيوت ع الآخر" وتذكرها بالمحاربين الرومان القدماء. وأنت تعلمين أن شيطاني لن يمنعني من الحديث معهن عن الإلياذة والأوديسا، وفسيولوجيا تغير لون العين وفقا لدرجة الإضاءة المحيطة.
(أي نعم أنت مللت هراء ويكيبيديا الذي أمطرك به كلما التقنيا، لكن البعض مازال يراه فاتحة خير في حوار لطيف)...(كثيرات يا حبيبتي لم يضربهن الملل مني بعد).

كل هذا هراء من وجهة نظري، والشياطين-مجتمعة- لم تحرك وفائي لك قيد أنملة حتى الآن.
لكن هذه التي تعد رسالة ماجستير-في الأغلب هي رسالة وهمية- وتطلب مني لقاء بغرض نقاش الآليات الجديدة لتاريخ ما قبل العصور الوسيطة وعلاقته الجدلية بنشأة المدونات التي يكتبها صحفيون في إطار المرجعية الشاملة لإذاعات الانترنت على خلفية اقتصاديات العسلية في الشرق الأوسط، هي بالأحرى لا تريد وجهة نظري العلمية الصائبة، بمقدار ما ستحكي لي بكثير من الشحتفة عن تدوينة هنا ونوت هناك، وكلمة ألقيتها في مؤتمر إنقاذ إسفنج البحر عام 2008.

كل هذا لا يغير من صلابتي ولا وفائي لك شيئا، حتى هذه التي تقول لي هيا نلتقي لنشرب عصير الجوافة ونناقش مستجدات العلاقات الأوروبية الحديثة مع تطور حركة حقوق الإنسان في سوريا، بينما هي في حقيقة الأمر تود أن نطور مستجدات بينية مشتركة، كل هذا..هذا كله، والله لا يؤثر في شيئا.
الشيطان الذي يعمل ضدك بصورة مباشرة، يسوق لي كل الألوان وكل الأعمار والأنماط، وأنت تعرفين أنني محصن ضد من هو عداك أنت.

الأمر يا حبيبتي متعلق بك، وبمهمة شيطانك الرائدة في إفساد علاقتنا سويا، ولا يمت بصلة من الصلات إلى جاذبيتي التي لا تبقي ولا تذر. ( لا تمصمصي شفاهك وتقولين لهن إشربنه وإشربن تعنته حيال المواعيد وحدة لغته وكثرة سرحانه وحبه المبالغ للكارتون، لأن شيطانك سيوجد واحدة على الفور مولعة بكل هذا).

صدقيني، اتلقى عروضا رائعة، واحدة تعرض أن تعد لي بنفسها نيسكافيه منضبط المقادير، وأخرى تريد أن تعلمني التنس أو الغوص في الأعماق، وثالثة تدعوني للذهاب إلى رحلة صحفية في الضاحية الجنوبية بلبنان للتحقق من طبيعة التواجد الإسرائيلي في خلايا حزب الله..وأنا أعرف أن آخر ما تريده هو الله..أو حزبه.

صدقيني، الشيء الوحيد الذي يفت في عضدي، هو أنني منتظرك على الغداء كما تواعدنا، وأنا لم آكل منذ 20 ساعة، ووفائي لك يمنعني من الأكل منفردا.
أرجوك لا تتأخري عن مواعيدنا مرة أخرى. فأنا ضعيف أمام الأكل، وأحيانا أخرى ربما أضعف حيال دعاوى تناول الكرواسون المضمخ بالقرفة في شوارع وسط البلد.
حبيبتي، أنت الآن متأخرة ساعتين و45 دقيقة عن ميعادنا، ليصبح مجمل ما تأخرتيه : 45 ساعة و13 دقيقة.
ألا يكفي هذا؟