90s fm

الجمعة، 29 أغسطس 2008

أم زياد

أم زياد
حاولت الكتابة عنك مرارا،أنفقت من عمري تسعة أشهر تخذلني ألفاظي،وتذهب عني حيلي،ويعاندني ملف "ورد" لا أكاد أسطر فيه حرفا حتي أمسحه قبل أن أضع ال "فول ستوب".
انتهيت_ولا انتهاء فيك_ إلي أني بوجودك أفضل..وبقربك أسعد..ولزياد بيننا في القلب محبة لا تنتهي.
جذبة إلهية كنت أنت..ولشد ما ارتاحت النفس واطمأن "الطفل" لأنك هنا..دائما ههنا..دائما ياجميلة.

الأربعاء، 27 أغسطس 2008

عزيزي ربنا..نردهالك في عبادك

عزيزي ربنا..

تحياتي البالغة ..وكامل محبتي قبل أي شيء..

بالطبع أنت تعلم ما جري لي في الجمعة الماضية،حين جئت بورقة وقلم،وكتبت ما ارتأيته مميزات في اتباع أوامرك وعبرت في نفس الوقت عن ضيقي ببعض قيودك عليّ،وتذمرت بعض الشيء من بعض نواهيك..

للأسف ياربنا..وبعد حساب منطقي مرير،اكتشفت أن أتباع أوامرك والانصياع لمنهجك بصورة تامة كان هو المخطط الاكثر تحقيقا للمكاسب والاقل في خسائره،وقد تفوق منهجك علي باقي المناهج التي طرحتها كبدائل مجدية..أقول لك أن منهجك كان الأكثر ملائمة بجد..

أنا بيني وبينك زعلان لأن كان نفسي أنفك من قيودك وأحبك من بعيد لبعيد كده،أو أبقي ابن كلب وأنساك،وتبقي علاقة عرفية،بس أنا عارف نفسي،من يومي وأنا بتاعك انت،ومتنيل علي عيني ومعرفش أعمل حتة معصية صغننة قد كده..وأرجوك متفكرنيش بالمعصية إياها..عارف إني لما بشطح بنطح..

طيب اذا كان المنطق بيخليني أرجع لحظيرتك،فضلا عن نزوعي إليك وإلي عالمك مذ كنت طفلا ،الواحد مننا بقي يعمل إيه في الدنيا دي؟..بص أنت أدري بيا من نفسي،لكن فعلا الواحد مننا بتيجي عليه ساعات يبقي عايز فيها يكون ابن كلب وعاصي وملوث..

أنت تعلم أن طبيعة العلاقات بيننا_أنا وأنت_ تخطت حدودا كثيرة،وأنا اعتبر نفسي واحدا من رجالتك،ومن الناس اصحاب الامتيازات من وسط كثير من قاصديك،ودعني أصارحك_وأنت تعلم ما في نفسي طبعا يارب_ إني بحس إنك بتفرح أوي وأنا بالذات بين أيديك بصلي،يمكن أنا أحسن واحد بيصلي في كل العباد اللي خلقتهم دول..آه والله...ومن غير ما حد من الملايكة يبدي اعتراضه..أنا متدلع منك لدرجة إني أجهر بالكلام ده عادي عيني عينك كده،فضلا عن فورة المزايدة التي تتقد بداخلي في مثل هذه الامور..أصل مفيش حد بيبقي مبتسم وفرحان بالطريقة دي وهو بيصلي ..معلش يعني ..يارب ده أنا وصل بيا الامر اني بسرح في الصلاة واطلع اجري ابقي عايز احضنك..متخيلك قدامي.. حد منهم عمل كده؟

أكيد أنت فاكر يوم التلات اللي فات لما انا كنت لابس الجلابية السوداني الواسعة ووقفت اصلي المغرب..وقعدت ارفرف بإيدي زي العصافير وعايز أطير من الفرحة...أرجوك متحاولش تقنعني إن حد بيبقي فرحان كده ومقبل عليك بالصورة دي..أرجوك متحاولش..أي نعم انا ببقي سرحان في 60% من الصلاة وببقي بفكر في حاجات تانية هبلة..بس برضه..العبد مننا ليه وضعه بين إيد ربه..وميتساوش واحد من رجالتك وهو واقف بين إيدك بأي حد تاني..حتي لو كان مركز في صلاته وبينفذ عباداته زي ما الكتاب بيقول..وبيني وبينك أنا بحس إن الناس دي خنقة أوي..

حد فيهم قالك نكتة قبل كده وهو بيصلي لما حس إنك زعلان؟_أو غضبان وفقا للتدقيقات اللفظية التي تمليها أصول العقيدة..انا عملت..سيبك طبعا من هبل الكلام ده كله..بس انا عارفك بتفرح أوي بالحاجات دي..أصل الرب إيه يفرحه من عبده غير الاخلاص؟ وكل واحد بيخلص علي قد فهمه..

بص ياحبيبي ربنا..كل محاولاتي في الخروج علي منظومتك،وكلها محاولات تم تقييمها علي أسس منطقية تامة،باءت بالفشل..إنت عارفني ...أحب احسب الدنيا بعقلي في المواضيع دي تحديدا..

ومن ثم أحب أقولك إني وصلت إن العبد مننا ملوش غير ربه..هيروح فين يعني؟

فلنجدد اتفاقتنا ولنعتبر أن ما حدث في الجمعة الماضية سحابة صيف،أو تجديد حقيقي للعلاقة..أي نعم قيدك أدمي معصمي..بس يعني هيبقي في قيد بجمال قيدك يعني؟ ده إنت ربنا يارب..

حبيبي ربنا هذا الخطاب أسوقه إليك علي الملأ..مش عشان أحرجك_ليس من صفاتك أن تتعرض للحرج أدرك هذا جيدا_(لكن سامحني لما أحب أعبر بألفاظي الارضية المحدودة)..بمقدار ما أسعي لتوريطك_أعلم أنك لا تتورط_ في قعدة العرب التي نصبتها في الفضاء السيبري علي أوراق هذا الخطاب_ في منحي مزيدا من الامتيازات وفي المضي قدما في منجهتي وتحلية حياتي..فأنت تعلم كم أصبحت العيشة صعبة..وكم صارت النفوس شريرة..وعبد مارونج لاسيه زي حالاتي مينفعش يعيش وسط كل ده..

حبيبي ربنا..مزيدا من القرب..مزيدا من الامتيازات..ونردهالك في عبادك..ما أنا عارفك تحبهم أوي...

عبدك حبيبك

أحمد

الثلاثاء، 26 أغسطس 2008

شهادة حق تاريخية بشأن قمرية الطلة

وصف وجهها بالقمر ليلة التمام،وصف لايمت للمجاز بصلة، هو الحقيقة_حقيقتي_ الوحيدة الثابتة يقينا،وما وقر في قلبي صدقا وما أصارح به ربي قبل نومي ابراءا لذمتي منه في مسائل العشق والهوي،وما دربت جوارحي علي الافصاح به يوم القيامة حين لاينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم.

رأيتها قبل يومين،حادثتها،وقد فطنت أني لا أثبت عيني في عينها منذ عام ونصف،فلم تحرك ساكنا،وهنا كانت الاشارة والرسالة،و لولا أن مراد الله قديم ليس بحادث،لانفعل الرب معجبا بما يحدث ولغير أشياءا عدة..لكن الحمد لله علي أانه هو هو والا استجاب لنزوات عبده المفضل"أنا" بطفوليته وعبثيته البالغتين..وحينها ستعم فوضي عارمة.

الاثنين، 18 أغسطس 2008

بيبية إيناس..ونوافذ أخري للجحيم


اليوم مررت بجوار منزل إيناس التي كانت تدرس معي بالصف الثالث الابتدائي،حين رأتني ذات مرة قبل ثلاثة عشر عاما أشارت لي "باي باي"..استغربت الفعلة ساعتها،فإيناس كانت مخمرة وتحفظ كثيرا من القرآن وكان أبوها رجلا ملتحيا..و"البيبية" (كإشارة مودة واحتفاء) فعل دخيل_ثقافيا_علي إيناس..فضلا عن طبيعتي كطفل خجول،تربكه ابتسامة،وتثير اضطرابه "بيبية".

اليوم،بعد طعنات سخيفة عابرة في تاريخي الطفل،أدركت أن الاستشهادات المنطقية والتراتبات العقلية،وإيراد الأدلة علي نحو متواتر هو من سمات المحامي الحاذق،فالحق وحده لايكفيك أن يكون معك كي تفعل كل هذه الأشياء..ومن ثم فإن تقييمي للأمور سيكون علي النحو التالي:

1-"&&" يتراءي له أني محض غرّ متعجرف،ينبغي عليه_كإبن بار لتقاليد مؤسسية عريقة_أن يكسر عنق هذا الصلف،بالهزار تارة وبالجد تارة أخري،فقط لا يثنيه عن عزمه "السامي" سوي أن بعض الأقوياء يقفون في صفي ويحبوني..لكن هذا علي أية حال لن يقف عائقا بينه وبين كسر نفس أهلي،فالمهمة الطفلة الساذجة التي نذر نفسه لأجلها ستمضي ولو تكسرت النصال علي النصال.

2- أما "##" علي عكس ما بدا منه نحوي،امتدحني في غيبتي،رغم دأبه_الذي يقع بين وجاهة التبرير حينا،وحماقة التصيد تارة_في إثبات أوجه النقص في كل ما أنجزه لينخرط بعدها في توجيه نصائح أبوية_غير مجدية_ تتشح برداء الحكمة الخالصة، وساعتها اكرر ما افعله كل مرة:أوميء له إيماءة لا تشي أني اقتنعت،ولا تعكس في نفس الوقت مدي احتقاري للحظة الراهنة،أغادره لأتقيأ جلستي معه.

3_" ** " آذتني أشد الإيذاء حين أخبرتها أني أخاف أن تتركني في الظلمة بمفردي،سيما أن أمي ذهبت للسوق وأنا أخاف الأشباح التي تسكن غرفة النوم الكبيرة في بيت جدي،لكنها ذهبت وتركت الأشباح تعوي في أذني الطفلة..وأمي لازالت في السوق..متي تعودين أنت،أو بالأحري ووفقا لرغبتي، متي تعود أمي؟

4-" **** " الساذجة الطيبة النرجسية المغلوبة علي أمرها،استجابت لرغبتي وقررت أن تسير معي مسافة طويلة ممسكة بيدي،في سخاء بالغ منها،ربما كانت يداها_بطراوتها_ إنعاش حيّ لذكريات أيامي الجميلات مع "عطرية الحلول" التي تركتني وحيدا وسط أشباح بيت جدي القديم.

5-أعود لنقطة صفرية حين يخبرني المحيطون بي أن أني أتفوه بأنصاف جمل،وأقول أرباع المعلومات المطلوبة ،واني أحيل الناس إلي ما في نفسي_وهم حتما لايعلمونه_ وأتعجب في نهاية الأمر لماذا لم يستوعبوا ما أقول؟

6_إعجابي بالمجاز،لا يتعدي علاقة الاستغلال المباشر والصريح والمؤقت السريع،لكنهم يجزمون أن المجاز لديّ.."نمط حياة".

7-إذا أنا أصفي حساباتي مع "عاطفيتي" و"اندفاعي" الطفليين بنفسي قبل أن يجهز أحدهم عليها بغير رحمة،لأني ساعتها لأن أتخلي عن ذاتي لتهوي أمام عيني بيدي من هو بالضرورة ليس أنبل مني ليقتلني بمشيئتئه.

8-وأن أنشر ما أكتب ..هو في حد ذاته انتقام من الذات أو نوع من المجاهرة بالنقص كي تفسد الفرصة علي الآخرين بانتقادك،ولتطلعهم علي حقيقة تامة أنت أعلنتها لنفسك منذ زمن سحيق،لقد قلت لنفسي :يانفسي اعملي ما شئت فإني راض عنك،رضيت عنك رضاءا لا بعده سخط ولا نصب..طوبي لك يا نفسي الطيبة التي تسكن جوانحي.

9-الأمر ليس بارنويا متقدمة بمقدار ما هو مصارحة بواحد علي مليون من طبيعة عدة علاقات ومتغيرات مرتبطة ببعضها أشد الارتباط ولا يجوز لي الافصاح عنها_كما يقول النصابون والمدعون والأولياء عادة_ولك أن تحسبني علي أي الفرق شئت.

10-لقد حسمت امور الملكوت بيني وبين نفسي منذ زمن،لكن تجديد ترديد هذه الامور مفيد جدا،حتي لا يطالني صدأ الحياة وأنسي عهدي الأول،وسط تفاصيل كثيرة علي الأرض الفانية التي يوما ستشرق بنور ربها.

11-بعد كثير من التجرد من ملبوساتي الداخلية أمام نفسي،أجدني الآن حاسر الرأس طفلا لا تكسوه "شطارة" في الشغل ولا "حلاوة" في اللسان ولا "روحانية" في الهيكل ولا "نورانية" في المسير،وكل ما احتاجه هو أعمل كثيرا وأن أصمت كثيرا،وأن أبطش حين أبطش لا يبقي علي مدي بصري "ز"..ولا تمعن في كيّ قلبي "** " ولا أحتاج آخر اليوم إلي إمساك يدي "**** " الطيبة كنوع من التبرع السخي لصديقها الذي وجد نفسه فجأة بحاجة إلي سحق معني "العالم" بداخله ليأنس آخر الليل بقراءة مذكرات "متي المسكين".

الجمعة، 15 أغسطس 2008

آهين ياحربي..وأنا حربي قلبي


عيد ميلاد حربية اليوم،وهذا يعني بداهة أن عيد ميلادي كان منذ أسبوعين(حربية بمفرده يفهم هذه الحسبة).

حربية_وما أدراك ما وراء الاسم_هو المعادل الموضوعي لقصاص السماء من جنابي السامي،يسافر فيغيب فيتركني في وحشة ما بعدها وحشة،وفي كآبة ما بعدها كآبة..وحين نلتقي يوما ما علي عجل_كعادة لقاءتنا السخيفة_ نتذكر قول جميل :"و أول ما قاد المودة بيننا ..بوادي بغيض يابثين سباب"..فالصديق العزيز جميل بثينة،اختصر حيثيات تعرفي وحربية علي بعض بهذا البيت الرائع..تعرفنا علي بعض بخناقة..وزعل..ثم استمر الخناق،وانتفي الزعل.

حربية الصديق السلحفائي الجناب،والمترف الحاشية،جاء اليوم يحمل نصف ابتسامة،وحيثية سعادة،وكل مبررات اغضابي..

يتلقفه الآخرون_الذين حتما لايعنون شيئا لنا_بالتهنئات والاحتفالات والهدايا،وهو شيء يثير غيظي كما تلعمون،بينما انا انتظره لنقتص سويا من لحظات العمل السخيفة،ولنكمل جلسة لم ننها منذ عرفنا بعضنا البعض حتي اليوم.

في عيد ميلاده الفائت لم تكن علاقتنا توطدت الي الحد الذي يخولني "جمال" مهاداته بأي شيء..لكني ساعتها احسست بغيرة مدهشة من الكتاب الذي اهداه له الصديق "المؤدلج" سيد تركي..أحسست ساعتها أن سيد يفعل ما لايحق له،لكنني تماسكت وقررت المراهنة علي عام سيمضي وستجري حينها في النهر مياه أخري..وها هو يوم القصاص.

تقوم علاقتي بحربية(ودلعه في بعض الاحيان :حربي)،علي مابين السطور،علاقة قوامها كل ما لم نقله حتي الآن،وكل اللقاءات التي لم نجرها منفردين،وكل الاتفاقات والمؤامرات التي لم نضطلع بها حتي الآن،أي نعم تبدو العلاقة غريبة علي البعض،لكنها بدأت ونحن ندان،وسارت علي أنه أخي الأكبر،وانتهت علي أنني ابنه الصغير..لكن ذلك لاينفي اني رئيسه في العمل وهطلع عينه آخر اليوم بعد احتفالنا لما أسأله عن الشغل المتأخر..نيهاهاهاهاها











الصورة بالأعلي،التقطت لي وعلي هامشي الكائن حربية أثناء الاحتفالات الرسمية بعيد ميلادي،وهي تعكس_فيما تعكس_نظرة مكر بائنة في عينيه الثعلبيتين،ونظرة براءة غير قابلة للتكرار من عينيّ الحانيتين

الأحد، 10 أغسطس 2008

أنا وأبي وأمي وجدتي سندخل الجنة

يرسل أبي رسالة نصية تشير إلي اعتقاده بأن الله قد عوضه فيّ،بعدما رفض حراما كثيرا في حياته..ومن ثم فهو يري أن كل شوط نجاح قطعته في حياتي نتاج مباشر لأمانته ولمواقفه التي يعتز بها..حين رفض أن يتقاضي حراما.

فيما تؤكد جدتي_وهي امرأة صالحة أغلب الظن_ أن دعواتها بعد صلاة الفجر لا تنقطع لي،وهو ما ينعكس،حتما،علي صيرورة حياتي.

وأمي من جانبها تفعل الكثير من الخيرات التي تري أن الله يردها لها في أبناءها .."أحمد أنموذجا".

وأنا شخصيا إلي ما قبل رسالة أبي النصية،كنت أعتقد أني أجني توفيق علاقة أكثر من رائعة مع الرب،أي نعم هي_أي العلاقة_ لا تمنح من لايستحق ما لايستحق،لكنها تسدد خطواتك،وتجنبك أسوأ السيناريوهات الممكنة.

أعيد قراءة مشهدي الحياتي علي ضوء المستجدات اللاهوتية التي تستغرق أفراد عائلتي:

1-أنا انسان رائع حسب تصوري الشخصي عن نفسي..لذا أنا ناجح.

2-أبي رفض الكثير من الموبقات في حياته،لذا فإن الله يعوضه في ابنه الأكبر،وهو نوع من التعويض لا أفهمه تماما،لكنهم يقولون أن كل أب يسعد أيما سعادة إذا رأي أبناءه في أعلي المراتب،بل إنه يسعد أكثر مما لو حقق هو ذات الانجاز،وهذا شعور لم أجربه بالطبع..

3-أمي سيدة طيبة تقوم بالكثير من أعمال الخير،وتري ان الله يرد خيراتها في حفظ أبناءها..بالطبع أنا المقصود أكثر من إخوتي في لفظة "أبناءها".

4-جدتي من منطلق أن دعوتها مستجابة لأسباب لا نعلمها نحن،تعتقد أن العناية التي تحفظنا هي مجرد ترجمة لدعواتها الفجرية.

ومن ثم أعيد ترسيم مشهد العائلة في مواجهة السماء:

أ‌- جدة متضرعة

ب‌- أب شريف

ت‌- أم خيرة

ث‌- ابن طيب

ومن ثم فإن السيناريو المستقبلي لي:

· سأنجح في حياتي وأدخل الجنة

· سيفرح بي أبي ويدخل الجنة

· ستقر عين أمي وستدخل الجنة

· ستزهو جدتي أمام العجائز من الجارات وامام قريناتها في القرية..وستدخل الجنة أيضا.

السبت، 9 أغسطس 2008

درويش في ذمة الله




وداعا لاعب النرد

7 أيام في بلاد الذهب والرصاص


في السودان عرض البعض علي المساعدة بإخلاص وصدق شديدين فأنا من مصر "صاحبة الفضل الذي لاينسي علي الشيوعية في العالم العربي"..فيما قدمني آخرون للصلاة إماما في المسجد لأني "..من أرض الإمام البنا"

*****

تقول النكتة المصرية "مرة واحد راح السودان بالليل ملقاش حد"..رغم خبث النكتة..الا انها فى رحلتى للسودان تجسدت واقعا ملموسا.. ذهبت الي السودان ليلا ولم أجد أحدا!

وصلت الخرطوم في الرابعة فجرا،لأفاجأ بنفسي في مدينة شبه مهجورة،ينام في المطار عدد قليل من سائقي التاكسي في كسل ودعة،الشوارع خالية تماما،لايوجد أحد علي الإطلاق،كل المحال مغلقة،كل شيء يشي أن ثمة مدينة كانت هنا قبل قليل ثم اختفت في جوف الليل..

كان الاستقبال حافلا ولم أضع في حسباني "أن أول الغيث قطرة ثم ينهمر"..و"قطرة" الاستقبال لم تكن شيئا مقارنة ب"غيث" رحلتي في الخرطوم التي امتدت ل "أسبوع". ذهبت الي السودان "أعلل النفس بالآمال أرقبها"..سأستقل مركبا نيليا في نزهة رائعة ،وسأذهب إلي "حضرات" الصوفية أذوق خمر الذاكرين وأتمسح في جلاليب الواصلين، وسأزور الأسواق السودانية وأشتري "الدوم" و"الخروب" و "الخمرة" و"الدلكة"..سأتحدث مع البسطاء وسأرصد كيف يعيش الشعب الشقيق(ماذا يأكل وكيف يفكر وكيف يحب ويتزوج..وما شعوره ورأيه حيال محاكمة الريس البشير).وأعود الي القاهرة بعد اسبوع من الفسح والمرح في منزلة بين منزلتين .."الصحفي" و"السائح".

لكنني رغما عني ومنذ اللحظة الأولي وجدت نفسي في قلب عاصمة علي وشك شيء ما أكبر من أن أستطيع تسميته أو توصيفه،فاليافطات تملأ الشوارع مساندة ومؤيدة للبشير في مواجهة" أوكامبو" و "مطامع الغرب في السودان" وسائقو المركبات يضبطون مؤشرات "الراديو" علي القنوات الاخبارية العالمية بصورة أكبر من ذي قبل.

وعلي مقاعد مطعم "الموناليزا" الشهير(مطعم شعبي للغاية..لا تغتر بالاسم) كانت سماعات الراديو العملاقة مصوبة نحو أذني،وعدد من الساسة السودانيين يتحدثون عن "مطامع الغرب" و"مذكرة أوكامبو" و"حقيقة مؤامرة استهداف السودان"..في أجواء أشبه ما تكون بأجواء أفلام الخمسينات والستينات،يعزز هذا الاستدعاء طريقة ولغة الخطابة..مع التشوش إياه الذي يغلف موجات الراديو عادة.

بدأت الرحلة في الرابعة فجرا،بعدما غادرت المطار الي قلب العاصمة بمساعدة رجل سوداني فاضل تعرفت عليه في مطار القاهرة،تركني عندما تأكد أني علي بوابة واحد من أكبر فنادق الخرطوم ،ترجلت من السيارة واصطحبت حقائبي وتحركت ما يقرب من 15 مترا ،فوجئت بالباب مغلقا،لم أستوعب ما يجري في البداية احد اشهر فنادق السودان مغلق فى وجهى ،طرقت علي الباب الزجاجي الاسود بصوت خفيض،قام موظف الاستقبال وفتح لي بوابة الفندق واصطحبني إلي طاولة الحجز ثم أخبرني ناعسا أنه لا توجد أية غرفة خالية..سألته ملحا علي إظهار لكنتي "المصرية" فلربما يرق قلبه للغريب،موفقا أو ملفقا أي حل..كل ما فعله أن أشار بيديه في كسل وبطء مستفزين "شوف لك فندق تاني"..سألته أين؟ فأشار (شمال في شمال)..

لم يكن الاحتكاك الأول بيني وبين العاصمة السودانية سوي تصديق علي الصورة النمطية المشاعة عن السودان (بلد كسلان وأهله كسالي) قررت أن أتبع نصيحة الموظف النائم الذي اكتفي بالإشارة دون الكلام في مشهد بدا كما لو أنه جري بالتصوير البطيء..

حسب الوصفة وجدت فندقا آخرا،طرقت علي الباب المغلق بدوره،صحا الموظف من نومه فزعا واصطحبني إلي غرفة متواضعة،حاولت النوم ولم أتمكن بسبب الصوت المزعج الصادر من التكييف عتيق الطراز،زاد الطين بلة أن هناك كائنا حيا يرتع معي في الغرفة ويتحرك بسرعة مزعجة لم تمكنني من استيضاح ماهيته،بعد ساعتين من الأرق المنظم،فتحت جهاز "اللاب توب" الخاص بي،تعرف الجهاز علي ما يقرب من ستة شبكات انترنت وايرليس،كلها كانت خاضعة ل "باس ورد".."كلمة مرور سرية"..حاولت مع الست شبكات وتمكنت من فتحها جميعا..ليس لأدني عبقرية في العبد لله..لكن كما توقعت..كان الباسورد هو هو اليوزرنيم دون أدني تغيير..حتى النت طاله الكسل السودانى يا ربي؟! إذا تحدثت مع سودانيا عن الكسل،سينفر تماما من السيرة ويبدي ضيقه وغضبه .."شوف الجو عامل إزاي"..وطوال الوقت سيظل السوداني محترزا حيالك كمصري..فالمصري لسانه حلو وبلاف..ومتاخدش منه غير كلام،في مقابل النقاء السوداني الخالص..وحين تصرفت في أحد المواقف الصعبة علي سجيتي،اعتبرني صديق سوداني "مواطنا سودانيا لا مصريا" فقد تصرفت علي نحو بريء لايشي بمصريتي بمقدار ما يعكس "سودانيتي".

السودان رغم كل شيء يظل بلدا طيبا حتي النخاع،تدخل إليه وتخرج منه وأنت تحب جميع أهله، تتوجس حيال البشير لكن القصص الشخصية المشاعة عنه وسط الناس تدفعك عنوة للاعجاب به، تختلف مع الترابي لكن مجالسته ستدفعك لمحبته رغم أنفك،تظل هناك مساحة كبيرة من التسامح تسيطر علي مجريات الأمور،زائر هذا البلد يتلمس ملامح مشروع وطني في كل ركن من أركانه،من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار.

كل سوداني مؤسسة في حد ذاته،حزب متحرك علي قدمين،كل سوداني قادر علي تكوين رأيه الشخصي وفق شواهده الذاتية،لا تشعر بالمصلحة الضيقة في تحريك الاحداث بمقدار ما ستشعر أن هناك مشروع "وطن" في قلب كل سوداني..أي نعم لم أشعر أن هناك حكومة ودولة بالمعني المتعارف عليه تماما..لكني وجدت في السودان ما نفتقده في مصر .."الوطن".

في السودان عرض البعض علي المساعدة بإخلاص وصدق شديدين فأنا من مصر "صاحبة الفضل الذي لاينسي علي الشيوعية في العالم العربي"..فيما قدمني آخرون للصلاة إماما في المسجد لأني "..من أرض الإمام البنا"..بينما تعامل معي غيرهم علي أني مبعوث رسمي للدولة المصرية وبادرة خير من جانب الشقيقة الكبري التي طالما أهملت دورها في السودان وقدروا أن هذا تطورا مهما في العلاقات المصرية السودانية!

ارتباطك بالدولة المصرية عندما تذهب الي السودان ارتباط لاينفك علي الاطلاق،حتي لو كنت صحفيا في جريدة معارضة،فالقاعدة تقول أن كل مصري في الخرطوم هو ضابط مخابرات إلي ان يثبت العكس..والعكس لايثبت عادة..والتهمة(هل هي تهمة؟) لا تسقط بالتقادم.

بل وصل الأمر بعدد من السودانيين الحانقين أن مروا بجوار السفارة المصرية في الخرطوم،بعد أحداث مسجد مصطفي محمود،ووجدوا بائع بطيخ مصريا ينادي علي بضاعته،فسألوه في سخط وسخرية "بطيخ المخابرات بكام اليوم؟"..بوصف بائع البطيخ عنصر مخابراتي مصري بالضرورة هو الآخر.

والمخابرات هنا هي الجهاز الأول في البلاد والمؤسسة الحاكمة علي قبضة الأمور،ولم تكن مفاجأتي بالهينة،حين مررت بجوار مبني فخم يحمل يافطة عملاقة "جهاز المخابرات والامن الوطني السوداني"...(تليفون:..... فاكس:......... بريد إليكتروني:..........).

و يبدو جليا للغريب أن هناك قوتين تتنازعان السيطرة المعنوية علي العاصمة،المخابرات و الامم المتحدة..فالأخيرة تحتل نطاقا عريضا من العاصمة وتتحرك سياراتها في كل مكان حاملة الاختصار الشهير(UN) و لها قطارا خاصا بها، كما يقع نطاق كبير من مطار الخرطوم تحت حيازتها المباشرة متكدسا بعدد ضخم من الطائرات المخصصة لموظفيها.

الندية بين الطرفين تتجلي كأوضح ما يكون في واحد من أرقي أحياء الخرطوم،حي "الرياض"،الذي يقع مناصفة تقريبا بين الجهتين،وهو ما ضاعف من صعوبة رحلتي في هذا الحي باحثا عن آثار أسامة بن لادن في المكان الذي عاش فيه قبل أكثر من عشر سنوات،ربما لتتبلور ملامح مشروعه المستقبلي بصورة أو بأخري.

الكاميرا المعلقة في عنقي والحقيبة المستقرة علي ظهري لم تكن لثبت هويتي الصحفية بمقدار ما أكدت علي حتمية "مخابراتيتي"،أنا أحدثك عن اتهام موجه لبائع بطيخ فما بالك بصحفي،وهو ما دفع كثيرين للعدول عن الحديث،فالوسطاء لم يفلحوا في إقناع عدد من الذين عملوا واحتكوا مباشرة بأسامة بن لادن بلقائي وإفادتي بشأن شخصية أسامة وملامحه وبعض الاشياء الاخري التي يبحث عنها الصحفيون عادة. كما أن الخرطوم "بتكفي علي الخبر ماجور" فأسامة بن لادن قضية انتهت في السودان عليك أن تقتنع بذلك أو لتذهب الي الجحيم..ام أنك تريد أن تفتح عيون الامريكان مرة أخري علي السودان وعلاقتها القدرية بهذا الملف؟

ومن طباخه الي سائقه الي مهندسين وعمال اشتغلوا معه..توجت رحلة البحث بالفشل الذريع،لكن في المقابل جمعت عددا من القصص التي تفلتت من البعض أو عفوا،لترتسم صورة مدهشة عن شخص أسامة وسلوكه .

أول مشوار لي في الخرطوم كان مع سائق تاكسي يدعي "عثمان كسلا" هادئ وودود ،انتظرني أمام الفندق بتنسيق من صديق سوداني مايقرب من الساعة الا الربع دون أدني ضجر أو شكوي،تحرك بي وأوصلني إلي قاعة "الشهيد الزبير" في الميعاد المطلوب،حيث ندوة مقامة عن ذكري نكبة فلسطين(لاحظ ان الندوة مقامة بعد 3 شهور من الذكري ال60 للنكبة!) وجدت نفسي اول الحاضرين،وعندما سألت الموظفين بالقاعة هناك أخبروني مستغرقين في بطء حركتهم "إنت أول زول يجي"..أنهيت الندوة متثائبا وخرجت للطريق في محاولة لاستيقاف أي سيارة.

السيارات في الخرطوم،تتهادي في بطء لا يستوعبه قاهري مثلي،ولم أكن أحتاج أكثر من سرعة مشيتي العادية لعبور الطريق بينما السيارات في الخرطوم تنهب الطريقا نهبا..لكن علي طريقتها السلحفائية.

التقيت صديقا سودانيا،أقلني في تاكسي وبينما نحن في طريقنا إلي وجهتنا رأي أحد أصدقاءه في الشارع،فاستوقف سائق التاكسي،وسلم علي صديقه وسامره قليلا،واقترح عليه أن يشاركنا وجهتنا،فركب الصديق بعد إلحاح،ثم تحركنا دون أن يبدي السائق أي اعتراض!

ربما السلعة الوحيدة التي لم أصادفها في شوارع الخرطوم وأسواقها هي "الساعة"،وكانت النظرية الحاكمة للأمور أثناء التخطيط للقاء المسؤولين والمصادر هي "يللا نطب حالا"..في البداية لم أستوعبها ولم أستسغها،لكن يوما واحدا كان كافيا كي ادرك أنها النظرية الوحيدة،وليست الأكثر فاعلية فحسب،لتسيير أموري.

ومع عشرات المشاوير التي قطعتها في العاصمة الخرطوم بضواحيها ،كان الاحتكاك واسعا ومثمرا بعدد من المواطنين وسائقي المركبات الأجرة(التاكسي والامجاد)،و "امجاد" هي السيارة السوزوكي الصغيرة المعتمدة رسميا كوسيلة مواصلات سريعة وجيدة في العاصمة.

إياك أن تعتقد في الخرطوم أن باستقلالك تاكسي أو "أمجاد" هو شيء كفيل بتوصيلك للمكان المراد مباشرة.. فهناك نصف ساعة ،دون أدني مبالغة، ستستهلكلها في اللف والدوران مع السائق أيا كان عمره وايا كانت خبرته،فالملاحظ هنا أن الناس لاتعرف العاصمة بأي صورة من الصور،وأنا لا أبالغ حين أقول هذا بمنتهي الثقة.

فالتجربة أثبتت أن قادة المركبات الخاصة لايعرفون الاماكن ولا الاهالي يعرفونها وعلي الحظ أن يساندك لاجل اتمام مهامك..الحظ لا أكثر.

والركوب مع سائق تاكسي أو "أمجاد" سيعلمك أن كل شيء في الخرطوم قابل للمفاصلة،كما أن الدرس الذي لقنني الكثيرون إياه "لا تتشاجر مع السائق" كان نصب عيني طوال الرحلة لكني قررت أن أنساه عمدا مع احد السائقين الذي لم يستطع توصيلي الي وجهتي فعمد الي التعبير عن غضبه وضيقه في محاولة لزيادة الاجرة عبر الصراخ وابداء السخط من هذا المشوار،لم أفهم لغته تماما،حاول استفزازي لازيد الاجرة فاشتبكنا لفظيا في معركة غير متكافئة،هو يفهم كل حرف أنطق به وأنا لا أفهم أي حرف مما يقول،وصل الخلاف بيننا لذروته وقررت أن أنهي رحلتي معه وأن ياخذ أجرته ويتركني في حالي ،وليذهب للجحيم هو و المصدر الذي كنت متوجها اليه (هل كان الترابي ياربي؟ لا اتذكر جيدا)،وعندما قرر الاستجابة لي كنا قد وصلنا للمكان المراد!

ومع سائقي "الأمجاد"يمكنك أن ترصد الكثير من مظاهر الحياة السودانية،بداء من شرائط الكاسيت التي يستمعونها "كشك ومحمد حسان وعمرو خالد!" بالاضافة الي المطربين المصريين المفضلين لديهم،ف "شيرين" مطربتهم الاولي،يليها تامر حسني.. وصولا إلي رأيهم فيما يجري في البلد من أحداث ورؤيتهم لمحاكمة البشير،وقد أرشدني أحد سائقي الامجاد ويدعي "مضوي" أن الامجاد هي الوسيلة الاكثر آمانا،فالسائقون عليها عادة متعلمون وعلي درجة ما من الرقي،فضلا ان عددا من سائقي الامجاد عناصر في جهاز المخابرات وهو ما يعد تأمينا لي بدرجة أو بأخري..قالها ناصحا صادقاّ!

زرت جامعتي الخرطوم وافريقيا العالمية وذهبت الي الكنيسة الارثوذكسية وصليت خلف كبار أئمة السودان،وزرت مقام الولي الشهير بأم درمان الشيخ حمد النيل،ولك مكان وكل محل زرته كان له رونقه وقصته.

ومن سائقي الامجاد والتاكسي الي أسواق وشوارع الخرطوم،حيث كل شيء صارخ الغلاء،وحيث الجميع مرتبك في استخدام العملة،تسأل البائع عن ثمن السلعة فيقول لك :"سبعة ألف جنيه"..يصيبك الذهول الي ان تدرك أنه يقصد سبعة جنيهات فقط لكنه يستخدم المقاييس القديمة للعملة قبل صدور الجنيه الجديد،وبين الرقم الفعلي وضعفه ألف مرة وواحد من ألف من القيمة المطلوبة عليك أن تخمن وأن تحسب الاسعار والاثمان،واذا فرغت من هذه الحسابات الاسطورية،عليك أن تحسب القيمة بالدولار لتدرك كم دفعت في نهاية المطاف.

فارق العملة هو المفتاح الرئيسي لفهم هجرة عشرات ومئات المصريين الي السودان،التقيت عددا كبيرا منهم في المطاعم والمقاهي والشوارع وسألتهم عن سر هجرتهم الي السودان،وجاءت الاجابات مدهشة وجاء الواقع مثيرا ومفجعا ،فبعض قري الدلتا لفظت ابنائها بصورة جماعية الي بلد غريب و هذه المرة ليس ايطاليا التي يحلم الجميع بالتمسح بشواطئها،لكنها السودان حيث الفقر وجيوش المتمردين والتهديدات والاخطار الدائمة.

و حين دخلت مطعما كبيرا بالقرب من المطار وجدت أربعين مصريا يعملون هناك،أغلبهم من قرية واحدة،يضبطون مؤشر التلفزيون علي القنوات المصرية فحسب،ويتأففون من طلب بعض الزبائن بتحويل البث الي قناة سودانية تبث مسلسلا سودانيا شهيرا،فهم لايفهمون اللهجة السودانية تماما،ويتعاملون مع وقت بث المسلسل السوداني كما لو كانت فترة سجن اجباري.

امتد الهزار بيني وبين العاملين المصريين هناك الي ان رفضوا ان يدخل احدهم في كادر احدي الصور التي شرعت في التقاطها لهم بحجة أنه "زملكاوي معفن"..لم أتمالك نفسي من الضحك أمام طراز الدعابات الذي يحمله المصري معه الي اي مكان،إلي أن فاجئوني جادين "إنت اهلاوي ولا زملكاوي؟".. "شكلك زملكاوي؟"..أقسمت لهم أني اهلاوي النزعة والهوي والميول....تركتهم وخرجت مذهولا..فقد كنت قبل قليل داخل مستعمرة مصرية خالصة..مخيم لاجئين مصري..هربوا من البلد الخانق الضيق الفرص

إلي بلد لايفهمون فيه "شنو" و"منو" و"هسع" كما قالوا..أحسست في مطعمهم أني تنفست هواءا مصريا خالصا..ولم أستوعب الفارق المكاني حين خرجت من المطعم فقد توقعت ان اجد نفسي وسط أحد شوارع القاهرة،لكني وجدت نفسي داخل الخرطوم محاصرا بحسابات صحفية وسياسية وشخصية أكبر من أن أستطيع تجاهلها.

اذا فلننح الرحلة النيلية جانبا،ولنؤجل شراء "الدوم" والخروب"..ما الذي يجري بالضبط هنا؟.

حاولت تقصي الحقيقة من كل أطرافها فكان طبيعيا ان أسعي

للقاء الرئيس السوداني عمر البشير،حاولت التنسيق عبر الاجهزة الرسمية،ولم يتم البت في الأمر تماما ولم يتم رفضه بصورة صريحة،لكن بدا أن هناك اتجاها داخليا لابعاد الرئيس البشير عن الاعلام الخارجي تجنبا لأي خطأ محتمل،قد يكون خارجا عن السيطرة،وهو ما تجلي علي وجه الخصوص في رحلة البشير الي دارفور التي حاولت مصاحبته فيها علي متن طائرته لكن التقديرات الداخلية لم تسمح.

لكن فكرة وردت إلي ذهني في واحدة من محاولاتي الخمس لمحاورة الداهية حسن الترابي..ماذا لو ذهبت بادعاءات أوكامبو إلي الترابي وقلت له أنت كنت وزيرا للعدل ما رأيك ان تحاكم البشير..كحكم عدل!

الفكرة بدت لي وجيهة من بعدها السياسي لا البعد القانوني بطبيعة الحال،فلايجوز أن تضع واحدا من ألد الخصوم في موقع "القاضي"..لكن الرهان كان علي أن طبيعة الخصومة السياسية ربما ستدفعنا للاطلاع علي الحقائق والاسرار من اقصي الطرفين..وبالفعل قبل الترابي الدور وحكم علي البشير وساق حيثيات حكمه!

ومن الترابي قاضيا.. إلي من تطوع بالقيام بدور المحامي أيضا! أمين بناني وزير العدل السابق ورئيس منبر دارفور من اجل السلام..عرضت عليه حيثيات القضية فتطوع أن يلعب دور المحامي دون أدني تنسيق مسبق لكن في منتصف اللقاء معه فطنت الي حقيقة ما يجري فجاريته..وانخرط البناني مدافعا ب "سيكولوجية" المحامي أكثر منه متبصرا بروح "وزير العدل"..والفرق شاسع!

وضعت الخصومات السياسية جانبا..وحاولت التعامل مع أسوا السيناريوهات الممكنة..ما هو أسوأ ما يمكن أن يحدث؟ أن يدان البشير بصورة نهائية وأن يتم الشروع في اختطافه كما تم التلويح وكما حدث مع الوزير أحمد هارون؟

التقيت د.قطبي المهدي رئيس جهاز المخابرات الاسبق ومستشار البشير السابق وواحد من أقرب الناس اليه،وبطبيعة الحال طغت خلفيته القانونية علي الحوار وانضم لهيئة الدفاع عن البشير لكنه في النهاية رسم لنا احتمالات اختطاف البشير كما طلبت منه،وشرح توزيعات القوات الاجنبية في السودان ومدي فاعلية الاستعانة بكل قوي منها في تنفيذ هذا المخطط وماهي السيناريوهات المضادة التي أعدتها السودان.

ومن الكر والفر مع "القاضي" و"المحامي" و"الحامي".. إلي السيدة مريم الصادق ابنة السيد الصادق المهدي،والكادر المحوري في حزب الأمة،واحد من أكبر أحزاب السودان،و التى اخذتنى معها الي الهم الوطني السوداني وابعاد قضية دار فور وانطلقت من منصتها الوطنية في محاولة لطرح الحلول والمبادرات التي قد تمثل سيناريوهات انقاذ محتملة فيما يجري في السودان.

والتقينا محمد ابراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي السوداني وكانت لنا معه جولة،قرأ لنا ما حدث وما جري وكيف يراه وكيف يقيمه،وأهدي لنا_كعادة الشيوعين_آخر منشورات الحزب والتصور المبدأي لتقرير الحزب الذي سيطرحه قريبا في احدي المحافل الوطنية السودانية.

وأخيرا جلسنا مع المفكر السوداني الاشهر،د.حسن مكي،رئيس وحدة البحوث والدراسات الاستراتيجية بجامعة افريقيا العالمية،وقرأ لنا المشهد برمته من موقع المفكر والباحث المتجرد لا من موقع السياسي المتورط فكان ان نظرنا للقضية من منظرو آخر لم نضعه في حسباننا قبل الانطلاق فيما انطلقنا فيه.

ومن لقاءنا بقطبي المهدي رجل المخابرات الي حسن الترابي واحد من المتهمين الأساسين حسب اعتقاد قصر العروبة في محاولة اغتيال الرئيس مبارك في اديس ابابا عام 1995 استطعنا تجميع عدد من المعلومات الخاصة بمخطط الاغتيال ذاته والحيثيات والكواليس الخفية لما دار بعد ذلك..وهو المشهد الذي استوفيناه من أطراف أخري داخل السودان.

خلال حواراتي الست في السودان،حال الوقت الضيق والازمات المتتالية والمتجددة يوميا من التقاء الصادق المهدي لتباحث الازمة معه شخصيا،فهو بدرجة من الدرجات معني اكثر من غيره بهذه القضية سواء لان دارفور تمثل واحدة من اهم قواعد حزبه الانتخابية او سواءا بسبب الاتهامات التي يكيلها له البعض بأنه واحد من الضالعين الرسميين في تكوين عصابات الجنجويد في دارفور.

وأيضا لم أتمكن من التقاء المشير عبد الرحمن سوار الذهب،لكن لاسباب تبدو كوميدية أكثر منها أسباب منطقية،فالمحاولة الاولي في منطمة المؤتمر الاسلامي باءت بالفشل نظرا لانقطاع التيار الكهربائي يوم أن ذهبنا،ولم يكن احد من العاملين هناك قادرا علي التعامل مع رغبة صحفي التقاء "المشير سوار الذهب" كما يحلو لهم ترديد اسمه مقرونا بالرتبة العسكرية حتي بعد تفرغه لاعمال الخير والبر وابتعاده تماما عن الساحة السياسية.

كان السؤال ملحا للرجل الذي تنازل عن السلطة يوما ما بكامل رغبته احتراما للجماهير للديمقراطية ولوطنه:"هل حل أزمة السودان الحالية أن يترك البشير منصبه؟"..

في المرة الثانية ذهبت لالتقاء الرجل وفق النظرية الحاكمة "يللا نطب حالا"..وفقا للزمان والمكان المحددين كان عليّ التقاءه في التاسعة والربع في هيئة الصف الوطني،والمكان لم يكن بعيدا عن الفندق الذي نزلت فيه في منطقة السوق العربي،لكني ظللت منهمكا في بحث عبثي لمدة ساعة ونصف عن "هيئة الصف الوطني" خلال اربعة شوارع طول كل منها لايتعدي ثلثمائة متر لكن أكثر من ثلاثين سوداني_نصفهم أفراد شرطة_ لم يستطيعوا إفادتي بخصوص مكان هيئة الصف الوطني وكان السؤال الذي تكرر كثيرا علي مسامعي "تريد هيئة الصرف الوطني"؟.

في السودان،أمامك ثلاثة احتمالات..أولا: أن تنفر تماما من كل شيء ولا تفهم ما يجري،بدءا من مياه الصنبور الملوثة وصولا للخريطة السياسية والفكرية لما يحدث.

ثانيا:أن تتورط حتي النخاع في الشأن السوداني بحيث "تتسودن" بدرجة أو بأخري،وأن تعتبر زيارة السودان فرض عين عليك لا يسقط بالتقادم.

ثالثا: أن تفصل جلبابا سودانيا في قلب السوق العربي،وان تسمع لاطراف كثيرة،وأن تشتري الدوم وتذهب الي مقام الشيخ حمد النيل،ثم تنظر للسودان نظرة حب خالصة قبل مغادرة مطار الخرطوم..لا أنت تتمني العودة إليها مرة أخري ولا أنت ستفرط في الفرصة اذا لاحت ثانية!





نص افتتاحية رحلتي الي السودان،منشور بصحيفة البديل اليومية المصرية،التي أعمل بها كما تعلمون

الثلاثاء، 5 أغسطس 2008