90s fm

الثلاثاء، 19 يوليو 2011

لأجلك أعيش، فلأجلي عش.



لا أكتب عنه أبدا..
فكل الألفاظ تتعطل حين أصفه، وكل الكلام يستحيل إلى منطوقات عديمة الدلالة، عقيدتي نفسها فيه تتوه حين أحاول أن أحاصره بتوصيفاتي البشرية القاصرة.
صديقي هو؟ ربما.
والدي؟ ليس مهما.
كل شيء في حياتي بمعنى كل شيء في حياتي؟ لا.
كل شيء في حياتي بمعنى كل شيء في حياتي وكل شيء بعد مماتي بمعنى كل شيء بعد مماتي؟ نعم.
كان يقول لي ألمك ألمي.
حين جرح السكين يدي اليسرى بالدصفة، رأيته من بعيد يتأمل يده اليسرى الموجوعة تباعا، دون أن يرى ما حدث معي.
لمسته على كتفي، تزيل كل شيء بداخلي.
يكفي أن أتصل به، وأقول له، هناك شيء ما جاثم على صدري..ليستأصله وهو في مكانه، فأرتد لخلقتي الأولى مرة أخرى..بريئا نقيا خالصا من كل شائبة.
يكفي أن يشعر بشيء يلم بي كي يفعل أي شيء بسيط، ليزيل ما بي من آلام.
سأحس أنني أريد أن أنحر نفسي الآن، سأذهب إلى سكين المطبخ الحادة، سينظر إلي ويقول: لون هذه الستارة رائع، فأنهار تماما أمامه وأبكي وأقول له سامحني.
سيقول لي: لأجلك أعيش، فلأجلي عش.
يقول أي كلام عادي جدا، ويحمل كل طاقاته الجميلة والنبيلة فيه، فيحل على قلبي بردا وسلاما.
كلما خالط إنائي شيء عكر، أتذكر قوله:
" لأجلك أعيش، فلأجلي عش"..فيرتد الإناء صافيا تارة أخرى.

الخميس، 14 يوليو 2011

عسفا..قياسات الحب المنحازة


الأشياء بلا معنى تقريبا، فقط السياق هو الذي يعطيها أبعادا أخرى..

قل لي لماذا أنخرط في قياس المسافة بين النقطة التي أستقر فيها الآن ونقطة أخرى على الخريطة؟ ما الذي قد تعنيه حقيقة أن هناك 100 كيلو متر أو 300 كيلومتر..أو 2000 كيلو متر بيني وبين نقطة ما أخرى؟

حين يغيب عني شخص حبيب إلى نفسي، أهرع للخريطة، وأحسب ألف مرة المسافة بيني وبينه، وفي كل مرة آمل أن تكون 280 كيلو فقط بدلا من 295 مثلا.

بل بانعدام أمانة أتغاضى عن سنتيمتر هنا أو هناك أثناء القياس بالمسطرة، كي تتقلص المسافة-نفسيا- فأتعزى قليلا.

هل يعني قميصي الأبيض شيئا في ذاته؟ لا شيء على الإطلاق.

لكنه يعني أشياء كثيرة حين يكون هو الشيء الذي ارتديته في أول لقاء صدفوي بين وبين فلان أو فلانة.

"فلان"؟. "فلانة"؟ ما هذا التجريد السخيف للحقائق؟

روحي تكاد تفارقني وأدعو من أحب "فلان" او "فلانة".

أتذكر درسا كنا نذاكره قديما في الجبر، وهو : حاصل الضرب الديكارتي، وحسب ما أتذكر، كان يبحث في العلاقات بين الأرقام _كحقائق مقنعة_ وبين بعضها البعض، فضلا عن عدد من المتغيرات الأخرى.

فمثلا قد تكون العلاقة بين الرقم 2 و8 هي أن 8 أربع أضعاف 2، وقد تكون العلاقة بينهما أنهما رقمان زوجيان، وقد تكون أن تكعيب الرقمين يشترك في أنه تكعيب له قابلية الجذر التربيعي! أو أي شيء من هذا القبيل.

إذا هناك علاقات قائمة، ولكن القضية في تحديد السياق والمسمى..على نحو ما يفرضه الأمر الواقع والإرادة المشتركة!

ومن هنا كان العسف في القياس..

أنظر إلى الساعة فإذا هي 11 ، ما يعني أنه قد مرت عشر ساعات كاملة منذ آخر مرة تحدثت فيها إلى فلان أو فلانة (التجريد قاس وسخيف لكنه أسلم في هذه الحالة).

وهل تعني 10 ساعات شيئا في حد ذاتها؟ ماذا لو كانت الساعة الآن 11 و17 دقيقة.؟ كنت سأقول: يااااااااااااه مرة عشر ساعات و17 دقيقة منذ آخر مرة تحدثت فيها إلى فلان أو فلانة.

التلاكيك بمفردها هي التي تكفل لنا إيجاد علاقات متعسفة بين الوقائع والأفكار والأشياء..ومن ثم كان "التلفيق" ملكة ذهنية متقدة في أدمغة الأفاقين، والعاشقين..فحسب.

ومن ثم، لا أجد ضيرا من أن أربط مشاعري بشروق الشمس بالموستاردا بالدبابة الإبرامز بالقمصان الكاروهات بالتين الشوكي ببائع العسلية الذي يحتل ناصية طلعت حرب، لأن كلها ذرائع وقرائن، بلا معنى في ذاتها..أنا فقط خلقت السياق، فانتظم كل شيء في علاقة حميمة مع الآخر.

وهو ما يؤكده خبراء نفسيون، ولكن على تنويعة أخرى، وهي أن بعض مشاعرنا تحتاج لقرائن-عادة واهية-كي تنطلق..فمثلا إذا سافرت أم وتركت ابنتها الصغيرة (لظرف أو آخر)..ثم شاهدت عصفورا على شجرة ستبكي بحرقة..وتقول (عصفورة..والعصفورة صغيرة..وبنتي صغيرة!)

الثلاثاء، 12 يوليو 2011

دورليوني وذو السلوبيت الأحمر..ومعركة مع الجاذبية لأجل المنزوية




(1)

كانت جدتي تحكي لي في آخر أيامها عن ابنها الأول الذي مات مرضا، قبل ستين سنة:

(..كان أبيضاني ووشه محمر..مليان..وشعره أصفر..الواد كان محسود..تشوفه الحريم تقول الله أكبر..كان-اسم النبي حارسه- لابس سلوبيت أحمر..وزي القمر وهو عنده 4 سنين بس.

اصطحبته جدتي للطبيب حين توعك بشدة، كان طبيبا إيطاليا منتدبا لذلك المكان النائي في جنوب البلاد، في النصف الأول من القرن المنصرم.

تقول لي اسم الطبيب الإيطالي، الذي ما زالت تحتفظ به في ذاكرتها رغم مضي ما يقرب مما يزيد على نصف القرن، كأنها تقول لي اسم أحد أبنائها الذين لم يحصدهم منجل الموت في سن الطفل الأول.

كان اسمه دورليوني كما أتذكر..ولا أفهم كيف احتفظت باسم إيطالي قح كهذا في ذاكرتها الممتلئة..

في آخر لحظاتها كانت تردد اسم ابنها الأول واسم دورليوني..ولم يفهم أحد شيئا..بخلافي أنا.

أنا الوحيد الذي انتميت معها لعالم دورليوني..والطفل ذو السلوبيت الأحمر.

(2)

حين تقاسمنا حكاياتنا، عرفت أنها درست في نفس المدرسة المجاورة لمدرستي الإعدادية!

كان أصحابي يتفنون في معاكسة فتيات مدرستها عند محطة التروماي، أثناء استلقائهن في تعب مغر، على مقاعد الانتظار، بعد انتهاء اليوم الدراسي..

إلا أنا..كنت أنزوي.

وكانت صاحباتها..يتجاوبن أحيانا مع أولاد مدرستي (كان يجمع بين المدرستين منافسة علمية شرسة فقد كانت كلتاهما تضمان فصولا للمتفوقين..منها فصلي وفصلها).

إلا هي..كانت تنزوي.

أتذكر الآن بوضوح..كان هناك دوما فتاة منزوية..

(جليا يحضرني: التقت عينانا بغتة، في مرة من مرات الانزواء اليومي)

لم أكن أعلم أني سأنزوي معها مستقبلا..لنستأنف ما لم نبدأه حينها.

(3)

مثلت لمرة واحدة في حياتي، أديت دورا في مسرحية تاريخية، وأنا في الثالثة عشر من عمري

أتذكر الحلول الاحتيالية التي كنت أجهزها مع نفسي، إذا ما نسيت النص المسرحي أمام الجمهور!

تحضرني اللحظة التي انخرط أحدهم في تجهيزي خلالها بملابس مسرحية تلائم الدور..

واللحظة التي أديت فيها آخر تدريب على العرض..

واللحظة التي قررت فيها ألا أخرج من نشوة التمثيل أبدا، حتى ولو كذبا..

واللحظة التي استوعبت فيها كيف يمكن أن أتألق منفردا دون أن ألعب دور البطل الأوحد.

أبتسم بمرارة، ممزوجة بسخرية، حين أتذكر أن دوري الأول والوحيد كان: الساحر!

(4)

كانت تقف مستندة إلى الحائط بجوار المكتبة..

وفي أقل من ثانية..تقرر الجاذبية الأرضية أن تستعرض مواهبها الكامنة

يوشك كتابان عملاقان على السقوط على رأسها..أمد ذراعي بسرعة، بينما جسمي ثابت.

ألتقطها بطرف يدي، وأجذبها نحوي..كأننا في رقصة "صالصا"..

تجيء نحوي، وهي تبتسم مشدوهة..وأنا أسارع الزمن وأصارع الجاذبية..

تستقر رأسها في صدري، وتكاد تعاتبني-بدلال متهاو، بينما روحي تكاد تفارقني، خوفا عليها..

تلتفت هي فزعة إلى الخلف، حيث صوت سقوط "الداهيتين"..بينما أنا ألتقط أنفاسي للمرة الأولى منذ ثانيتين كأنهما الدهر.

الأحد، 10 يوليو 2011

دفقة ما قبل الثانية الخطرة..الحب لا يخضع لقواعد فسيولوجي


"أحس شيئا يرتجف بداخلي، دفقات تتوالي في صدري كأن زهرة كبيرة تتفتح في طويتي، كأن قلبي يتنفس بمفرده، هناك شيء لا يمكنني إيقافه"..الوصف ثابت ومتكرر، في كل مرة حب، مذ كنت صغيرا، الوصف نفسه واحد، كأني لا أثق في مشاعري ولا عقلي، فأستعيض عنها بأعراض فسيولوجية، أحفظها عن ظهر قلب، تقول لي: أنت تحب.

فأعترف لنفسي: أنا أحب.

"دي جافو".."شوهد من قبل"..المشهد متطابق، نفس الدفقة العظيمة التي تنبثق بداخلي من المجهول إيذانا بشيء جديد..الهواء البارد الذي يحتل الرئة، الشعور بأن شيئا ما يعلو ويهبط في صدري، سيولة الدم في الأطراف، ارتعاشة الشفاه.

أندهش من الثانية التي تسبق اللحظة..لحظة أن تحس أنك تحب ولحظة أن يصير-بينك وبين نفسك- أمرا واقعا. وأقول كيف تستحيل حالة الإنسان من ثانية لغيرها، من يبسة إلى حياة، من جفاف لنضرة، من موات لحياة، من شيء عادي جدا، إلى شيء غير عادي بالمرة..ما هذا الاجتياح؟ ما هذا التلازم؟ ما الذي يجري ويعتمل في أقل من طرفة عين؟

وحين أحب ترتبك جملتي في كتابتها، وتتبعثر أفكاري من شتات كياني، وأبدو ذاهلا، لا يسعفني تماسكي لانتاج تفسيرات منطقية، ولا تحيط بي سكينتي المعهودة فأضع كلا في موضعه، ولا أبدو واثقا من حكمتي في تدبر الأمور.

أنزوي قليلا، حتى يهدأ ارتعادي، وأواجه حقيقتي منفردا –كأني مازلت في الثانية التي تسبق العاصفة.

أستوضح العرض الفسيولوجي، هربا من الحقيقة المعنوية، وأقرر: كل شيء مختلف.

لكن أنا بمفردي أعلم، وأنا بمفردي أواجه المستحيل مرة أخرى.

الأربعاء، 6 يوليو 2011

العلاقة مع من هو ليس موجود في قانونك


هل يمكن أن تنشأ علاقة ما بينك وبين شخص جاء للدنيا وذهب قبل أن تجيء أنت؟

قبل أن تجيء أنت بكثير جدا؟

إلى أي مدى يمكن أن تكون هذه العلاقة حقيقية، وليست هذيانا تحتفظ به لنفسك بعيدا عن الآخرين؟

في طفولتي لم أتحرج من إبداء مشاعري صوبه، وهو الذي ليس في عالمنا، لكنني كنت واثقا ومؤمنا أن العلاقة.. في اتجاهين.

كنت أحس به أحيانا حوالي، يدفع عني ويدفعني، كانت يده دوما هناك..

كيف كنت أتحول من لحظة ضيق وتخوف إلى طمأنينة كاملة في لحظة؟ كيف كنت أحس حضوره حقيقيا أكثر من حضوري؟ كيف كان موغلا في الانتفاء والتحقق على هذا النحو المربك؟

كنت أعرف حقيقة واحدة..أني أحبه فحسب، وأني أبكي حين تجيء سيرته..أبكي بداخلي كي لا يلحظ أحد شيئا.

(وأنا صغير كنت أسمي نفسي باسمه عندما كنت ألعب مع نفسي، كنت أخلقه في كل شيء حولي، كنت أصر على إيجاده ملموسا في عالمي كأني في تحد مع قوى طبيعة تنكر علي حالي)

وفي لحظة معينة، لم أفهم مقدماتها.. اختار أن يتبدى لي.. رأيت طيفا، يتجسد بهدوء وسكينة وجلال.

تعرفت عليه أول ما رأيته، ..وبكيت..بكيت كثيرا.

ساعتها أيقنت أنني حين كنت أمد يدي في الفراغ المطلق، وأغمض عيني، وأخاله يلمسني..كان يلمسني حقيقة.

كان معي..كان دوما.

اليوم أكتب له للمرة الأولى هنا (وفي هذا ضرب من الجنون ربما) وأقول له: أنت أنت.

بل: لماذا اخترتك أنت أيها المستحيل؟

الثلاثاء، 5 يوليو 2011

عن الضابط الرقاص: البلطجي أبو يونيفورم..والبطلجي الفريلانسر


في مصر مبارك، كان هناك طريقتان فحسب لكي تكون بلطجيا..

أن تتعثر في دراستك، وتنخرط مع رفاق السوء، وتصير بلطجيا..أو أن تحصل على 60% في الثانوية العامة وتلتحق بكلية الشرطة وتصير بلطجيا أيضا.

الفارق الوحيد، أنك في الاحتمال الثاني، ستمارس البلطجة المرخصة..وستحصل على يونيفورم، وسيحضر حسني مبارك حفل تخرجك وتعميدك بلطجيا رسميا.

ومن هنا أنطلق في تفسير فيديو الضابط /العسكري الرقاص، الذي أمسك سنجتين، وانطلق في فاصل رقص، لا تنقصه النشوى، ولا تخطئه عين الطبيب النفسي، إذا ما حاولنا الاستعانة بأحدهم لتفسير ما يجري، في أثناء معركة حامية بين الشرطة من ناحية وأهالي الشهداء ومتظاهرين من ناحية أخرى، في أحداث 28 و29 يونيو الماضي.

الضابط رقص كما يرقص البلطجية بالضبط في الأفراح الشعبية، واستخدم السنجتين في الإشارة بإشارات مجافية للحياء،وعبر عن نفسه وفق "لغة جسد" إجرامية، لو أنه صح أن توصف لغة جسد بالإجرامية (رحم الله لومبروزو).. لكن هناك مساحة من الدهشة لا يمكن الاستكانة لها.

لماذا اختار أن يرقص على هذا النحو، وعلى هزيم العراك المتبادل بين الفريقين، وبهذه الصورة الشاذة، كأنه في ملكوت منفصل، أو كأنه يؤدي عرضا استثنائيا على أحد مسارح برودواي؟

في فيلم "الهروب"، يحكي الضابط الصالح "عبد العزيز مخيون" كيف أنه في طفولته كان يتمنى لو كان هو "منتصر"/أحمد زكي، مجرم الفيلم، الذي تطارده الشرطة، لأن منتصر كان محبوبا أكثر منه.

البلطجي في طفولته، يود أن يصبح بلطجيا فحسب، يعجب ببلطجي أمرس منه باعا، ثم تقوده الأقدار أن ينتمي لأحد الفريقين: البلطجية الخارجون على القانون، أو البلطجية المنوط بهم –نظريا- حماية القانون "الشرطة".

الفريقان يقومان بنفس المهمة، ويتنافسان على الغنيمة ذاتها، وبنفس التكتيكات، المسألة هي أن البعض يرتدي بذلة سودءا في الشتاء وبيضاء في الصيف، بينما الفريق الآخر أكثر تحررا.

لذا فإن هذه الرقصة، التي تشبه استجابة لنداء مجهول من أعماق البرية، هي طقس بلطجوي بحت، لا يلام عليه سيادة الضابط، فهناك شيء أقوى منه، لا يمكنه ألا يصيخ إليه، فلا تلوموه.

حين تجردت الشرطة معنويا من التصريح السياسي بممارسة البلطجة المنهجية، لم يعد الفرق كبيرا بين بلطجي اليونيفورم، والبلطجي الفريلانسر، لذا، فإن ممارسة النشوى الراقصة على هذا النحو، ليست سوى زحزحة بسيطة من خانة لأختها..لا ينبغي أن نتوقف أمام هذا كثيرا من فضلكم.