قال الماريشال "مونتجمرى":
- "الناس عادة لا يفهمون الحرب.. يظنون أن الحرب هى ما يرونه على ظاهر الحوادث فى ميادين القتال.. ممارسة للعنف عند الحد الأقصى منه.. صدام بالنيران الكثيفة تتدفق منه دماء غزيرة، وهذه ليست القضية.
إنك سألتنى عن علاقة الحرب بالأخلاق - أليس كذلك؟
نعم العلاقة وثيقة، أخلاقية الحرب هى التى تصنع مشروعية الحرب.. مشروعية الحرب تحقق لك على الفور ميزتين أساسيتين لا تستطيع أن تحارب بغيرهما.
الميزة الأولى أن الرأى العام فى وطنك يكون مقتنعاً أنك تقوده إلى الحرب لأنها الوسيلة الوحيدة الباقية أمامك للدفاع عن حقوق مشروعة: أمن أو مصالح. مهم جداً أن يكون الرأى العام فى وطنك معبأ بالكامل وعن اقتناع بأن الحرب لم يكن منها مفر. إنك لم تدخل الحرب للحرب، ولم تدفع تكاليفها فى الأرواح والثروات عبثاً، ولكن فى طلب حقوق مشروعة. ولا تستطيع أن تشن الحرب لمجرد أنك رفعت العلم وطلبت إلى الأمة أن تتبعك. الحماسة بنت لحظتها، ثم تتبدد شأنها شأن أى حالة نفسية، والحرب ليست حالة نفسية وإنما هى عبء طويل ممتد لابد أن يتقبله الناس وأن يضحوا فى سبيله، ولن يفعلوا إلا إذا آمنوا بيقين أن الحرب مشروعة - أى أخلاقية.
والميزة الثانية أن مشروعية الحرب تعزل عدوك عن بقية العالم. ليست هناك أمة فى هذا العالم وحدها خصوصاً فى هذا العصر. أخلاقية الحرب - مشروعية الحرب - تجعل حتى الحلفاء العسكريين لعدوك يترددون قبل دخول المعركة معه لأنهم لن يستطيعوا إقناع شعوبهم. التاريخ ملىء بحروب خاسرة ضاعت لأن الذين شنوها عجزوا عن تقديم أسباب مشروعيتها لشعوبهم ولغيرها من الشعوب قبل أن تبدأ الطلقة الأولى. الصراع على العقول يبدأ قبل الصراع على الأرض. إذا اقتنع العقل مشى وراءه الضمير ودخلت الأمة إلى الحرب واثقة من هدفها.
بالطبع أنا أعرف أن كل طرف من أطراف أى حرب يرى لها مشروعية خاصة بها، والرؤى تتصادم.
خذ حالة صراعكم مع إسرائيل.. الصراع العربى - الإسرائيلى، فى إسرائيل يعتقدون أن لديهم مشروعية - أخلاقية: تحقيق حلم وطن قومى لليهود يجمعهم من الشتات فى كل أنحاء العالم.
من ناحية أخرى أنتم - العرب - تعتقدون أن لديكم مشروعية أخلاقية: الاحتفاظ بالشعب الفلسطينى على أرضه، ثم تحقيق امتداد وحدة العرب - إذا كان فهمى صحيحاً.
هنا تتصادم ما قد يبدو مشروعيتان متناقضتان للحرب.
المهم أى الطرفين يستطيع أن يرسخ يقينه بمشروعيته أكثر، ثم أى الطرفين يستطيع نقل هذا اليقين إلى غيره على نطاق أوسع.
**النص أعلاه لمحمد حسنين هيكل من أحاديث الحرب والسلام،وأري أنه من الأهمية بمكان(فلسفيا،عقيديا،استراتيجيا) لنعيد قراءته مرة أخري.
هناك تعليقان (2):
كلمات مهمة جدا فعلا
مهمة اوي كمان
اشكرك
و اعتقد اننا حاليا لا نحاول بأي شكل من الأشكال أن نوضح مشروعية صراعنا ، بل نتعامل كأن الأمر لا يعنينا ، أو كأنه صراع في كوكب آخر بين شعوب لا نعرفها .
في حين ان الطرف الاخر بيعلم العالم كله ازاي يكون الدفاع و الترويج لحرب ظالمة .. بأعدل صورة ممكنة .
دمت بخير
الجملة الأخيرة أوجزت الموضوع
أي من الطرفين سيبحث و يروج و ينجح في اقناع الشعوب
للأسف هما بينجحوا في التأثير مش لأنهم هما أصحاب الحق لكن لأننا احنا ما بنشتغلش زيهم، احنا لو حاسين لاقضية زي ما هما حاسين بيها كنا عرفنا العالم كله مين صاحب الحق و مين المعتدي
بس احنا نفوق
أشكرك على المقالة
إرسال تعليق