90s fm

الخميس، 4 يونيو 2009

قراءة في خطاب أوباما..مقاربة "الغضب المفهوم"


قال أوباما قبل عام في واحدة من خطبه الانشائية البديعة_وكل خطبه انشائية بديعة_أنه يتفهم غضب عدد من الدول وقطاعات كبيرة من العالم تجاه الولايات المتحدة الأمريكية،مشيرا بوضوح إلي موقف العالم الإسلامي من بلاده،وقال قولته التي أثارت جدلا في ذلك الحين.. "إن الغضب مفهوم".

 

يمكن اليوم بوضوح الرجوع إلي هذه الجملة المفتاحية لقراءة خطابه _الانشائي البديع_الذي ألقاه في جامعة القاهرة،والذي بدا من ثناياه أن أوباما يعتقد فعلا بأن الغضب مفهوم لكنه ليس بالضرورة "مبرر"!

 

من مقعدي في الطابق الثاني تحت قبة جامعة القاهرة،استمتعت كغيري بالخطاب الجريء الذي ألقاه الشاب الأسمر،وأمسكت نفسي أكثر من مرة متورطا في تصفيق حاد ،ملبيا نداء مشاعري التي داعبها الرجل بمهارة (آيات قرآنية_اسم ذكر النبي محمد مشفوعا بالصلاة عليه_امتداح الحضارة الاسلامية والاقرار بفضلها) لكن في النهاية الأمر لم أر جديدا،فها هو يعيد طرح حل الدولتين،لكن بصيغة أكثر لطافة وتهذيبا من لغة سلفه الغبي جورج بوش،وها هو يعيد لف البضاعة القديمة في صندوق أكثر أناقة.

 

لكن ينبغي ذكر عدد من الملاحظات:

1-بهذا الخطاب رفع أوباما سقف الحديث مع العالم الاسلامي إلي حد معقول ،فقد أبدي تفهما عميقا لمشاعر المسلمين ولطبيعة الزاوية التي ينظرون من خلالها إلي إلي سياسات الولايات المتحدة تجاههم،وهو ما يعد تطورا كبيرا في تاريخ الحديث بين الطرفين، مقارنة بانحياز رؤساء أمريكيين سابقين بصورة مطلقة لاسرائيل،دون محاولة تفهم كيف ينظر القلب والعقل العربي والمسلم إلي "القضية" وهو ما يؤسس_في ظني_لمرحلة جديدة من الوعي في الذهن الأمريكي،ولسقف أعلي،لاشك سيضيف_ولو بصورة تراكمية_ لصالح مستقبل "القضية".

 

2-الإحالات الضمنية التي شبه بها أوباما وضع النضال الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني بوضع السود تحت نير العبودية والتفرقة العنصرية لعشرات السنين في الولايات المتحدة أصابت من المتابع الصهيوني مقتلا،فقد أضفت علي القضية بعدا أخلاقيا_في نفس المواطن الأمريكي_وحملت الكفاح الفلسطيني بتراث مشرف لتجربة مثيرة،كما أنها تعيد صياغة طبيعة الصراع في الشرق الاوسط في اذهان الامريكيين الذي يتعاطفون من المغتصب الاسرائيلي.

 

لكنه من ناحية أخري انحاز لنموذج المقاومة الهاديء وألمح إلي أنه علي الفلسطينيين أن يسلكوا ذات الطريق الذي سلكه السود من أجل نيل حقوقهم(مارتن لوثر كينج ومالكوم إكس مثلا).وهي قراءة مثالية لطبيعة الصراع في الشرق الأوسط،لا تقترب من الواقع بحال من الأحوال وتصب في صالح اسرائيل أكثر مما تصب في صالح الحق العربي والمسلم.

 

3-اعتبار المسلمين_كأفراد_ جزء من الحضارة الأمريكية ،فقد ساهم أفراد عديدون منهم علي مدار تاريخ أمريكا في صنع قراراتها وبناء أعلي بناياتها بل و خوص حروبها! وهي مقاربة تذهب إلي قراءة الوضع بصورة عكسية،فالمسلمون مساهمون،ولو بحصص صغيرة في رأس المال،ومن ثم فقد آن الأوان لتوزيع الأرباح بصورة عادلة وفقا للقواعد الرأسمالية الرشيدة،ولابد أن ينوب المسلمين من الحب جانبا.وأعتقد أن الإسلام_بصورة تاريخية مجردة_أسبق في وجوده من الولايات المتحدة وأكبر من حيث التاريخ والتجربة وعدد المعتنقين والقوة الاقتصادية من الولايات المتحدة نفسها،ومن ثم فالمقاربة متعجرفة بعض الشيء.

 

4-الاستشهادات القرآنية التي ساقها وألهبت مشاعر الحاضرين والسامعين،كانت متبوعة باستشهادت من الكتاب المقدس_ولا مشكل بالطبع في ذلك_ وكانت أيضا مشفوعة في ذات الوقت باستشهاد من التلمود! ومن ثم فإن الرجل يرضي جميع الأطراف _بصورة بهلوانية رشيقة_مع مراعاة الوزن النسبي الذي يقتضي استرضاء العالم المسلم.

 

5-في النهاية أنا متفاءل فلم تكن أروع طموحاتي تذهب إلي أن يتكلم رئيس أمريكي بهذه اللهجة الأقرب إلي الحياد ولا بهذه المفاتحة الأدني إلي الاعتذار.وحتي لو أكد الرجل في خطابه علي عداء بلاده للقاعدة فهو فصل_تلفيقي_برأيي لتجنيب العالم الاسلامي حمل "وزر" مغامرات تنظيم القاعدة.وهي مقاربة تصب في النهاية إلي دول ومحور اعتدال،و"عصابات" إرهاب!

 

 

هناك 11 تعليقًا:

AbdElRaHmaN Ayyash يقول...

جميل جدا
انا شخصيا استمتعت بالخطاب .. لكن حسيت انه بيبتز العواطف بالاستشهادات الكتيرة من القرآن .
كلامه عن حل الدولتين منطقي جدا ، و خطابه الجديد تجاه حماس و الابتعاد عن اللفظ "الخنيق" الحرب على الارهاب ، فعلا اعطاله نقاط كويسة .
أوباما يمثل فعلا مرحلة جديدة جدا .. ينبغي ان احنا نتعامل معاها بشكل جديد برده . خصوصا المعارضة المصرية والحركات السياسية اللي في الشارع ، لأنها لو اتعاملت مع اوباما بنفس الشكل اللي اتعاملت بيه مع بوش ، يبقى احنا مش بنفهم سياسة و النظام هيفضل ياخد نقط على حسابنا أكتر و أكتر .
:D بس حلو و الله انك رحت يا عم الازهري .. ربنا يوفقك ياباشا

الكلمة نور يقول...

هو ايه المقصود انك معجب الخطاب؟
متفائل؟
سعيد؟
تشعر ان هناك اخيرا من يتفهمنا؟
ملهم اوباما لدرجة اننا نرى ايجابيات كلامه ولا نرى سلبياته

غير معرف يقول...

صديقي هذه المرة انا متفق معك في وجهة نظرك التي طرحتها بالنسبة للتغيير في البداية وقرائتك للخطاب وهي رائعة
شكرا لك
فتحي الشيخ

Unknown يقول...

فعلا ...خطاب متفائل ..اقل وطأة من سابقه الاحمق المتعجرف .....
كمان ..... ضغطه وبكل انسيابية ونعومة على حقوق الاقباط فى مصر ..والموارنة فى لبنان....
يارب خير

الحلم العربي يقول...

انت متفائل ده شئ كويس
بس للأسف انا مش عارفة اتفائل من كلامه
انا عن نفسي حاسة انه جاي عايز ياخد مننا اللى اكتشفت امريكا انها مش هتعرف تاخده بالقوة
و اقولك على حاجة كمان ..توقعي بيقول انه هيغير لهجته الناعمة قريبا
انا مش سياسية و لا لية في السياسة و بطبيعتى متفائلة لكن مش قادرة امتلك تفائلكوا من كلامه
و مستقبل القضية مش بايديهم علشان ننتظر منهم الاعتراف بتاريخنا و اسهاماتنا في الحضارة دي حقائق سواء اعترفوا بيها او لأ و بايدينا احنا نرجعها مش هما لما ترجع ايادينا البيضاء على الانسانية مرة أخرى مش نعيش عالة عليهم منتظرين منهم الاعتراف بينا كبني آدمين لينا حق في الحياه
عموما " إن غدا لناظره قريب" و الكلمات مضت لنرى الأفعال

آيــة يقول...

عجبني خطابه لإني وجدته مقنع و ذكي لأبعد درجة ، غطى جوانب كتير ، منسيش يغازل مشاعرنا كمسلمين بحرفية و مهارة عالية ، و واضح جدا أن تحت إدارته فريق عمل على درجة عالية جدا من الكفاءة، بتحركهم كلهم سياسة تبدو - خط تحت كلمة تبدو - هادئة و مرنة و متزنة و مختلفة ...

أوافقك الرأي في أن خطبه إنشائية بديعة ، و شخصيته كاريزمية ملهمة أيضا ... و لكن لا أرى في هذا بصراحة ما يدعو للتفاؤل .. لأنها لعبة مصالح أولا و أخيرا ..
بالذوق أو بالعافية ..الفوز لمصالح أمريكا العليا

"الغضب المفهوم" ..
استراتيجية التفهم لعبة نفسية قديمة .. فكرتني لما قالولنا أن ألف باء معالج نفسي ، تفهم مريضك ، حتى لو كان شاذ جنسيا أو منحرف و عايز تولع فيه ، أو حتى كارهه كده لله و مش نازلك من زور .. تفهم ..

أقدر مبادرة التفهم منه و حواره الجرئ .. و لا آمل بتغيير في المنطقة على المدى القريب ..

تحليلك مميز :)

راعى الناقه يقول...

فعلا كلام منطقى الى حد بعيد .لقد نقلت الموضوع الى المنتدى الرسمى لقبيلة الترابين ولم اعرف اسم المدونة لذالك كتب نقل عن مدونة احمد سيد فهل الاسم صحيح ارجوا موافتى بالاسم الصحيح لتصحي العنوان تقبل تحيات اخيك راعى الناقه وهذا رابط المووضوع
http://www.trabeen.net/vb/showthread.php?p=16513#post16513

غير معرف يقول...

وعن عبقرة اختيار الصوة
متسقة مع العنوان
دعنا ننحنى احتراما

بسمة

قضية عم أحمد Ahmed Case يقول...

صديقي
كلامك كان اكثر من رائع
ولكنة قال ايضا انا رئيس الولايات المتحدة الامريكية ومصلحة الشعب الامريكي هي همي الاول .

ان كان سيتفهم فهذا جزء ايجابي في خطابة ولكنه ليس اوباما المنتظر .

Unknown يقول...

فلنتفق أولا ان مصالح العم سام هي ما يحكم سياسات أمريكا تجاه العالم أجمع .. والان , لنا أنا نأخذ ايجابيات التغير البادي من هذا الأوباما , ولكن دون توقع الكثير.

الحلم العربي يقول...

اين انت يا أخا العرب ؟؟