" هو أنت في حد أصغر منك يا بني؟"..يقولها صديقي_كان صديقي_ حين أخبره أن فلانا الفلاني أصغر مني بنحو عامين، فأتنبه للحقيقة الملازمة: دوما أنا الأصغر سنا أينما حللت.
"هو أنت فاكر إنك أصغر واحد في الدنيا؟" يقولها صديقي_أعز صديق_ بعد صاحبنا الأول بيومين، فأتنبه للحقيقة الطارئة: لا يمكن أن أظل الأصغر دوما!
سرقني الزمن واختلس مني 25 عاما، أنا اليوم أكبر من عمر أبي حين أنجبني، وأنا اليوم أصغر من كل أبطالي الذين احتلوني طفلا وسكنوني مراهقا، وصاحبتهم_روحا وجسدا_ يوم النضوج.
على مدار ربع قرن، ما من شيء عملته إلا ولم أتمه، مصاب أنا بهاجس صعب، أود ألا أكتمل، ألا يكتمل عملي والصادر عني، ما من شيء كتبته أو فعلته إلا وتركت فيه ثغرة واضحة، أو حتى مستترة حين يكون الأمر أصعب من أن يتجاوز عنه الآخرون، منجذب أنا لكل ما هو ليس الأول والأكمل ، أحب أن أخط لنفسي طريقا منفردا، لا هو "الأول" ولا ما عداه، سمته الأبرز :الفرادة، فرادة الجمال والنقص، مسكون أنا بتأمل العمل في مرحلة ما قبل الاكتمال، فهي الأحب لي..أما كماله فمنغص مستنغص.
لماذا أتحدث الآن عن الاكتمال؟ لأن النقص أوضح ما يكون في تلك اللحظة، الإيغال في القوة إيغال في الضعف. وأنا الآن قويٌ قدر ضعفي، ضعيفٌ قدر قوتي، وما بين ضدين_لا يستدل من ضديتهما على شيء_ أجدني أوضح وأهدأ.
العام الماضي، كان الأهدأ والأفضل، التقيت الآخرين بمعدل 1/14 مرة قياسا بالمعدل السابق، وفي فرق 13 مرة، كتبت مجموعة قصصية (أو شيئا ما لا أدري ماهيته) وبدلت شخصيتي (بحيث صرت أكثر خشونة وقتامة واتساعا) وغيرت شكلي ( لا أدري لأي اتجاه) وتعلمت ألا أحتاج أحدا، وصمت أياما لا يعلم عددها إلا الله.
شجاع أنا قدر ما يحتاجه الواحد منا كي يكفر بنفسه ثم يرتد مؤمنا تارة أخرى، شجاع قدر المراجعة، ومن يجسر؟
أخطائي قاتلة، قاتلتي أو قاتلة سواى، لكن لا أحد يدخل اللعبة مرغما، أنا أو هم.
لماذا أكتب الآن أو كتبت مسبقا، لأني لا أجيد سوى فعل هذا، الأمر لا ينطوي على أية أبعاد رسالية بالمرة، أضطر للكتابة اضطرارا، حتى لا تزدحم الفكرة بداخلي فأموت كمدا.
أنا فقط أستهلك من عمرك ما يعضد من بقائي..
سر لك أنت وحدك: أنا الآن أرسم مرة أخرى، أوراقي البيضاء بجواري، وأقلامي الرصاص المدببة السن، ويداي تتحسسان الورق، فيصير الوجه الذي أرسمه مذ كنت طفلا.