سافرت أمي وأخويّ،استبشرت بانفرادي بذاتي أربعة أيام كاملات،أرتع في منزلنا أني شئت وأخرب فيما شئت وأعيث فسادا كيفما اتفق لي.
أول أيام انفرادي فشلت في تسخين العشاء،تصاعدت الابخرة من أوعية الطعام ،غرفت الاطباق،وتجرعت "أبرد" وأسمج عشاء في تاريخي ،فيما بعد عرفت من الزميلات والزملاء أني "عليت" النار فانخدعت بمظهر البخار،بينما فنون الطهي تفترض ..التخسين علي نيران هادئة.
بدلت أماكن الوسادات،غيرت من ترتيب الشقة،أغلقت منافذ النور،غسلت "المواعين"،تحممت وتعطرت وارتديت أبيض ثيابي،وجلست منتظرا السعادة اللانهائية التي ستحل عليّ..
بعد ساعتين من النوم وثلاث ساعات من محاولات استجلاب السعادة،ارتميت علي السرير،أقلب بالريموت مراوحا بين قنوات مملة وأخري أكثر مللا،وأشعر ان روحي تختنق..وتختنق.
الجوع مرة أخري..لن أحاول مع الرز والبامية،خبراتي السابقة في التسخين ليست بجيدة علي أية حال،حاولت تحمير قطعة لحم،وضعت السمن في طبق معدني وألقيت قطعة لحم صغيرة علي سبيل التجريب،استشعرت أن ثمة شيء ما منقوص،فركت بعض التوابل،بينما فقاقيع الزيت تتطاير لتطال وجهي،أقترب من البوتجاز..أقلب قطعة اللحم..أحترق..أتراجع بسرعة..وأعود بعد قليل..وهكذا وهكذا..
أعددت قطعة لحم لا بأس بها..
في اليوم التالي أعددت فطورا لا بأس به،لكن الشيء المنقوص ظل منقوصا،ولا تسألني ما هو..
قررت الالتجاء إلي تجربة أكثر سهولة..اشتريت عبوة "أندومي" من تلك التي يقولون عنها سريعة التحضير،لم أفهم الطريقة تماما،أضفت زيتا من عندي،بالبطع لم تكن شهية كما تخيلت،ولم تفلح في سد جوعي.
الجوع يتبعه الهزال،والهزال يلازمه الأرق،والأرق يعكر المزاج،وعكرة المزاج أولي خطوات الاكتئاب المنظم.
هربت من جوعي إلي ألبوم العائلة،بالصدفة حصلت علي صور لأمي وأبي في المرحلتين الابتدائية والاعدادية،ملامح كل منهما كانت تشي بمستقبله..بنت جميلة بريئة ستعاني كثيرا،وولد محتدم الملامح سيتشبك كثيرا مع الدنيا.
يغزوني شعور بالوحشة،صخب أختي أميرة،سرعة انفلات مازن في حركاته الشقية،حس أمي ،سيجارة أبي ومداعباته وشروده.
مع أيام الغياب والعزلة،أكتشف أني صرت أكثر هشاشة،لا أقوي علي الوحدة ولا أكتمل بانفرادي كما كان الأمر سابقا،حتي الصلة مع الرب دمغتها السنون بأن تمر عبر علاقاتي مع الآخرين..أمي لن تمر بجواري أثناء الصلاة كي تلتقط شيئا،مازن لن يمرق من ركعة لأخري حاملا شيئا ما،أميرة لن تعبر في صمت مهيب في الركعة الرابعة دائما.
أكوم بقايا الطعام في كيس بلاستيكي،أنظف الشقة،أسرف في التحمم،وأصير أكثر خوفا كطفل صغير تتلاعب به الظلمة أثناء غياب أمه.
أدائي في العمل يتوتر،جسدي يتألم،طباعي تزادا حدة،لساني يخونني غير مرة،والحبيبة تتجرع جديدي في صمت..
في الصباح "أسخّن" رغيف خبز.فلا أفعلها بحرفية أمي ولا كبرياء أختي ولا حذق أخي ولا خبرة أبي..أحس أني منقطع منبت من أصل أكبر مني،يعزيني قرب التقاء أمي ورؤية أختي واحتضان أخي واستفزاز أبي.
أول أيام انفرادي فشلت في تسخين العشاء،تصاعدت الابخرة من أوعية الطعام ،غرفت الاطباق،وتجرعت "أبرد" وأسمج عشاء في تاريخي ،فيما بعد عرفت من الزميلات والزملاء أني "عليت" النار فانخدعت بمظهر البخار،بينما فنون الطهي تفترض ..التخسين علي نيران هادئة.
بدلت أماكن الوسادات،غيرت من ترتيب الشقة،أغلقت منافذ النور،غسلت "المواعين"،تحممت وتعطرت وارتديت أبيض ثيابي،وجلست منتظرا السعادة اللانهائية التي ستحل عليّ..
بعد ساعتين من النوم وثلاث ساعات من محاولات استجلاب السعادة،ارتميت علي السرير،أقلب بالريموت مراوحا بين قنوات مملة وأخري أكثر مللا،وأشعر ان روحي تختنق..وتختنق.
الجوع مرة أخري..لن أحاول مع الرز والبامية،خبراتي السابقة في التسخين ليست بجيدة علي أية حال،حاولت تحمير قطعة لحم،وضعت السمن في طبق معدني وألقيت قطعة لحم صغيرة علي سبيل التجريب،استشعرت أن ثمة شيء ما منقوص،فركت بعض التوابل،بينما فقاقيع الزيت تتطاير لتطال وجهي،أقترب من البوتجاز..أقلب قطعة اللحم..أحترق..أتراجع بسرعة..وأعود بعد قليل..وهكذا وهكذا..
أعددت قطعة لحم لا بأس بها..
في اليوم التالي أعددت فطورا لا بأس به،لكن الشيء المنقوص ظل منقوصا،ولا تسألني ما هو..
قررت الالتجاء إلي تجربة أكثر سهولة..اشتريت عبوة "أندومي" من تلك التي يقولون عنها سريعة التحضير،لم أفهم الطريقة تماما،أضفت زيتا من عندي،بالبطع لم تكن شهية كما تخيلت،ولم تفلح في سد جوعي.
الجوع يتبعه الهزال،والهزال يلازمه الأرق،والأرق يعكر المزاج،وعكرة المزاج أولي خطوات الاكتئاب المنظم.
هربت من جوعي إلي ألبوم العائلة،بالصدفة حصلت علي صور لأمي وأبي في المرحلتين الابتدائية والاعدادية،ملامح كل منهما كانت تشي بمستقبله..بنت جميلة بريئة ستعاني كثيرا،وولد محتدم الملامح سيتشبك كثيرا مع الدنيا.
يغزوني شعور بالوحشة،صخب أختي أميرة،سرعة انفلات مازن في حركاته الشقية،حس أمي ،سيجارة أبي ومداعباته وشروده.
مع أيام الغياب والعزلة،أكتشف أني صرت أكثر هشاشة،لا أقوي علي الوحدة ولا أكتمل بانفرادي كما كان الأمر سابقا،حتي الصلة مع الرب دمغتها السنون بأن تمر عبر علاقاتي مع الآخرين..أمي لن تمر بجواري أثناء الصلاة كي تلتقط شيئا،مازن لن يمرق من ركعة لأخري حاملا شيئا ما،أميرة لن تعبر في صمت مهيب في الركعة الرابعة دائما.
أكوم بقايا الطعام في كيس بلاستيكي،أنظف الشقة،أسرف في التحمم،وأصير أكثر خوفا كطفل صغير تتلاعب به الظلمة أثناء غياب أمه.
أدائي في العمل يتوتر،جسدي يتألم،طباعي تزادا حدة،لساني يخونني غير مرة،والحبيبة تتجرع جديدي في صمت..
في الصباح "أسخّن" رغيف خبز.فلا أفعلها بحرفية أمي ولا كبرياء أختي ولا حذق أخي ولا خبرة أبي..أحس أني منقطع منبت من أصل أكبر مني،يعزيني قرب التقاء أمي ورؤية أختي واحتضان أخي واستفزاز أبي.
_________
العنوان قصيدة شهيرة لمحمود درويش