90s fm

الأحد، 22 يونيو 2008

أحنّ إلي خبز أمي*

سافرت أمي وأخويّ،استبشرت بانفرادي بذاتي أربعة أيام كاملات،أرتع في منزلنا أني شئت وأخرب فيما شئت وأعيث فسادا كيفما اتفق لي.
أول أيام انفرادي فشلت في تسخين العشاء،تصاعدت الابخرة من أوعية الطعام ،غرفت الاطباق،وتجرعت "أبرد" وأسمج عشاء في تاريخي ،فيما بعد عرفت من الزميلات والزملاء أني "عليت" النار فانخدعت بمظهر البخار،بينما فنون الطهي تفترض ..التخسين علي نيران هادئة.

بدلت أماكن الوسادات،غيرت من ترتيب الشقة،أغلقت منافذ النور،غسلت "المواعين"،تحممت وتعطرت وارتديت أبيض ثيابي،وجلست منتظرا السعادة اللانهائية التي ستحل عليّ..
بعد ساعتين من النوم وثلاث ساعات من محاولات استجلاب السعادة،ارتميت علي السرير،أقلب بالريموت مراوحا بين قنوات مملة وأخري أكثر مللا،وأشعر ان روحي تختنق..وتختنق.

الجوع مرة أخري..لن أحاول مع الرز والبامية،خبراتي السابقة في التسخين ليست بجيدة علي أية حال،حاولت تحمير قطعة لحم،وضعت السمن في طبق معدني وألقيت قطعة لحم صغيرة علي سبيل التجريب،استشعرت أن ثمة شيء ما منقوص،فركت بعض التوابل،بينما فقاقيع الزيت تتطاير لتطال وجهي،أقترب من البوتجاز..أقلب قطعة اللحم..أحترق..أتراجع بسرعة..وأعود بعد قليل..وهكذا وهكذا..
أعددت قطعة لحم لا بأس بها..
في اليوم التالي أعددت فطورا لا بأس به،لكن الشيء المنقوص ظل منقوصا،ولا تسألني ما هو..
قررت الالتجاء إلي تجربة أكثر سهولة..اشتريت عبوة "أندومي" من تلك التي يقولون عنها سريعة التحضير،لم أفهم الطريقة تماما،أضفت زيتا من عندي،بالبطع لم تكن شهية كما تخيلت،ولم تفلح في سد جوعي.
الجوع يتبعه الهزال،والهزال يلازمه الأرق،والأرق يعكر المزاج،وعكرة المزاج أولي خطوات الاكتئاب المنظم.
هربت من جوعي إلي ألبوم العائلة،بالصدفة حصلت علي صور لأمي وأبي في المرحلتين الابتدائية والاعدادية،ملامح كل منهما كانت تشي بمستقبله..بنت جميلة بريئة ستعاني كثيرا،وولد محتدم الملامح سيتشبك كثيرا مع الدنيا.
يغزوني شعور بالوحشة،صخب أختي أميرة،سرعة انفلات مازن في حركاته الشقية،حس أمي ،سيجارة أبي ومداعباته وشروده.
مع أيام الغياب والعزلة،أكتشف أني صرت أكثر هشاشة،لا أقوي علي الوحدة ولا أكتمل بانفرادي كما كان الأمر سابقا،حتي الصلة مع الرب دمغتها السنون بأن تمر عبر علاقاتي مع الآخرين..أمي لن تمر بجواري أثناء الصلاة كي تلتقط شيئا،مازن لن يمرق من ركعة لأخري حاملا شيئا ما،أميرة لن تعبر في صمت مهيب في الركعة الرابعة دائما.
أكوم بقايا الطعام في كيس بلاستيكي،أنظف الشقة،أسرف في التحمم،وأصير أكثر خوفا كطفل صغير تتلاعب به الظلمة أثناء غياب أمه.
أدائي في العمل يتوتر،جسدي يتألم،طباعي تزادا حدة،لساني يخونني غير مرة،والحبيبة تتجرع جديدي في صمت..
في الصباح "أسخّن" رغيف خبز.فلا أفعلها بحرفية أمي ولا كبرياء أختي ولا حذق أخي ولا خبرة أبي..أحس أني منقطع منبت من أصل أكبر مني،يعزيني قرب التقاء أمي ورؤية أختي واحتضان أخي واستفزاز أبي.

_________

العنوان قصيدة شهيرة لمحمود درويش

هناك 15 تعليقًا:

تــسنيـم يقول...

وصفت مشاعرك بإبداع..

جاءوك سالمين ولا حرمك الله منهم أبدا


:)

ADMIN يقول...

ضع مدونتك الان فى اكبر مجمع مصرى لافضل المدونات
http://bestegyptianblogs.blogspot.com

آيــة يقول...

نزعم دائما اننا نعرف قيمة الأشياء ... لكن نتأكد فقط عندما نجرب ...

ربنا يرجعهم لك بالسلامة :)

أحمد الدريني يقول...

تسنيم:
الصدفة البحتة،أو ربما دعواتك المجابات،خلتهم يتصلوا بيا بعد ما كتبت البوست وبيقولوا لي انهم دلوقتي في البيت!

wake up egypt:
ان شاء الله

آية مش هنا:
عندما نجرب

غير معرف يقول...

عندما يشعر القارئ انه يعيش معك كل أحاسيسك ومشاعرك فهذا هو الصدق و هذا هو الايداع
هل تقبل منى نصيحة؟
لأنى أم وأعرف جيدا مدى سعادة اى ام عندما تشعر ان ابنها مهما كبر مازال فى حاجة لوجودها ولا يستطيع الحياة بدونها ..لذلك ارجو منك ان تجعلها تقرأ هذا البوست وكلامك الجميل
مع تحياتى لهاولك

Camellia Hussein يقول...

حمدا لله علي سلامتهم
لا حرمك الله ممن تحب

Noha El-arabi يقول...

لم اكن اعرف ان الجوع يحرك خلايا الابداع
:)

أحمد الدريني يقول...

د.مها:
أتفهم ذلك جيدا وأحاول توصيل هذه المشاعر إليها،بالطبه لن أترك أمي لغبار الزمن،بينما أشب أمام عينيها لأباغتها يوما ما اني كبرت وخلاص مش محتاجلها بقي..ده انا بقي حيوان وغبي.

كاميليا:
الله يسلمك

نها:
الجوع أقصر الطرق لجهنم

غير معرف يقول...

حمد الله على سلامتهم
ونفسي اعمل كدة فأخويا نسيبه ونسافر شان يعرف قيمتنا ويبطل تناكة :)
(على اعتبار ان انا اللي بحضره الاكل وكدة يعني)

أحمد الدريني يقول...

جهيزة:
كل أخت شايفة نفسها كده...
لكن للاسف هتفضلوا بنات وعمركن ما هتبقين رجالة..نيهاهاهاها

dalia يقول...

ياه الحمد الله على نعمة الأسرة وربنا معاك حتى يرجعوا بالسلامة

دينا فهمي يقول...

ربنا مايحرمكش منهم يا أحمد

إنسان || Human يقول...

هو انت يادريني غلطت الصراحه كنت المفروض ماتحطش زيت في الإندومي ...ماكنتش هاتحس بالوحده ,,,ههههه
...
بس العنوان ..وكلامك يشير إلى ان كل همك في الموضوع الأكل العيش والطبيخ ..حتى تأمير العيش ياراجل ...على العموم هو أكيد قيمة العائلة أكبر من كده بكتير عندك ..وعندنا كلنا مش مجردوجبه أو آكله...ربنا يخليهم لنا

الحلم العربي يقول...

ربنا يخليهالك و ما يحرمكش من حنانها اللى هو أهم من خبزها طبعا
تحياتي

جهيزة يقول...

أحمد..فيه ما فيه:

براحتي على فكرة ههههههههههه
مشكلتي الوحيدة ان انا ذاكرتي قوية جداً

:))