90s fm

الأحد، 31 يناير 2010

أبودجانة الخراساني..استراتيجية اللاعب الثاني عشر






"

"أنا أعيش في حالة نفسية معقدة, أحرجت كل أدبيّات الطب النفسي".. يبدو هذا الاقتباس -من مجمل الكتابات المنسوبة لهمام البلوي أو "أبو دجانة الخراساني" بالمنتديات "الجهادية"- هو المدخل الأقرب لقراءة شخصية الطبيب الأردني الذي فجر نفسه في سبعة من ضباط وعملاء وكالة الاستخبارات الأمريكية "سي آي إيه" قبل وقت قريب في ولاية خوست، في واحدة من أكثر عمليات القاعدة نجاحا.
في قصة البلوي عدد من التساؤلات المعلقة والثغرات الاستخباراتية التي لا تفصح عن نفسها في المستوى الأول من الرواية الرسمية، والتي ينفرد الجانب الأمريكي بالإفصاح عنها، لكن جانبا آخر من الرواية -ربما هو الأهم- يكمن في ما تركه البلوي نفسه من كتابات على المنتديات الجهادية والتي ترسم إلى مدى بعيد شخصية الطبيب "الجهادي" الذي كبد الاستخبارات الأمريكية هذه الخسارة المريعة.
وهمام خليل أبو ملال البلوي هو طبيب أردني من أصل فلسطيني تزوج من تركية تدعى "دفني بيرق"، هي المصدر الوحيد الآن للمعلومات المتاحة عن شخص البلوي بكل التعقيدات التي ينطوي عليها الحديث عنه.
وفي مقابلة مع مجلة نيوزويك الأمريكية في عددها الصادر بتاريخ 19 يناير قالت إن اللحظة الحاسمة في تاريخ البلوي هي لحظة الغزو الأمريكي للعراق والتي راح زوجها على إثرها يقرأ بنهم وينخرط في أنشطته على شبكة الإنترنت بطريقة أخذت تتسم بطابع نظامي يوما بعد يوم، خصوصا مع اتجاه البلوي للإفصاح عن آرائه الجهادية بصورة جهرية تستند إلى استدلالات قرآنية وأحاديث نبوية طالما رددها على مدار السنوات الماضية، إلى أن تمت ترجمتها إلى فعل مشهود في "عملية فيرجينيا".
استغماية الجهاد
"الحالة النفسية المعقدة" التي يصف بها البلوي نفسه ليست سوى تعبير عن شجونه الشخصية لبقائه في خانة القاعدين عن الجهاد غير القادرين على ممارسته، يقول البلوي في إحدى المقالات المنسوبة إليه على "منتديات الفلوجة الإسلامية" قبل ستة أشهر: "عندما أرى طفلا يلعب (الاستغماية) مع رفاقه, فيختبئ خلف سيارة مصطفة بجانب الطريق أو وراء جدار بناية... تراه عيناي كملثم يترصد لدورية أمريكية عسكرية وينتظر بلهفة ساعة الصفر.. تتحول صرخاتهم الطفولية إلى تكبيرات وتهليلات وكأنه كمين: الله أكبر, فتح من الله ونصر قريب, نفذ أخي على الهمر, نفذ على الدبابة! أنظر إليهم مستسلما لخيالي, متخليا عن بقايا "ملكة التمييز الواقعي" فأنا ألمح في وجوههم براءة أراها في وجوه جنود دولة العراق الإسلامية".
ويستمر البلوي في وصف الإحالات الذهنية التي يقيمها تجاه مفردات الواقع من أمامه حتى يصير كل ما حوله مجرد مشاهد مجتزأة من معارك "جهادية" ولحظات "استشهادية" في مواجهة أعداء "دولة الإسلام".



لكن البلوي الذي تدمع عيناه، حنينا، للجهاد بينما تتوقف سيارته أمام دورية مرور حتى يندهش الشرطي الذي كاد أن يحرر له مخالفة مرورية، يقرر أن يتحرك من خانة "اللاعب الثاني عشر" ليتحول إلى اللاعب "الحادي عشر". حيث يصف محللو كرة القدم دور الجمهور في المباراة باللاعب الثاني عشر، لكن "أبو دجانة"، وفقا لتوصيفه لموقعه، قرر أن يغير إستراتيجيته ويحل نزيلا على ساحة "الجهاد" التي طالما اشتاق إليها.
وهو ما يدفع بعدد من التساؤلات، فكيف اقتنعت المخابرات الأمريكية أن طبيبا شابا سيعطيهم معلومات هامة وربما يساعدهم في القبض على أيمن الظواهري بموجب خلفياته المعرفية في هذا المجال؟ وماذا لو أن هذا الشاب الجهادي قد اختار لنفسه اسما حركيا "أبو دجانة الخراساني" في حياته الجهادية التي بدا للمخابرات الأمريكية أنه أقلع عنها.
والاسم لا يحتاج لتفسير، فقد اختار أن يكني نفسه بكنية الصحابي أبو دجانة الذي اشتهر بأنه صاحب العصابة الحمراء (الرغبة في الشهادة وعدم العبء بالخصوم) يوم أحد والفارس المغوار الذي جندل المشركين وضرب منهم كل بنان. واختار أن يلقب نفسه بالخراساني بما يحمله اللقب من إحالات واضحة، أخذ أحد المشاركين على منتدى "الحسبة" الجهادي يفسرها في مقال رثائي لهمام البلوي بالتالي: "لماذا الخراساني؟.. هل لأن خراسان غالية لدرجة أنه عاش فيها.. حتى لو من وراء الشاشات، هل لأنها خضراء "كالحسبة الخضرا"..!أم لأن فيها أسامة.. رمز الفخر، في جبين العز شامة..! أم لأن كتائب النصر ستخرج منه.. طلائع خراسان...".
وكيف فات على المخابرات الأمريكية والأردنية أن البلوي ربما يكون مخادعا، وأنه ينفذ مخطط أكبر، عبر هو نفسه عنه بتحوله من "الجمهور المشاهد" إلى أحد اللاعبين؟ فهل جنده الأمريكان دون الاطلاع على تاريخه ودون قراءة شخصيته التواقة للجهاد مهما كان الثمن؟ أم أن سي آي إيه لم تفطن إلى أن البلوي ربما يكون ثمرة من ثمار المنتديات والمواقع القاعدية التي أخذت على عاتقها حشد الأتباع وتجنيد العقائديين الجدد بعد شتات التنظيم في البلاد؟.
الغرب نفسه اعتبر أن أسلوب عمل القاعدة الجديد يشبه أسلوب الشركات الكبرى والماركات العالمية، التي قد تتمركز في بلد واحد لكن آلاف التوكيلات تملأ باقي البلدان، ومن ثم أصبحت القاعدة مثل "ماكدونالد وكنتاكي"، لها فروع في كل مكان، تعمل بالخلطة السرية للمقر الأم!.
تنقيب باربي
يصف البلوي في أحد مقالاته خياله عن دولة الإسلام قائلا: "بعد أن تَتوسع خارِطة الدولة, وتَنتحر على صُخورها أمواج الكفر العَاتية, ستهيمن ثقافتنا على العالم, وستلبس باربي النقاب وستقرأ القرآن برواية حفص عند لمسها, سَنصدر الأبطال والرموز عبر المحيطات حتى تعثر على طفلٍ كامبوديٍ سماه أبوه البوذي "أُسامة" تيمّنا بالرجل الأسطورة. سَتجد كوريا جنوبياً يلبس الغترة والعقال ويجلس في مكتبه الخاص في الطابق الواحد والخمسين من ناطحة السّحاب, ويغني أنشودة أبي عبد الملك بلكنة كورية, دون أن يفهم معانيها:
"سَنخوض معاركنا معهم, وسنمضي جموعا نردعهم، ونعيد الحق المغتصبَ, وبكل القوة ندفعهم".
"سيصنع اليابانيون حلوى المعمول بالتّمر في عيد الفطر, وسيأكل البرازيليون لحوم الأضاحي بدلا من الديك الرومي, وستمتلئ لا فيغاس بلابسي الدشداشة العربية أو السروال الأفغاني... وسَيشرب الفرنسيون ماء زمزم في عبوات معدنية, سَتتسابق شركات السينما العالمية لتصوير الأفلام الحربية المستقاة من وحي الحضارة الإسلامية, وستجد أول عبارة في الفيلم: "لا نَسمح بعرض الفيلم مع الموسيقى".
لا تحتاج كتابات البلوي إلى توضيح حول طبيعة الرجل، الذي يحلم بتنقيب باربي ويشغله هاجس ألا تصاحب الموسيقى أفلام دولة الإسلام القادمة!.. وهو ما يزيد من تعقيدات الأسئلة القائمة، فبينما تعيب وسائل الإعلام الأمريكية على وكالة الاستخبارات وقوعها في الخطأ التنفيذي الهائل بالتقاء سبعة من عناصرها دفعة واحدة بـ"الهدف" بينما تنص لوائح وأدبيات الاستخبارات ألا يلتقي "الحالة" سوى ضابطها المسئول، مع السماح في حالات قليلة بوجود عنصر آخر.


دعك من فشل الأمريكان في قراءة البلوي، لكن كيف يتمكن شخص على هذا القدر من البساطة والسطحية "الظاهرية" في خداع أكبر أجهزة الاستخبارات في العالم؟. لم تكن مقومات البلوي سوى الرغبة المتحرقة للجهاد، فضلا عن بعض المهارات البلاغية الأخرى التي لا تعني في النهاية أي براعة تنظيمية بالضرورة، ولا يبدو البلوى سوى نتاج خالص لمطالعات على شبكة الإنترنت انتهت به عضوا في تنظيم القاعدة ومديرا لتحرير موقع "الحسبة" التابع لها. أي أن الرجل صنع عن بعد وبأقل كلفة ممكنة، وقدم في النهاية أفضل نتيجة يمكن حسبانها في نقاط التنظيم.
لكن مقالا لأبي دجانة على منتدى "الحسبة الجهادي" يعود تاريخه لسنة 2007 ربما يشير إلى تتبعه لـ"سي آي إيه" بالدراسة والبحث، تمهيدا لعملية الخداع الكبرى التي كان يخطط لها.
أسامة الصغير
يقول أبو دجانة في مقاله المعنون بـ"في داخلهم أسامة صغير"..: "هل رأيتم أمريكا أو أي إمبراطورية قبلها شكلت وحدة كاملة ضمن وكالة الاستخبارات, تتألف من مئات الأشخاص هدفها الوحيد القبض على شخص واحد كما فعلت أمريكا مع أسامة؟ تخيل, مئات الأشخاص... بعضهم يلبس الكرافتة ويجلس في مكتب فاخر كمدير فرع أو دائرة، وبعضهم يلبس اللباس الأفغاني وينغمس عينا على المجاهدين.
هل تعلمون من هو مايكل شوير؟ هو المدير السابق لوحدة السي آي إيه المتخصصة في البحث عن أسامة فقد وظيفته كمدير وبعد ذلك كعضو في السي آي إيه بعد فشله في الوصول إليه, يتوقع من هذا الشخص أن يكون أكثر رجل في العالم يكره أسامة لكن شوير, عندما يتكلم عن أسامة, تجده لا يشفي غليل أعداء أسامة, الرجل يتكلم عن أسامة وكأنه يخفي شيئا عما يجول في قلبه, عندما أستمع لهذا الرجل, أشعر أنه لا يكره أسامة, بل ربما يتعاطف معه, كأن في داخله "أسامة صغير", مختبئ في أعماق وجدانه, مستتر في أحشائه بعيدا عن الأنظار, علمت أن بعض زملائه في الوحدة كانوا يمازحونه ويقولون له:
لعل شيطان أسامة قد ركبك؟ لكن شوير, الذي يعرف عن أسامة أكثر من أي أمريكي آخر, يعلم أن الذي اعتراه ليس شيطانا, ولولا قومه لقال في الرجل غير الذي يقول؛ فخوفه ممن حوله, أو حرصه على مكاسبه يمنعه من البوح عن "أسامة الصغير" الذي يخفيه في باطنه, عد إلى كتابه المسمى "الفوقية الإمبريالية, لماذا يخسر العالم الحرب على الإرهاب" لتجد عجابا.. يقول شوير: بن لادن وجماعته يدافعون عن قيم يحبونها ويتمسك بها أيضا معظم المسلمين".
كيف لا وهو يرفض وصف أسامة بالإرهابي, ويقول عنه: "هو محارب وليس إرهابيا, بن لادن شجاع وليس جبانا, بن لادن مؤمن, متدين"، هذا ما يقوله قائد صليبيّ في السي آي إيه, قضى بضع سنين من عمره في مطاردة زعيم تنظيم القاعدة!
أي أن البلوي كان من المهووسين بقراءة الكتب الاستخباراتية أو على الأقل تلك المتقاطعة مع مساحة اهتمامه الشخصي، وهو ما يدعم من فرضية أن المخابرات المركزية مجرد جهاز استخباراتي فاشل، يشغل البدناء من أكلة البيتزا مواقع قيادية فيه دون استحقاق حقيقي، للدرجة التي جعلتهم يقعون في شرك شاب صغير مثل همام البلوي.
ومن مجمل كتابات أبي دجانة الخراساني أو "أسامة الصغير".. فهو أولى الناس بها الآن سواء في عرفه أو في عرف جماعته، ويبدو أن الرجل الشبح "بن لادن" تحول إلى "شبح الرجل" وقد انتثر في ألف "أسامة".. خرقوا سقف النجاحات المفروض، وربما سينجحون في خرق أسقف أخرى مادام إبداعهم وخيالهم الشخصي قادرا على سوقهم إلى هناك.. حيث وقفوا شامتين في وكالة الاستخبارات.. وحيث وقفت وكالة الاستخبارات تضيف إلى خيباتها خيبة جديدة.



هناك 6 تعليقات:

محمد على الدين يقول...

تحليل جميل وكتابة رائعة .. تسلم ايديك

ة يقول...

اممممممممممم

مش عارف هو انا اللى مفهمتش المغزى ولا اصلا المطلوب اننا منفهمش المغزى من الموضوع ...يعنى وببساطه ديه دعوه ولا عبره :)
دمت بكل ود

m.ali يقول...

البتاع ده بيتلكك علشان يبعت الكلام

انا اللى باعت الكلام اللى فوق ده :D:D

الحلم العربي يقول...

مقال جميل بالفعل بس حاسة انه خلص فجأة
معلوماتك جيدة جدا

بس تفتكر فعلا هو بسيط للدرجة دي ؟؟ أعتقد انه كفاية انه قدر يخدع جهاز استخبارات علشان يكون عبقري حتى لو كانت افكاره عن الاسلام سطحية أو انترنتية جهادية

غير معرف يقول...

للتصحيح فقط هو اردني من اصل اردني من قبيلة بلي التى تمتد اصولها الى الصحراء الجنوبيه الاردنيه

هذا الشخص انهى الثانويه العامه الاردنيه بالمركزالسادس على حوالي 60 الف متقدم بمعدل 97%

كان من اوائل الطلاب الذين استطاعو دراسة انهاء دراسة الطب في تركيا 4 سنوات فقط !! مع العلم ان المعدل الطبيعي هو 6 سنوات

يتمتع بدرجة ذكاء خارقه جعلت امريكا تثق فيه بدرجة خياليه ..

الملخص ان هذا الشخص فاق اجهزة الاستخبارات في العالم ولاعبها باحتراف .. وهو صاحب شخصيه حاده و معقده جدا وتحتاج الى الكثير من الدراسه والتحليل .. و حسب وصف احد المخرجين الامريكيين انه فاق جميع الشخصيات الخياليه في الافلام الامريكيه ذكاء.. لذلك استبعد جدا موضوع السذاجه ..

Unknown يقول...

كأني بتفرج على مباراة هزلية بين فريقين من الأغبياء... المجد لأوروبا