على القناة الأولى صباح أحد أيام 2005 كان التلفزيون المصري يبث وقائع حفل تكريم د.محمد البرادعي بعد حصوله على جائزة نوبل، والذي اشتمل على مراسم بروتوكولية سخيفة مثل معظم الفعاليات التي يحضرها الرئيس مبارك.
وعندما قام الرئيس بتسليم البرادعي درعا ما أو قلادة ما، لا أتذكر، جاء دور البرادعي لإلقاء كلمته، ولم أجد ساعتها وأنا طريح الفراش مصابا بدور برد من الطراز الفاتك، ما يدعوني للاستماع لهذا الخطاب الإنشائي الذي سيلقيه البرادعي في حضرة مبارك، فقررت على الفور تغيير القناة، وما بين هذا القرار وبين اللحظة التي بدأ فيها البرادعي خطابه شغلني شيء ما لا أتذكره.
أقل من خمس دقائق كان البرادعي قد ألقى خلالها كلمة عاصفة في وجه الرئيس، لا يمكن تصنيفها أخلاقيا سوى أنها "خطاب توبيخ" ولا سياسيا إلا ب "حيثيات إدانة نظام".
أتذكر مما جاء فيها قول البرادعي لمبارك :"سيادة الرئيس، ولنعلم أن الدول لا تتقدم إلا باحترام حقوق الإنسان".
مضى البرادعي في خطاب تكريمه، معددا خطايا النظام المصري فيما يخص الديمقراطية وحقوق الإنسان والفساد، بينما وجه الرئيس مبارك يتقلب بين البياض والحمرة مكتفيا بالتحديق في البرادعي.
ذهلت من مستوى الخطاب السياسي الذي قلب به البرادعي الطاولة في وجه الرئيس مبارك، وتساءلت بيني وبين نفسي عن طبيعة العلاقة المستقبلية بين الرجلين، بعد أن قال البرادعي ما لم يجرؤ عليه سواه طوال 24 سنة_في 2005_ في وجه مبارك.
الآن أعتقد أن البرادعي دشن خطابه الانتخابي، فلسفة وموقفا وأخلاقا، في هذه الكلمة الجسورة التي ألقاها عام 2005.
لست من متابعي البرادعي ولا من المتحمسين له بصورة منهجية، لكن طبيعة المعركة تروقني جدا..
ند يستوفى الحد الأدنى من نزاهة السيرة والسمعة وكفاءة العمل والموهبة، جاء من البلاد البعيدة_وقد يبدو مجيئه مباغتا_ليحل من سابع سماء كما قدر غير مردود، مربكا حسابات نظام مبارك وقططه السمان..السمان جدا.
الصحافة المصرية(الخاص منها لا الحكومي) نفسها تعاملت مع البرادعي بصورة تلائم هذا الهبوط الأسطوري، الذي يليق برجل تواترت فيه النبؤات وانعقدت عليه الآمال، تارة بذكر اسمه_دون جدية حقيقية في الطرح_مشاكسة لمبارك وآله، بافتراضه مرشحا محتملا للرئاسة، ضمن كثيرين منهم عمرو موسى وزويل وعمر سليمان بل وعمرو خالد أحيانا، وتارة أخرى باختراعه أملا شبه أوحد..ولو لم يوجد البرادعي_حصانة معنوية لنا_ في وجه مبارك وآله..لوجب أن يخترع!
الصحافة للمرة الأولى تقريبا تتعامل بشيء من الاحترام مع "التفاصيل"..تفاصيل من نوعية (رقم رحلة البرادعي_صالة الوصول_ميعاد الوصول..)..مع تفاصيل رحلة مجيء البرادعي ،يستوفي "المجيئ" شروط وحيثيات "المخلص" القادم من عل (الطائرة/البساط السحري)، وبعد 29 عاما من الفساد والوجع..فهو البرادعي "يجيء في آخر الزمان" مجيئه "الثاني" ليملأها عدلا بعدما ملئت ظلما وجورا!
مرحى بك يا محمد مصطفى البرادعي، آملا ألا يخذلك أنصارك وألا يلتهمك خصومك..لست متحمسا لشخصك المحترم، لكن المبدأ يروقني ويدهشني.
هناك تعليقان (2):
انا كمان مش من المتحمسين له ولكن مشجع جيد له...يمكن لانه لم ينجح حتى الان فى انه يسيطر على عقلنا - احنا كمصرين مبنتحمسش غير للى يسيطر على عقلنا - بس برضه فرحان ان فيه حد قوى ممكن ينزل....مش شرط يكسب بس على الاقل هيربك الحسابات وهيهد طوبه فى الجدار...ولكن السؤال الاهم.. من تساند قوى الغرب المتحكمه!!!!.
الطرح ذاته في منتهى الأهمية، رصدق ومنظورك للأحداث يا أحمد، حقيقة أراهن عليك يا صديقي ككاتب سياسي من الطراز الأول للمرحلة، يسلم قلمك
إرسال تعليق