تدهمني من وقت لآخر نوبات فقدان مؤقت للذاكرة.
نحو أربع مرات نسيت في أي الكليات درست، وذات مرة استغرقت 25 ثانية تقريبا كي أتذكر ما هو اسمي.
دمعت عيناي ساعتها، ثم تبادلت مزحة من هذا الطراز الذي أتبادله مع نفسي كثيرا: لست بهذه الأهمية كي تتذكر نفسك أيها الرجل..فلتدع مساحة من عقلك خالية لتفاصيل أكثر أهمية.
قديما كنت أعاني من قوة الذاكرة، قوة مزعجة، طوال اليوم أتذكر كل التفاصيل وكل المعلومات وكل الأرقام والحقائق وكل الذكريات، كل شيء يكاد يكون حاضرا مستديما مهيمنا.
تهوي الذكريات على رأسي، مطرقة كبيرة تحاول سحقي "الامتحانات المدرسية"..جرار يحاول دهسي "أوجاع الطفولة"..خنجر طائر يستهدف صدري "مكائد العمل".
تعبت من التذكر أكثر من اللازم، فاضطررت لإعطاب صفاتي الحيوية.. خربت مخي بالطريقة التي أعلم أنها ستخربه تماما، وستجعله ينسى "أكثر من اللازم".
الآن الصورة مشوشة جدا، أنصاف مشاهد من الماضي، وجوه شاحبة ، ملامح مطموسة، غبار على كل ركن، لاشيء مكتمل كي يفضي إلى حقيقة يمكن تذكرها.
الصدف التي تجمعني بالأصدقاء تكون صعبة جدا، أترك الآخرين يحضنوني ويسألون عن أحوالي، بينما كل واحد منهم لا أستطيع تمييزه على وجه الدقة ( من هو؟ كيف تعرفت عليه؟ كيف كانت علاقتنا سويا؟)
من وقت لآخر أعيد قراءة تدويناتي السابقة، فلم أكتبها جميعا في حالة واعية، قطاع كبير منها كان بغرض توثيق لحظات التيه.
أعيد قراءتها في الحالات الأكثر وعيا، كي أستنتج كيف يكون حالي وأنا "هناك".
__
"أغيثوني يا أهل الإسلام! فليس يتركني لنفسي فآنس بها وليس يأخذني فأرتاح منها وهذا دلال لا أطيقه"
الحسين بن منصور الحلاج مناجيا الذات العلية
__
أنسى عن عمد: أماكني المفضلة ، أكلاتي المحببة، أفلامي الأقرب، موسيقاي الأمتع، تفاصيلي الأدق.
أقول معزيا: سأخترع ما هو أفضل، فهذه ملابس جديدة تروقني جدا ( لا يهم أن أستبدل الأبيض والرصاصي بالأزرق والأسود)..القهوة مشروبي المفضل (هل كنت أسرف في شرب الشاي المنعنع من قبل؟)..دعني أترك شعري طويلا ثائرا (هل كنت أقصره جدا في الماضي؟)..كل شيء يمكن استبداله بشيء أفضل منه..هذه حقيقة حياتية وميثاق كوني غليظ.
__
علميا لا يمكنني تمييز أي الحالتين هي حالتي الأصلية والأخرى هي الطارئة، فكلتاهما حقيقتان تصطرعان على وعيي، فلا أعرف كيف كنت سابقا ولا أنا الآن..لكنهما حالتان خاصتان بي، رابطهما المشترك: شحوب الذاكرة.
هناك 10 تعليقات:
ممكن أقول فاجرة؟ ولا عيب؟
أصل بصراحة ملقتش تعليق أوضح من كده..
:)
ياااااااااااااااااااااااااااااااه
جااااااااااااااااااااااادة أوي
عجبتني جدا جدا وكررت قراءتها كتير
لعيب يا دريني
تدوينة "فقدان الذاكرة"..عملتلى "رفرش" للذاكرة
حاوى يا احمد...سلسة جدا ونافذة مباشرة الى القلوب
مولاي!
"يمكننا بالنسيان, أن نشيع موتا من شئنا من الأحياء, فنستيقظ ذات صباح ونقرر أنهم ما عادوا هنا"
عسفاً :)
تصدق يا أحمد أني النهاردة ..والنهاردة بالتحديد كنت بأفكر في اسم ...MEMENTO
مدد يا سيدي مدد
تحفة يابو حميد
كيف خربت مخك؟؟ كيف فعلت ذلك بنفسك؟
كتاباتك جميله
وحروفك اصليه
وتشبيهالك ليها معاني عاليه وجذور اصليه
صدقني بحب اقرا اي كلمه انت بكتبها
Love
MishMish
استاذ احمد:
اتابع كتاباتك من فترة واعتقد انى قرأت القديم منها كله تقريبا. عرفت الكثير عنك واحسست بالامك وفرحتك وعذاباتك فيها وتعاطفت جدا مع كل ما جاء بها من مشاعر عميقة وتفكير متعمق.
التدوينة رائعة جدا تأثرت بها جدا حيث انى اعانى من ذلك المرض المزمن وهو التذكر لكل التفاصيل. مازلت اعيش فى تفاصيل الماضى البعيد والقريب! اتمنى ان اصفى ذاكرتى من الغير مهم والقاسى والمؤلم. ربما انجح يوما
المشكلة انك بعد ان تنسى تشعر انك اصبحت شخصا آخر!!!! ولا تعرف نفسك بعدها فما جدوى النسيان ؟؟
تذكرت جزء من قصيدة قديمة للاستاذ فاروق جويدة :
تعلمت فى الخوف الا اسامح
تعلمت فى الزيف الا ابالى
ومأساة عمرى.. وجه قديم
ضاعت ملامحه من سنين""
سؤال: هل تنسى الشيكولاته ايضا؟؟:)
على فكرة انا من محبى فيلم الاب الروحى تقريبا احفظه!! وقد انتقل ذلك الى بناتى 10 و11 سنة!! ولى سؤال هل تعتبر قطع علاقتك بالصديق بعد ان كسر قلبك بمثابة القتل؟؟ لوكان كذلك فقد ندم مايكل عليه فى الكبر...
كل تدويناتك اكثر من رائعة ربنا يكرمك كما تسعدنا بكتاباتك
تحياتى
عزة
خربت مخي بالطريقة التي أعلم أنها ستخربه تماما، وستجعله ينسى "أكثر من اللازم".
كيف فعلت ذلك يا ترى؟
يجب إفادة القراء عن طريق تقديم المعلومة كاملة :-)
كلنا هذا الرجل :(
http://fyelomk.blogspot.com/2008/10/blog-post_09.html
إرسال تعليق