قبل عام ونصف تقريبا، انتحر موشيه ياتوم الطبيب النفسي الخاص ببنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، ودوًن ياتوم في مفكرته اليومية عذاباته الشخصية مع بنيامين، وفقا لما سربته شرطة التحقيقات الإسرائيلية للصحافة، والتي تظهر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي مريض نفسي في حالة متدهورة للغاية.. يخلط بين الأردنيين والفلسطينيين ولا يتذكر الوقائع التاريخية على وجه الدقة، ويعتقد أن كل المحيطين متآمرون عليه حتى طبيبه النفسي.
الأمر الذي كان يدفعه لتعذيب ياتوم وتقييده وحبسه في قبو فيلته الشخصية، وتهديده بالقتل. ثم الاعتقاد أن منزل ياتوم هو منزله الشخصي، إلى أن ينشغل عن تعذيبه بحفلات غنائية صاخبة وماجنة، ما دفع ياتوم بعد فترة للانتحار في سابقة مدهشة، ينتحر فيها الطبيب لا المريض!
ومنذ هذا الحادث الغريب، كنت أندهش كيف يتعامل رؤساء العالم (مبارك خاصة حينها) مع هذا المريض المعقد، وكيف تتعامل حكومة إسرائيل نفسها معه، وكيف يسير الكيان الصهيوني شؤونه في ظل هذه القيادة المعطوبة.
(فيما بعد عرفنا من وثائق ويكيليكس أن ساركوزي لايفرق كثيرا عن "بيبي"/اسم دلع نتنياهو)
تجددت هذه التساؤلات بعد خطابين مدهشين ألقاهما نتنياهو على مدار الشهر الجاري، استوقفاني بشدة وعمقا الكثير من التساؤلات بداخلي.
الخطاب الأول الذي ألقاه حول أحداث اقتحام السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، والثاني خطابه أمام الأمم المتحدة بخصوص إعلان الدولة الفلسطينية.
تحدث في الخطاب الأول الذي أذاعته القناة الثانية من التلفزيون الإسرائيلي قبل ثلاثة أسابيع تقريبا حول دور أحد ضباط حراسة السفارة الإسرائيلية بالقاهرة ويدعى يوناثان، قائلا : إن يوناثان كان مع ستة من رجال الأمن الإسرائيليين ولم يكن يفصل بينهم وبين الجمهور المصرى الغاضب الذى اقتحم المبنى سوى باب واحد.
وأضاف نتنياهو أن الضابط الذى كان يتحلى برباطة جأش قال له إذا حدث لى شىء فأرجو أن تخبروا أبى وأمى وجها لوجه وليس عن طريق التليفون، فأجابه نتنياهو واعدا بأنه سيحرك كل القوى فى العالم ليضمن عودته مع زملائه سالمين دون أن يمسهم مكروه، وأنهى نتنياهو القصة بالذروة الدرامية عندما قال: «ولقد تحدثت مع الاثنين اليوم» وبهذا اختتم خطابه متمنيا ليلة سعيدة لشعب إسرائيل.
والترجمة المورد أعلاه هي ترجمة د.إبراهيم البحراوي أستاذ الشأن العبري بجامعة عين شمس ، وسنعتمد على ترجمته أيضا لخطاب نتنياهو أمام الأمم المتحدة، والذي تطرق فيه لقضية الجندي المختطف بواسطة حركة حماس "جلعاد شاليط" فقد قال نتنياهو : "إن جلعاد شاليط هو ابن نوعام وافيفاه شاليط وهو حفيد تسيفي شاليط أحد اليهود الذين نجوا من النكبة النازية (الهولوكوست) والذي وصل إلى البلاد في سنة الشباب عام 1930".
الشاهد من كلا الخطابين هو "أنسنة " نتنياهو لكل من "يوناثان" و"شاليط"..أن يتعرض لهما ويدعو للعالم للتعرف عليهما بوصفهما بشر من لحم ودم ومشاعر، ورائهم ماض وأمامهم مستقبل، لكن العرب يعرقلون ويعترضون مسيرة "حياتهم"
فيوناثان: (رابط الجأش) صفة إنسانية..
له أب وأم..فكيف لا تتعاطف من موقع الابن أو من موقع الأب والأم؟
وإذا مات (هذه الحقيقة الانسانية الموجعة التي لا تفرق بين الأجناس والأديان) يرجو أن يخبروا أمه وجها لوجه (دراما فائقة؟)
فجاء وعد نتنياهو بتحريك العالم أجمع : ضمير البشرية في هذه الحالة.
ثم النهاية السعيدة للأخيار: ولقد تحدثت مع الاثنين اليوم!
ثم نجيء لشاليط، الذي تناوله نتنياهو من زاوية جديدة علينا، فهو لم يعد "الجندي المختطف لدى حركة حماس" هذا التعريف المقتضب الذي بات لفرط تكراره عديم المعنى والتأثير.
فشاليط: ابن نوعام..له أب وأم مثلنا جميعا.
وجده :تسيفي..هناك تاريخ وأجيال تعاقبت حتى جاء شاليط فهو لم يأت من الفراغ. كما كان هذا الجد شابا يوما ما ( من منا لا يتعاطف مع الشباب وأحلامهم).
وقد جاء عام 1930: قبل بدء إنبثاق اسرائيل ب18 عاما فهذه أرضهم أصلا!
وجده هذا نجا من الهولوكست: وفي هذا دراما خاصة، وإسقاط خفي، فالعرب المختطفون لم يرحموا سلسال تسيفي، وكأنما هم يستكملون ما فشل فيه هولوكست هتلر..ومن ثم فلتوقف أيها العالم هذا الجزء الثاني من الهولوكست!
(إذا: كلاهما (يوناثان وشاليط) لهما أب وأم..وينتظران مصيرا ما، فلتتدخل أيها العالم)
هنا علينا أن نفهم أن إسرائيل "تؤنسن" أبنائها، وتخاطب العالم باللغة التي تؤثر فيه..بينما ندبج نحن المقالات ونسوق الأرقام المفزعة حول وفاة 87687 فلسطيني وتجريف 98798 فدان زيتون وهدم 98876 منزل!
نحن نحدث العالم عن أرقام لا تعني أي شيء ولا تثير-بذاتها- تعاطفا، وإسرائيل تحدث العالم عن "الإنسان".
لقد تم اختزال قضيتنا في مجموعة أرقام صماء، بينما حولت إسرائيل قصتين عاديتين إلى شيء ملحمي مؤثر.
وإسرائيل في هذا، تسير على خطى الميديا الأمريكية، التي عمدت مبكرا إلى أنسنة قصصها الصحفية، كي تتمكن من مخاطبة قارئها وإثارته.
فالصحافة الأمريكية هي التي تهتم دوما بتفاصيل من نوعية (حذاء جاك الذي تمزق/ شطيرة جون التي عطبت/أحلام ميشيل التي تحققت/ غرفة باربارا الضيقة) إلى آخر هذه التفاصيل المسيسة بحياة الإنسان فعلا.
( في صحافتنا تجد عناوين بليدة من نوعية: الخريجون الجدد لا يجدون عملا! ما هذا الملل والسخف؟)
حتى مع مرض نتنياهو وخباله، هناك إرادة عمل إسرائيلية، وقدرة على فهم العالم وإيجاد طرق لمخاطبته.
أذكر أن رجلا إنجليزيا كان صديقا لصديق لصديق، حين استمع لأحد خطابات عرفات التاريخية أمام الأمم المتحدة قبل سنوات، اندهش من تكرار عرفات لبعض الجمل وراء بعضها البعض (وهذا ندعوه في العربية ضربا من البلاغة "الأرض الأرض" أو فيما بعد "الحضن الحضن بلوبيف مي بلوبيف مي) فما كان من الإنجليزي إلا أن أحس بالضجر وقال: لماذا لم يجهز خطابه بصورة جيدة؟ لماذا يكرر مقاطع كلامه؟ هذا استهتار!
متى نتكلم نحن اللغة التي يتحدثها العالم؟
هناك 3 تعليقات:
إنها العصابة التى تحكم العالم ، عصابة من المجانين و المرضى و السفاحين .. يفرقون الغنائم على ولاتهم الخونة من كل شعوب الارض
لكن دعنا نرى في الأمر ثمة بريق ، لم يكن نتينياهو من قبل يلقي بمثل تلك الخطابات العاطفية و لا من سبقوه انهم كانوا يسفكون الدماء فقط و أمريكا تتفهم و تحاول تضليل العالم من خلفهم ..
الآن ..يقف نتينياهو مضطرا لأن يذرف دموع التماسيح أمام الأمم المتحدة أليس هذا بادرا -على ضآلته - يعطينا بعض الأمل بأنهم بإذن الله مهزومون؟!
Wow, incredible blog format! How long havе you eѵеr been runnіng а
blog for? you maκe blogging look easy.
The оverall look of your site is gгeat, аs neаtly aѕ the cοntent mаterial!
my wеb-site payday loans
This is a topic that's close to my heart... Take care! Where are your contact details though?
my webpage short term loans
إرسال تعليق