90s fm

الأحد، 2 سبتمبر 2012

لماذا قد يبدو المؤمن متعاليا؟ عن ذوبان الجدار بين النفسي والإيماني


دون تجاهل الخيط الرفيع الفاصل بين النفسي والإيماني، يلح السؤال-بقسوة:
  لماذا يبدو المتدينون واثقون بأنفسهم لهذا الحد؟

الإجابة مختمرة في ذهني نوعا ما، لكن إجلائها لفظيا، يبدو أمرا معقدا نوعا ما أيضا.

والنقطة التي أنطلق منها، ليس التشكيك ولا الذم في الإيماني وما يتبعه سلوكيا. بل التمعن في الجدار الواهي الذي يفصل بين قابلية الصفة الإيمانية للتحول إلى عرض نفسي.

أتحدث عن علاقة التمثل التي تحدث بين الأب وابنه والتلميذ ومدرسه والمرؤوس ومديره، وهي نقطة خطيرة ما لم ينتبه إليها المؤمن/السائر، يسبغ على نفسه من صفات مولاه..يصير رأيه صوابا مطلقا، ويتعامل بأبوية فوقية نوعا ما.
الإيمان مدهش..مدهش جدا.


بعد الوضوء دوما أحسني نقيا أكثر من أي مخلوق أرضي، بعد الصلاة دوما أحسني ممشوق القوام عريض الصدر أتنفس هواء نقيا، بعد قراءة القرآن أحسني أتكلم بلهجة تقطر كبرياء مغلفا، وتتسم بتوازن غريب. أحس أن الأرضي الصغير الضعيف، يتحول لإله صغير على مستوى الصفة البشرية.
ولابد أن هناك علاقة ما، تضفي على السلوك البيولوجي (صلاة ووضوءا وقراءة لكلام تعتقد مقدسا)، مسحة سيكولوجية بعينها. وهو ما أميل للتفرقة فيه بين الأثر كناتج عن التجلي الإلهي في الحالة الإيمانية، وبين الأثر كناتج نفسي لممارسة بيولوجية ذات طبائع معينة..أي أفرق بين التجلي النوراني، والاستلهام البشري لحالة بعينها واستنزالها وفق قانون صارم تقريبا (الصلاة=ثقة، مثلا).

هناك شيء ما وفق المتعارف عليه إيمانيا، يحل على المؤمن في ممارسته إيمانه، أو فلنقل في تماهيه مع إيمانه وذوبانه فيه، هناك بركات تحل، وسمت ما يتغشى المؤمن (النور والاطمئنان والفراسة والقوة والثقة) وهي معان أكدت عليها أحاديث نبوية شريفة، كلها تتجاذب المؤمن روحا وجسدا، حين يتماهى في إيمانه.
وسؤالي هنا، كيف يتنحى الحد الفاصل بين ربانية التجلي-وفق المنصوص الإيماني- ليفسح المجال أمام درجة من الاستعلاء النفسي؟

أعيد فكرتي مرة أخرى: أنا أنطلق من افتراض أن الطاعة والإيمان تضع لمسة ما على الإنسان، لمسة من عزة وشموخ وثقة واطمئنان..فكيف ب"الصفة" في (إيمانية) وعائها تستحيل إلى "سلوك" في (بشرية) ظهوره؟
كيف تتحول العزة-بالله- إلى "استعلاء" على خلق الله؟ كيف يثق السلفي-مثلا- أنه على الصواب وأن الباقين مجرد أطفال طائشين ضلوا في الطريق؟

وكيف يتحول إطمئنانك إلى جانب الله، إلى اعتبار أن الآخرين في خطر محدق، لأنهم فقط ليسوا على نفس طريقك ولم يمسسهم الاجتباء الإلهي الذي يحاديك؟
أرتد إلى المصطلح الصوفي هنا..


السائر..أو المؤمن المجتهد في الإيمانية والعبودية، كأنما يسير على خط بعينه في "الطريق إلى الله"..هذا السائر دوما ما تعتريه نكبات وعثرات في الطريق، وبمقدار ما يقطع من أشواط، سليم النية، بمقدار ما تكون درجته.
هنا، كيف يتحول السائر في نصف الطريق، ويحيد عن القصد الإلهي، فيصبح هو "الإله" إلا قليلا..
وكيف يستحيل رصيد التجلي الإلهي فيه، من نورانية وكشف واستقراء للأمور والحوادث والمستقبل، بغتة، إلى مجرد صفة أرضية كائنة فيه أصلا؟

كيف يعزو الفضل الإلهي فيه، إلى الصفة الأرضية في ذاته، فيصير متألها متعاليا؟
كيف يحيد في منتصف الطريق، فيتمثل إلهه نفسيا، ويعتقد-لاشعوريا- أنه معبر عنه بدرجة ما أونه متحدث رسمي باسم الله، وأنه تحت رعاية جلالة الملك! لكنه في الوقت ذاته ينشق وينفصل ويستقل عن جلالته!

كيف يصير ملكيا أكثر من الملك؟ وكيف يثور ويغضب لأجل حد إلهي منتهك، بينما الله نفسه-ربما- لا يقع الأمر عنده نفس الموقع( ففي العلم الإلهي ووفق الصورة التي رسمتها لنا الأحاديث والسير عن ذات الحق، لا يمكن الإحاطة ب"رد فعله" حيال الخاطيء العاصي، فربما يتوب عليه وربما يحبه وربما يخسف به، كل الاحتمالات قائمة )
هنا أسأل بوضوح: كيف يحيد المؤمن/السائر عن النور الإلهي، فيصير مجرد طفل أحمق، يمسك عصا مدرسه ويقلده في غيابه، دون أن يكون قد ألم بالدرس!

هناك 11 تعليقًا:

غير معرف يقول...

الأخ الفاضل .أتمنى ان تكون أقرب الى حُسن النوايا من أسوْها وأقرب للايمان عن الهوى اتمنى انتكون يقينا وليس شكا .الاخ الفاضل كل ما ذكرته من فلسفة عميقة فى ناحية معينة ربما تضر اكثر ما تنفع وتحيد اكثر مما تصيب ولكن استطيع ان ارد عليك بأن الأيمان بالله قوة هائلة وطاقة متجددة وراحة من كل داء وهذا من فضل الله عز وجل على عباده .اما عن الناس وتصرفاتهم من المؤمنين وخلافهم فهم بشر يخطئون ويصيبون فاذا احسنوا فلهم وان اساءوا ف عليهم وليس على الدين الخطاء .الله أمر الناس باعمال العقل والفهم والتدبر .

كرابنتس يقول...

بالعكس اجدنى اكثر تواضع و تذلل الى الله و اجد نفسى خائفة من ان يكون عملى غير مقبول
مهما قضيت من فروض و سنن و قرأت قرأن أجدنى اكثر تواضع و خوف و عندما اغضب ان ينتهك حد من حدود اللهاد بداخلى (كل نفس بما كسبت رهينة) و لله الحكم من قبل و من بعد
هذا و انا لست متبحرة فى علوم الدين و طاعاتى فى حدود الفروض و القليل من النوافل

لم تكن صلاتى يوما سبب فى التعالى على من التمس فيهم قلة الايمان

و لم المس هذا التكبر و التعالى فى أحد

كرابنتس يقول...

بالعكس اجدنى اكثر تواضع و تذلل الى الله و اجد نفسى خائفة من ان يكون عملى غير مقبول
مهما قضيت من فروض و سنن و قرأت قرأن أجدنى اكثر تواضع و خوف و عندما اغضب ان ينتهك حد من حدود اللهاد بداخلى (كل نفس بما كسبت رهينة) و لله الحكم من قبل و من بعد
هذا و انا لست متبحرة فى علوم الدين و طاعاتى فى حدود الفروض و القليل من النوافل

لم تكن صلاتى يوما سبب فى التعالى على من التمس فيهم قلة الايمان

و لم المس هذا التكبر و التعالى فى أحد

غير معرف يقول...

انا ازداد ثقة بالله لانه لن يخذلنى وكيف يخذل المحبوب حبيبه !!!!!!!!

tamerfa يقول...

الأخ الفاضل
أعتقد ان معظم مقالك صحيح و يتفق مع ما وصفه و حذر منه كثير من العلماء بداء العجب و هو من الافات المعروفة التي تصيب العابدين.
و لكن ما توصلت اليه في الفقرة الأخيرة بعيد تماما عن الحقيقة حيث أمرنا الله بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بمعنى تقديم النصح للناس و لا يعني ذلك اننا نحكم على الناس فقد ورد ان من قال هلك الناس فهو اهلكهم و ان الذي يظن انه عابد لله و ان باقي الناس مخطئين قد يتسبب ذلك في عدم قبول عمله.
ارجو منك ان تمنح لنفسك بعض الوقت لقراءة كتب علماء الدين ففيها ما توصلوا اليه بعد ان افنوا اعمارهم في التفكير و الفلسفة الاسلامية و أنا انصحك بذلك و أنا أكبر المقصرين و لكن عسى ان تنفع الذكرى.

Unknown يقول...

عزيزى الكاتب اذا رايت من يفعل ذلك من الناس فأعلم انه يكون فى فترة المراهقة مع الالتزام او بداية الالتزام الايمانى يود ان يصبح الناس مثله فى عباده لما لها من منفعة واعلم ان الله اعطى المؤمنين اوامر لتنفذ كالامر بالمعروف والنهى عن المنكر واقامة الحدود فأذا لم يفلعوا اصبحوا غير مؤمنين ومع هذا لايعطيهم ذلك صفة الالوهية بل يعطيهم صفة توحيد الالوهية وهذا ليس تكبر او تعالى او اشراك فكلامك اله مصغر هذا اشراك وهذا سفسطائية انكار الاوامر الالهية بافعال المؤمنين .

غير معرف يقول...

واضح إني الشخصية الوحيدة اللي هتدخل هنا عشان تكتب الجملة التالية: أنا مفهمتش نص الكلام اللي أنت كاتبه.أسلوبك المرة دي مقعر شوية على مستوى فهمي المنحط !

غير معرف يقول...

أعتقد أني فقدتُ إيماني في نفس اللحظة التي أدركتُ فيها أن ما يحركني ليس هو (تقوى الله) التي كنتُ أعتقدها في نفسي ، و لكن هو "كبريائي البشري و ضميري الذي يرفض فعل ما أعتقده خطأ " ... و أدركتُ فيها أني كنت أعتبر نفسي كائنا أعلى لفترة طويلة و أنتقد - سرا و علنا - أولئك الكسالى أو عديمي الإيمان الذين لا يصلون و لا يتبعون ما يقول به الدين ، و أجد أن أولئك الذين سيدخلن الجنة - و أنا منهم طبعا - قلة قليلة جدا جدا ، فمعظم الناس أصلا لا يهمهم الدين و لا اتباعه حقا حتى و إن صلوا و صاموا بحكم العادة و بحكم المجتمع !

tarek awd يقول...

المؤمن من امن المسلمون يده ولسانه

Unknown يقول...

أحسنت!

أحمد يقول...

أنا الآن قاريء ينفر من أولائك الذين أظن أنك تتكلم عنهم والذي تظن أنت أيضا أنني سأفهم أنك تقصدهم لكن دون أن أصرح أنا أو تصرح أنت
ماذا استفدت أنا ؟
كتابة فلسفية جذابة تخاطب العقل وتتسائل بسؤال عميق طالما فكرت فيه
ومن خلال بعض ايحاءات الجمل والالفاظ ومن خلال الخاتمة سأقول في نفسي , هذا كلام صحيح تماما- الكلام هو المقال والذي هو تساؤل بغير جواب - ثم سأكمل بجواب من عندي , ألا و هو :فعلا , كل هؤلاء المتدينين يخاطبوننا كذلك , ولو كانت ثقتهم بسبب نور الهداية , لما كانوا هكذا - قبيحي المنظر , لحاهم طويلة , يتكلمون الفصحى , يستشهدون بأسماء غريبة , ابن تيمية , الجوزي , ابن حزم , ايحسبوننا كفار ام ماذا ؟- , بالتالي ثقتهم تلك لأنهم يترفعون عن الناس ويظنون في أنهم ارتفعوا عن منازل البشر , إذن كلامهم خطأ , ومذهبهم خطأ , الحمد لله الذي أبعدني عنهم
....
لو خطر هذا السيناريو على بالك وارتضيت به - حيث أنك لم تقدم جوابا انما أثرت تساؤلا يداعب العقل والهوى - ففكر من جديدوالانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره و الله يعلم السر و أخفى