غصة أولي
الخرطوم لا تريد الإفراج عني،أكتب يوميا عنها،وأحذف ما أكتب،علي أمل أن عودتي الي مصر تقترب يوما عن يوم،لكن يوم العودة الذي تحممت وتعطرت فيه وأبهجت النفس ومنيتها بلقيا أهلي وأصحابي..استحالت الي غصة،فقد فاتتني طائرة القاهرة،خدعتني الخطوط الكينية،وتداخلت المواعيد في رأسي،لأدخل بوابة مطار الخرطوم بينما الطائرة ربما في طريقها لاجتياز الحدود المصرية.
غصة ثانية
ظهر اليوم لدغتني حشرات لا أعلم ماهيتها،لكن عدة مناطق من جسمي متورمة بصورة لم أتعرض لها من قبل،وفي العصر انغرس في يدي سلك معدني رفيع،لم يعني الأمر لي كثيرا،فبعد ساعات سأكون في بلدي.."أعلل النفس بالآمال أرقبها..ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل".
غصة ثالثة
أعود إلي الفندق الذي قضيت فيه فترة عملي في الخرطوم،كما طفل يعود قسرا الي المدرسة في فصل الصيف بعد انتهاء الدراسة،تنكيلا به ليس أكثر.
أخبيء وجهي من موظف الاستقبال،تتنازعني عاطفتان،العودة لنفس غرفتي "طمأنينة التعود"،أو تغييرها "حتي لا اموت كمدا".
غصة رابعة
منذ ثلاثة أيام وأنا أرمق نفسي بزاوية منظور الطائر،نقطة صغيرة أنا علي الخريطة،أقف متناهي الصغر كنقطة معتمةعلي العاصمة الخرطوم،بينما حدود السودان ترتسم حولي علي هيئة سلك شائك.
أشعر بتضاؤل وتقزم،ونزيفي الداخلي ملء الكيان.
غصة خامسة
خانتني قدمي،انزلقت علي مطار رصيف الخرطوم،جسدي بأكلمه أسير رضوض وتوجعات استفزها الكمد من مكمنها،والبال مشغول.
غصة سادسة
الآن أتذكر كل الكوابيس التي رأيتها في الخرطوم،من باسبور ضائع،لشنطتي المفقودة،لفلكلوريات آلام شاب وحيد مسافر في بلد غريب.
الآن فقط لا أنظر إلي الشماليات ولا الجنوبيات،اللوائي لا أتذكر ملامحهن بحال من الأحوال،أكف عن اقامة علاقات حب وهمية ، كنت أتغلب بها علي الوقت وضيق الروح وفراغ الذات
غصة سابعة
أمامي مايقرب من 24 ساعة حتي أصل إلي بلدي لو صارت الامور كأفضل ما يمكن،علي أن أتغلب علي وجائع الجسد والنفس والروح حتي أصل وطني،وأبيت وسط إخوتي،وآكل "صنيع" أمي الذي عكفت عليه منذ صباح اليوم،لكن الاقدار شاءت أن تؤخر ابنها المزيد.
الصورة أعلاه،ل "بسلامتي" في محاولة مشروعة لاصطياد السعادة علي ضفاف النيل الأزرق،أثناء عبوري لجزيرة توتي