90s fm

الخميس، 4 سبتمبر 2008

عبد الباسط عبد الصمد..الشيخ براندو

عيناه الخضراوان ووسامة وجهه كانتا وثيقة الإدانة الكاملة ،فهذا الرجل لم يخلق ليكون شيخا معمما ولا زاهدا ناسكا، بل ارتأي كثيرون_ومن بينهم فايزة أحمد ومحمد عبد الوهاب_ أن الشيخ عبد الباسط عبد الصمد ولد ليعمل مطربا لا مقرئا..ومن هنا فقد أطلق عليه البعض لقب "الشيخ براندو"..في مضاهاة ظريفة لنجم هوليوود في ذلك الوقت ..الوسيم "مارلون براندو".

لكن عبد الباسط كان له رأي آخر،كان إحساسه بكتاب الله الذي يحمله بين جنباته إحساسا مختلفا ،دفع بالشيخ الوسيم إلي أفق غير محدود،تلاقت فيه أقصي درجات الفن مع أنقي درجات الإيمان..لايكاد سامعه يستفيق أبدا من روعة التلاوة ولا من يقين الخشوع الذي يتخلل موسيقي منطقه،قراءته مبتداها حنجرته ومنتهاها السماء السابعة..التقي_مع عبد الباسط_ المعادل الفني مع المعادل الإيماني في لقاء قلما يتكرر علي هذا القدر من العظمة والجمال.

في جنوب مصر،أرمنت،محافظة قنا،عام 1927،ولد الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وحفظ القرآن لعشر سنين، ورعاه أبوه مذ كان طفلا متمثلا فيه شيئا ما لم يكن يستطيع تسميته،يحكي الشيخ فيما نسب إليه من مذكرات " يقول الشيخ عبد الباسط في مذكراته :" كان سني عشر سنوات أتممت خلالها حفظ القرآن الكريم الذي كان يتدفق على لساني كالنهر الجاري ، وكان والدي موظفاً بوزارة المواصلات ، وكان جدي من العلماء فطلبت منهما أن تعلم القراءات فأشارا علي أن أذهب إلى مدينة طنطا لأتلقى علوم القرآن والقراءات على يد الشيخ محمد سليم ، ولكن المسافة بين أرمنت وبين طنطا بعيدة ، ولكن الأمر كان متعلقاً بصياغة مستقبلي ورسم معالمه مما جعلني أستعد للسفر ، وقبل التوجه إلى طنطا بيوم واحد علمنا بوصول الشيخ محمد سليم إلى أرمنت ليستقر بها مدرساً للقراءات بالمعهد الديني بأرمنت ، واستقبله أهل أرمنت أحسن استقبال واحتفلوا به وأقاموا له جمعية للمحافظة على القرآن الكريم بـ ( أصفون المطاعنة ) فكان يحفِّظ القرآن ويعلم علومه والقراءات ، فذهبت إليه وراجعت عليه القرآن كله ثم حفظت الشاطبية."

و في إحدي ليالي عام 1945 صعد الفتي أخضر العينين جميل القسمات إلي منصة التلاوة في قرية مجاروة لقريته "المراعزة" وأخذ يلهج بكلمات الله ويتغني بالذكر الحكيم في ليلة لن تنساها تلك القرية إلي الأبد..في تلك الليلة الصافية أطلق الفتي اليافع عبد الباسط لحنجرته الإذن لتعلن عن نفسها علي الملأ للمرة الاولي مؤسسا أول حجر في دولة تلاوته .

وكان طبيعيا أن يجد الفتي الملائكي الصوت طريقه للإذاعة المصرية،إلي أن حصل علي وسامها عام 1950،لتتفتح له كل الآفاق بعد ذلك،وليتعرف المسلمون وغير المسلمين أن هناك نفحة سماوية تجلت في حنجرة ذلك الشيخ..وكما هو معروف "ألا إن لله في أيام دهركم نفحات..ألا فتعرضوا لنفحات الله"..وبالفعل لم يكذب الناس خبرا،ذهبت القلوب والنفوس الي نفحات الله..ذهبت بإخلاص ومحبة وتلقائية إلي الشيخ المرهف واستمعت الي كلام ربها.

وفي بداية الخمسينات وبينما الشيخ بصحبة أبيه،في صحن الحرم المكي أثناء أداءهما فريضة الحج التف حوله المعجبون،وجاءه مدير إذاعة جدة إبراهيم الشوري وطلب منه أن يرتل القرآن بصوته في الحرم..وقد كان..وبلغ صوت الشيخ عنان السماء،ليس دونها ودونها حجاب.

ثم طلب منه الشوري أن يسجل القرآن بصوته لإذاعة جدة،فقبل الشيخ ثم قرأ القرآن أمام الملك سعود،وذهب الي الحرم المدني،ورتل الايات ترتيلا بجوار رسول الله في مقامه الشريف،ومنذ ذلك القوت انفتحت الآفاق في حياة الشيخ إلي مالا نهاية،وطاف بلدان العالم الاسلامي يقرأ القرآن ويحصد الاعجاب..ترق له القلوب ويسعي اليه الملوك والرؤساء والوجهاء..ويهلل ويكبر علي نغم تلاوته البسطاء.

أصبح الشيخ الملائكي الصوت ملء السمع والبصر،حتي قيل أن فايزة أحمد ومحمد عبد الوهاب حاولا إقناعه باحتراف الغناء،ولما آثر الشيخ أن يعيش للقرآن ويموت له،مازحه عدد من مشاهير المطربين :"أهو أحسن لينا لاننا كنا هنقعد في بيوتنا لو انت غنيت".

بدا أن للشيخ المرهف طريقته المميزة في القراءة،إذا بسمل أخذك إلي عالم غير محسوس تشعر أنك زرته من قبل لكنك لا تتذكر ما هو ولا اين هو،فقط كل المعلومات المتوفرة عنه أنك لايمكنك زيارته الا اذا استمعت الي الشيخ عبد الباسط.

وما أدراك ما بعد البسملة،فالشيخ يتحرك من آية لآية كأنما يرتقي سلم الصعود إلي السماء،وتباعا فأنت بجواره ..يصعد الشيخ فتسمو روحك وتتحس معه الملأ الأعلي بمكوناته..كيف هو؟

للشيخ تلاوات شهيرة لسورة يوسف علي وجه الخصوص،واحدة منها لا تترك لسامعها الفرصة كي يمارس فعل "الاعجاب" أو يندهش علي أقل تقدير.. ليس بوسع سامعها أن يجلس مكانه أو أن ينعقد لسانه..ستقوم من مكانك منفعلا لو أنك من النوع العاطفي،وسينطلق لسانك لو أنك من الطراز الروحاني من الناس :"اللاااااااااااااااااااااااااااااه".

في هذه القراءة جاء الشيخ علي مشهد مراودة امرأة العزيز ليوسف عليه السلام وهي تقول :"هيت لك"..فقرأها عبد الباسط خمسة مرات بأربع قراءات مختلفة"هيتٌ لك" و"هيتُ لك" و"هئت لك" وهًيت لك" كان مؤاداها النهائي أنك تكاد تري امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه وتخلع عنه قميصه ممزقا قد من دبر!..وصمت الشيخ هنيهة ثم قال بلسان يوسف بحزم وجدية :"معاذ الله".

كرمت عدة دول الشيخ الجليل منها سوريا بمنحه وسام الاستحقاق، ووسام الأرز من لبنان والوسام الذهبي من ماليزيا ووسام من السنغال وآخر من المغرب،وانتهت حياته الحافلة مثلما تشير بعض المصادر :" عندما تمكن مرض السكر منه تمكناً شديداً ثم أصيب بالتهاب كبدي مما دفع الأطباء إلى نصحه بالسفر إلى لندن للعلاج وكان بصحبته ابنه طارق ، وبعد أن مكث هناك في لندن أسبوعاً طلب من ابنه طارق أن يعود به إلى مصر ، وفي تاريخ 30 / 11 / 1988 م فارق الشيخ عبد الباسط هذه الحياة إلى حياة أبدية أزلية" .

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

فى خلال الثلاثين عاما الماضية تعرضت مصر الى حملة منظمة لنشر ثقافة الهزيمة بين المصريين, فظهرت أمراض اجتماعية خطيرة عانى ومازال يعانى منها خمسة وتسعون بالمئة من هذا الشعب الكادح . فلقد تحولت مصر تدريجيا الى مجتمع الخمسة بالمئه وعدنا بخطى ثابته الى عصر ماقبل الثورة .. بل أسوء بكثير من مرحلة الاقطاع.
هذه دراسة لمشاكل مصرالرئيسية قد أعددتها وتتناول كل مشاكلنا العامة والمستقاة من الواقع وطبقا للمعلومات المتاحة فى الداخل والخارج وسأنشرها تباعا وهى كالتالى:
1- الانفجار السكانى .. وكيف أنها خدعة فيقولون أننا نتكاثر ولايوجد حل وأنها مشكلة مستعصية عن الحل.
2- مشكلة الدخل القومى .. وكيف يسرقونه ويدعون أن هناك عجزا ولاأمل من خروجنا من مشكلة الديون .
3- مشكلة تعمير مصر والتى يعيش سكانها على 4% من مساحتها.
4 - العدالة الاجتماعية .. وأطفال الشوارع والذين يملكون كل شىء .
5 - ضرورة الاتحاد مع السودان لتوفير الغذاء وحماية الأمن القومى المصرى.
6 - رئيس مصر القادم .. شروطه ومواصفاته حتى ترجع مصر الى عهدها السابق كدولة لها وزن اقليمى عربيا وافريقيا.
ارجو من كل من يقراء هذا ان يزور ( مقالات ثقافة الهزيمة) فى هذا الرابط:

http://www.ouregypt.us/culture/main.html

الحلم العربي يقول...

رحم الله الشيخ
كانت قرائئته فعلا لها طعم مختلف و إحساس ملائكي رائع
حتى ذوق الناس الآن في سماع القرآن اختلف كثيرا
جزاك الله خيرا
و رمضان كريم