كنت أنا هذا الطفل الذي يسارع بإغلاق باب الثلاجة حتى لا يتسرب الفريون متسببا في هذا الأذى البالغ للبشرية، وكنت أنا_أيضا_ذاك الطفل الذي ينهر والده حين يتعطر قبل النزول من البيت، لأن جزيئات العطر ستتصاعد حتى طبقات الجو، وتجيء علينا_نحن سكان هذا الكوكب بالضرر_ ولم يكن أبي ليمانعني بالطبع..فهو يحترم رغباتي وآرائي..أكثر منه يحرص على البشرية وطبقة الأوزون.
تعجبت قبل انعقاد القمة من الأقفاص الحديدية التي أعدتها شرطة كوبنهاجن لاعتقال المحتجين المحتملين حيال أعمال القمة وأتساءل بيني وبين نفسي: ولماذا سيعترض أحدهم على قمة المناخ؟
لكن 37 قفصا حديديا تشبه أقفاص مزارع الفراخ كانت بانتظار أولئك الذين فطنوا إلى اللعبة..
دول أنانية تتخذ من اقتصادياتها المتوحشة مرجعا أخلاقيا لسحق قردة أفريقيا وكائنات آسيا المعجنة الوجوه، فما ذنب المواطن الطيب دافع الضرائب "جاك" ( فلوريدا) من أن يطاله الاستهتار البيئي الذي نسببه نحن سكان دول الغبار البشري؟
دعك من أننا لا نستخدم تلك العربات الدبابية النزعة ذات الاستهلاك الوقودي فوق المعقول، ولا ندير تلك المصانع التي تنفث الجحيم _على مدار الدقيقة_في وجه السماء، لكن علينا أن ندفع الكلفة كاملة حتى لا ترتفع درجة حرارة الكوكب.
السودان والبرازيل عارضت مقررات القمة، وهيلاري كلينتون قالت بيانا استعماريا ابن لبوة يليق بعصور ما قبل الاستقلال، فيما صمت مندوب مصر ولم أعرف موقفنا الحقيقي مما يجري.
لست ناشطا بيئيا ولا تعنيني البيئة بحال من الأحوال، ولو عاد بي الزمن مرة أخرى، لن ألوم أبي حين التعطر قبل النزول.
فقط كل ما يغيظني، أن بعض سكان هذا الكوكب يتعاملون مع البعض الآخر على أنهم مخلوقات درجة تانية..وبالطبع لست من الذين تنطبق عليهم مواصفات الصنف الأول..لأسباب جغرافية.
كم تمنيت لو كنت سائحا "جدليا" من أولئك الذين يقطعون المسافات الطويلة للتظاهر والاحتجاج في عواصم دول أخرى..
يوما ما أدعم الثورة المستدامة في نيكاراجوا، ويوما آخر احتج في كوبنهاجن، فيما ادخر ما تبقى من دخلي الشخصي(الذي لا اعرف مصدره في هذه الحالة) كي أحرق نفسي في قلب نيودلهي حتى يلتفت العالم لمأساة عمال مزارع الشاي..
هي المرة ال22 التي نجلس فيها سويا، دعك من أنها لا تدري بوجودي أصلا، لكن "سويا" في مفهومي الشخصي تعني أننا نتخذ سقفا واحدا، وأني أبث ذبذباتي في محيطها الحيوي.
هي ستجيء يوما ما وتجد لنفسها ذاكرة كاملة معي، كل ذبذباتي التي تتخللها تحكي لها عن عشرات اللقاءات المنفردة،ومئات المحاورات الثنائية، وترسخ في روحها علاقة مكتملة الأركان.
تتخذ هي مقعدا جلديا في أقصى الركن الأيمن، بالكاد أرى جانب وجهها وشعرها المنسدل والحسنة التي تسكن بجوار أذنها اليسرى.
أدبدب دبدبات خفيفة بقدمي على الأرض، أرسل في كل دبدبة عشرات الرسائل ومئات الشفرات وآلاف الحروف.
الآن فقط أقول لكم أني اخترقت الثغرة الأولى في روحها..
ولروحها تسع وعشرين ثغرة..
حتى يتم الاختراق كاملا أحتاج أن أحبها عشر سنوات أخرى، وأن ألاحقها اثني عشرة سنة أخرى..
حين يطمح بعض الصحفيين أن ينجح مكرم محمد أحمد في انتخابات نقابة الصحفيين، حتى لا تستحيل النقابة كيانا مؤدلجا ومستباحا ل"الإخوان" و"التيارات الأخرى"_على التعبير السائد_ فإنني أشعر بخيبة أمل عريضة.
هؤلاء الزملاء يعتبرون أن نقابة مكرم_ومن هم على خطاه وشاكلته من النقباء السابقين_ هي التصور الأمثل للكيان النقابي، حيث المشادات الخفيفة مع الحكومة تجري علي قدم وساق، والمكاسب الطفيفة تتحق بين الحين والآخر، وحيث مبنى النقابة رخامي نظيف يصلح لاستقبال الضيوف والتمتع بساعتين هادئتين وقت الظهيرة بصحبة الزملاء والأصدقاء، مع تناول طعام الغداء المدعم في مطعم الدور الثامن!
الزملاء الأجلاء يأنفون من أن تقوم نقابة الصحفيين بأي دور سياسي في الفترة الحالية، ويعتبرون أن شبهة "العمل السياسي" لو طالت النقابة ستجعلها نقابة "سيئة السمعة" وستقلص من إمكانية تحقيق إنجازات "مهنية" للصحفيين.
هل لايشاركني هؤلاء الزملاء الاعتقاد أن مصر في اللحظة الحرجة ،وفقا للتعبير الفزيائي الدال؟ هل يؤمنون بأن نأى الصحفيين بأنفسهم بعيدا عن المشهد السياسي ولوازمه وتوابعه هو انتصار للمهنية الخالصة المخلصة؟
الصحفيون في طليعة المجتمع ومشاركون في صنع قرارته السياسية وخياراته الاجتماعية، هم طرف متورط منذ البداية في هذه العملية، يفتخرون بذلك في شارع ويتبرأون من حيثيات هذا الدور في نقابتهم.
لا يعقل أن يعتبر البعض_تحت غطاء التشدق بالمهنية والتزام الصحفي الحياد_أن تسيسس النقابة هو عمل مجاف لأسس المهنة التي أرساها الآباء العظام!
أفهم أن يكون الصحفي متجردا وشريفا ولايغلب مصالحه الشخصية ومصالح الجماعة التي ينتمي إليها على حساب الحقيقة، أما أن يكون بليدا جامدا غير منحاز لاتجاه أو فكرة أو تيار أو معجب_وهو أضعف الايمان_ بشخص أو فلسفة، فهذه مصيبة وليست مهنية.
أقدر دوافع هؤلاء الزملاء، وأعرف جيدا اعتزازهم بقواعد من قبيل (ينبغي أن يبدأ الخبر بفعل، ولايجوز أن تتشابه كلمات الباي لاين مع الهيدلاين، وعلينا ألا نستخدم كلمة "قد" بحال من الأحوال) لكنني من جيل من الصحفيين الشباب الذين خرجوا لهذه المهنة وقد تغيرت قواعد اللغة وتبدلت قوانين اللعبة وأعيد تشكيل خصائص المهنة.
كنت عضوا في قسم التحقيقات بجريدة البديل، وكانت غرفة القسم تضم حوالي 12 لابتوب، كلها متصلة بالانترنت، كلها تطل على عالم وسيع لم يعد الرجوع للأرشيف فيه هو السبيل الوحيد للحصول على معلومة سبق نشرها ، كل أعضاء القسم كانوا دون الثلاثين عاما، وبحسبة سريعة نجد أن متوسط أعمارهم هو 25 عاما تقريبا، وإذا ما تعاملنا معهم كعينة ديمغرافية ممثلة لجيل جديد_متسع رقيما لأبعد حد_ يمثل القاعدة الناشئة للمجتمع الصحفي، سندرك أن كل شيء لم يعد كما كان معكم..كل شيء بمعنى كل شيء.
فليعذرني الزملاء_بعضهم بالطبع_حين أقول أني "أحس" أنهم لم يستفيدوا جيدا من انهيار جدار برلين ولا من سقوط الشيوعية ولا من انهيار وول ستريت ، فالحس الكلاسيكي المحافظ المسيطر على هذا الفصيل يبدو كما لو كان يعزلهم عن متغيرات العالم المتسارعة والمتزامنة، والتي حازت مصر نسبتها المستوفاة منها ولو وفقا لقوانين القصور الذاتي .
الملونون والنساء والقادمون من أعراق وملل تمثل أقليات دينية ومجتمعية، يحكمون العالم اليوم، في أمريكا وأوروبا(الشرقية والغربية) وآسيا وأمريكا اللاتينية بل أفريقيا أيضا، الشعر الأسود يجتاح ويغزو، فلسفة الشعر الأسود لو شئنا الدقة،الأفكار البناءة والمباغتة تطرح نفسها بقوة يازملائي.
فهل يعقل أن تظل خيارتنا طامحة إلى الجمود ومنحازة ل"حكمة؟" الكبار ومتوجسة من أي مشروع جديد، لانقول "صدامي" ..فقط نقول "جديد".
ضياء رشوان ليس فارس الزمان ولا بدر التمام، كما أن مكرم ليس الشيطان الرجيم ولا المسيخ الدجال، لكن الأمر _برأيي_أكثر رمزية مما يبدو عليه، ضياء_في قانوني الشخصي_ صحفي وباحث دون الخمسين، ينتمي الى هذا السن السحري الذي ينبغي أن يقود وأن يجرب وأن يستوفي حظه، بل فلأتجاسر ولأقل أن ضياء كبير في السن، وان جيلا أصغر ينبغي أن يصعد هذه السلمة.
لو فاز مكرم لن تحقق النقابة مزيدا من المغانم والمكاسب، ولو خسر مكرم لن تقوم القيامة، ولو فاز ضياء سنفوز نحن، سنحقق لهذا المجتمع تجربة فريدة، ونخطفها بعيدا من نظام يحكمنا من موقعه الكائن في إحدى دور المسنين وليس من مكتب رئاسي، ستكون تجربة ضد الفكر الآسن والطموح القعيد والرغبة المتململة.
ضياء بالنسبة لي أمل..حتى لو خسرت النقابة في عهده كل ماتطمح إلى تحقيقه من مكاسب(كم؟ سبعون جنيها إضافية للبدل؟)، لكن نجاحه خرق للسقف المفروض، وضرب للحصار النفسي المقام من هذا النظام الشائب.
حسني مبارك نفسه يا زملاء، شعره أشد سوادا من شعري وأنا لم أتم الخامسة والعشرين بعد!
مكرم محترم جدا(ورغم ذلك أرفضه شخصا وأحبه نصا) لكن نجاحه في هذه الانتخابات لايتعدى كونه كبسولة منوم لدب كسول !
____________
هامش:سمعت في المسجد وأنا صغير أن الإسلام قام في بداية دعوته بالشباب، فعلي نام مكان النبي في الهجرة وهو دون الخامسة عشر وأسامة قاد جيش المسلمين وهو دون العشرين، هكذا بدء الإسلام وختمه.
ملحوظة للزملاء المحافظين: هذه الخطبة التي سمعتها كانت لاحد مشايخ الجمعية الشرعية المنتظمين في سلك الدولة وعلى خطها، ولم تكن بحال من الاحوال لشيخ "إخواني" او شيخ "مؤدلج" ..أه والله العظيم.
صوتت في انتخابات نقابة الصحفيين يوم الأحد في أول سابقة انتخابية لي في الألفية الجديدة..
آخر تجربة انتخابية خضتها..كانت تجربة التصويت في انتخابات أمين الفصل والأمين المساعد..حين كنت في الصف الثاني الإعدادي..في تلك العصور السحيقة لو أنكم تتذكرونها.
وقف مكرم محمد أحمد على باب الصوان المنصوب على مدخل النقابة مبتسما ابتسامته المتوترة.. يتلقى أنصاره ويحث الداخلين على التصويت له.
وبينما يقف مكرم مع أنصاره وأتباعه(كلهم يرتدون بذلاتهم الكلاسيكية) جاء رجل أشيب واحتضن مكرم و هتف هتافا غريبا :" اليوم يومكم أيها المكرميون"..أثق أنني سمعت كلمة "المكرميون" هذه..
وفجأة أحسست أن الخطوة القادمة هي سماع آراء المتحلقين حول الاستاذ مكرم فيما يخص معاهدة بيفن/صدقي.
صوتت لضياء رشوان بالطبع، لاحبا في ضياء بل نكاية في مكرم.. انتصارا لسواد شعري وبنطالي الجينز في مقابل بياض شعر مكرم وأنصاره وفي مقابل بذلاتهم الكلاسيكية المكوية بعناية..
من يصوت لمكرم؟
كبار السن
الكلاسيكيون
الملكيون أكثر من الملك
الذين ينشدون نقابة هادئة بلا اعتصامات وتوترات واحتجاجات على كل شيء (وهؤلاء يمكن تفهم دوافعهم)
الذين يلمسون في برنامج مكرم الكثير من العناصر المحددة والواضحة مقارنة ببرنامج ضياء، فضلا عن صورة مكرم التي تتصدر برنامجه الانتخابي والتي تشير(وفقا للغة الجسد) أن ثمة هناك خطوة تالية قادمة مقارنة بصورة ضياء الجالس في وضع سلبي مستكين تماما.
من يصوت لضياء؟
أنا ومن على شاكلتي.
أخيرا وكما قال تي إس إليوت في قصيدته الأرض الخراب:
أنظر إلى المرآة يوميا..أغمض عيني.. أتابع التطورات..ثم أقول : جميل جدا..رائع..فوق ما يصل إليه خيال بشري كائن ما كان..لا أخفيكم : النتيجة أكثر من مذهلة..مذهلة
نتاج طبيعي لحلم سخيف..سخيييييييييييييييييييييييييييييف (تخيلني وأنا أنطق حرف الفاء في كلمة سخيف)..
أنا لا أقول لياسمين تعالي في الحلم مرة كل أسبوع كي تأتي..لا أتوسل لروحها (الطاهرة؟ هآآآآو) كي تحل كما سرب حمامات وديعات فوق رأسي ليلا..
لاينبغي لياسمين هانم أن تجيء..لايحق لها أن تخترق اللاوعي..فتتشكل كما تشاء في كابوس من الدرجة الثالثة..ولم يسمح لها أحد أن تخترق دهليزا من روحي..كي أرى أحوالها بدقة..وأعرف ما تحدث نفسها به..لم تطلبك روحي..ولم يستدعك اللاشعور .."إيه الغتاتة دي؟..إيه البواخة دي؟..يا سلام يا سلام يا سلام".
أما باسمة المحيا، غزالية العيون، الآنسة البكر الرشيد سارة عبده أحمد الجمال فحكايتها حكاية..قرصانة أرواح بنت الحرام..لا تتركني لنفسي في ليلة صفاء إلا وعكرتها بحضورها المستفز..
"أراني أطير عاليا ولفح الهواء البارد ينعشني.. أحط على جبل الزيتون..وأشم نعناعا يملأ الكون..فأدعو دعاء لم يدعه قبلي ولا بعدي إنسي مهما علا قدره..إلى أن تجيء سارة على هيئة توأمتين..تقول إحداهما :
قس على ذلك :سارة تجيء عادة في ليالي الأحد..وياسمين تحتكر الجمعة لحسابها..أما فتكات فتناوب بين الاثنين والثلاثاء..وشيرين نجمة ليالي الخميس كما تعلمون.
الحل الأول: الذهاب لطبيب نفسي بغرض الاستشارة حول أحدث الطرق الممكنة لقفل اللاشعور بالضبة والمفتاح..واكتشاف الدخلاء وطردهم على الفور..دون أن يأخذ الشعور خبرا..
"12 حباية زانيكس..و3 ترامادول..و9 أنفرانيل وتبقى زي الفل يا أبو حميد"..
الحل الثاني: الاستعانة بشيخ سوداني أو مغربي ..."عايز روحي دي تبقي زي الصندوق المقفول..لا يحط عليها الطائر ولايرقى إليها الحافر..وارمي يا مولانا الشيخ مفتاح الصندوق في البحر"..
"تصوم 12 يوم ورا بعض..ومتاكلش أي لحوم..تشرب لبن ع الريق..وتغسل دماغك في الليلة ال13 بدم ديك رومي أخوه فيومي".
شرح غير تفصيلي: لا أحب أن يظهر أحد في أحلامي، كل همسة وطرفة عين من أحدكم في الحلم تؤثر فيً أكثر مما لو فعلها في الحقيقة..لذا فأنتم/أنتن ضيوف غير مرغوب فيكم.
...وتسمى متلازمة أسبرجر أيضا بـ Asperger's Syndrome, أو اضطراب أسبرجر Asperger/Asperger's Disoder, وأحيانا يطلق على المرض لفظة Asperger's فقط.وقد سمي هذا المرض على اسم طبيب الأطفالا النمساوي "هانز أسبرجر", الذي قام عام 1944 بعمل توصيف الأطفال الذين يفتقرون لمهارات التواصل غير اللفظي, والذين يظهرون تعاطفا محدودا مع أقرانهم, ويتحركون -جسديا- بشكل أخرق/مرتبك Clumsy.وبعد مرور خمسين سنة, تم تسجيل وتشخيص المرض بشكل معياري, لكن هناك أسئلة حول جوانب كثيرة من المرض لا تزال قائمة حتى الآن.وعلى سبيل المثال, فهناك شك عالق حول ما إذا كان المرض يختلف عن التوحد ذو الأداء العالي HFA, وبسبب ذلك -جزئيا- فإن انتشار الأسبرجر ليس راسخا تماما.والسبب الدقيق للمرض ليس معروفا, وعلى الرغم من أن الدراسات والأبحاث تدعم احتمال وجود أسس جينية للمرض, فإن تقنيات التصوير الدماغي لم تتعرف بعد على أمراض واضحة مشتركة مع أسبرجر.
في اللحظات الحالكة ألجأ لكتاب "المثالي" لفيزياء الصف الثالث الثانوي، فقد احتفظ هذا الكتاب بقيمة رمزية في نفسي تفوق ماعداه من كتب. بعد تجاوزي المرحلة الثانوية احتفظت بهذا الكتاب دون غيره، وخبأته في منطقة ما من أدغال شقتنا لا تصل لها يدا الجن الأزرق، خوفا من أن تبيعه أمي لأول بائع روبابيكيا يمر أمام بيتنا ظنا منها أنه كتاب لم يعد لنا به حاجة . " كنت أمسك هذا السفر العظيم بيدين وجلتين، أتشمم رائحة حبر الطباعة على أوراقه بينما تعروني نفضة لو رآها الرائي لظن أن بي مسا" "تستثير الرائحة بداخلي حماسي القديم للمذاكرة..للإنجاز..للشعور بالواجب..للإحساس بأن هناك ثمة مسؤوليات ينبغي إتمامها على أكمل وجه" "أترك كتب كلية الآداب التي تخرجت منها، وأقلب بين صفحات المثالي، ففي كل باب وفصل ذكرى ومنزل" "الرموز اللاتينية..تراص الأرقام بجوار بعضها البعض بصورة مثيرة للدهشة..التشابه الرقمين 6 و9..حاصل الضرب والقسمة على ال’لة الحاسبة حين ينبيء عن رقم صحيح يرجح بصورة كبيرة أن الإجابة صحيحة..اليقين الداخلي أن لكل مسألة حل..لو لم أعرفه في أول مرة ففي الثانية أو الثالثة أو العاشرة.. سأعرفه حتما..حتى لو نظرت في فصل الإجابات..لكني أضمن أني سأعرفه..سأعرفه" "التحدي..تحدي ذاكرتي وتحدي قدرتي على الفهم..فهم شيء لم أعد بحاجة لفهمه مرة أخرى..فلا اتقان قوانين الفيزياء الكهربية سيزيد مرتبي، ولا براعتي في حل مسائل الكثافة واللزوجة ستجعل الحياة أكثر سعادة..لكنه تحد من نوع خاص يذكرني بالأيام التي كنت فيها أكثر إخلاصا لمشروعي..مشروع ليس له ملامح محددة لكنه مدفوع بإخلاص شهدت به علىّ عدول الدمع والسقم" "كان الهروب_خلسة_ لهذا الكتاب شفائي من كل وجيعة، ففي كل مسألة تحل أمل، وفي كل استذكار استدعاء لليقين القديم_ ياالله على اليقين القديم_ يدغدغ الحواس وينعش الروح" "اليوم أحتاج (المثالي) بشدة..أتخوف من البحث عنه داخل الأدغال فتصدمني حقيقة أن يدا الجن الأزرق طالته..أو أن أمي باعته لبائع الروبابيكيا" "صدقني يا زكريا أن أحتاج للمثالي جدا..وأنت يا يحيى..صدقاني أحتاجه بشدة..يحتاجه طفلي كي يغفو مرتاحا" "ألست تتمنى أن أجده أنت أيضا؟"
كانت تترك لي ملاحظاتها على قصاصة صفراء..تثبتها أعلى يمين شاشة الكمبيوتر
كانت وردية عملها "الشيفت" تنتهي قبل أن تبدأ وردية عملي بنصف ساعة
حمل الملصق الأول منها رسالة مختصرة " يبدو أنك تكثر من استخدام الأقلام الرصاص ، مثلي تماما! أرجو أن تحضر نصيبك أنت الآخر..ملحوظة: ضعه في "المج" الأبيض بجوار باقي الأقلام".
استمرت علاقتنا عبر هذه الملصقات مدة ثلاثة أشهر..ولم أك قد رأيتها بعد..ولم ترني هي
لكن يوما فيوم كانت علاقتنا تتوثق أكثر فأكثر:
"من فضلك أرجو تدوين الباسورد الجديد في فايل وورد على الديسك توب..على أن نبدأ العمل به من غد..شيفت لطيف يا أحمد!".
(أنصحك بمشاهدة فيلم أحمد حلمي الأخير..لقد شاهدته أمس..أكثر من رائع يا سارة)
"لقد قرأت موضوعك الأخير..موفق إلى مدى بعيد أحمد)
(أنا في أجازة لمدة أسبوع..سأفتقد رسائلك اليومية!)
"حمدا لله على السلامة"
"هل يمكن أن تكون أنت موجود أصلا؟"
(أنا مش سراب)
"أستوثق فحسب!"
(إنت حقيقية؟)
"أنا مش سراب..مردودة!"
ثم التقينا...
هي بالضبط هي..وأنا بالضبظ هو..."التعبير الأخير كان لها".
الوصفة الأولى: كيف تنغصين عليه حياته..مقاربة الكابوس
أحضري شعرة من شعره..وقلامة إظفره..وشيئا مس جسده..ثم نضع هذه الأغراض في جرة مياه ساخنة..ونسكب الخليط ليلا في أي بالوعة.
الشعرة؟ شيء سهل جدا..فشعره يتساقط وفقا للمعدلات البشرية الطبيعية..فقط التقطيها من فوق كتفيه (دون أن يدري ياعزيزتي) بينما ينحني ليتناول خاتمه الفضي الذي يسقط من يده كثيرا.
قلامة إظفره؟ ألم تلحظي أنه دائم التوتر؟ يقضم أظافره أمام الآخرين دون أن ينتبه! خذي القلامة التي سيلقيها بالقرب منك (تفضل قلامة الإبهام).
شيء مس جسده؟ فليكن منديلك الورقي الذي أعطيتيه إياه كي يمسح شاشة الحاسب الآلي.
الفائدة: ستتشكلين له في الكوابيس أنى شئت، معك كل إمكانات السخافة الكامنة في الكون، يمكن أن تقولي له كل الكلمات التي تستفزه :(أوف-زفت-طيب وإنت سكتت؟-أنا زهقت-سيبني أفكر-هدنة).
يمكن أن تريه أظافرك الطويلة ذات الطلاء الأحمر (كم يكره الطلاء الأحمر!)..كذلك فليتهتك صوتك في الكلام (تسمونه أنتن سهوكة)..بل فلتأخذك العزة بالإثم وقولي : ماكان ينبغي أن يحدث ما حدث!
الوصفة الثانية: اغتيال الترابط الشرطي
حسنا..ستلتقينه 46 مرة، هي عمر العلاقة و"الفعل"..ضعي في كل مرة عطرا غير سابقتها..وليكتو "الغندور" من بعدها حتى يتعلم الأدب.
كل مرة سيشتم فيها عطرا حريميا: سيتذكرك/يشتاقك/يرفضك.
إنه ليس بأفضل من كلب بافلوف وقصص ارتباطاته الشرطية..الرجال مجرد ثدييات ترتدي رابطات العنق في الأفراح ياعزيزتي.
ههههههههههههههههههههههه
احرزي كم مرة يمكنه أن يفلت من 46 عطرا حريميا؟ قوانين الصدفة تكفل له تعرض يومي واحد على الأقل.
الهموم المنهجية تقتل الرجال..اغتيال على المدى البعيد..مش بعيد أوي يعني
أراجع مشكلة اليوم فإذا هي كأي مشكلة..تافهة جدا ومملة..وبعد ستة أشهر من الآن سأتذكرها وأضحك (كم كان وقت فراغي كبيرا منذ ستة أشهر حتى أفكر في مثل هذه الأمور)..
لكن مؤشر العمر(محله القلب وما حواليه) يصرخ بصورة لايمكن تجاهلها: "هموم اليوم خصمت من عمرك أسبوعين وست ساعات"..أشيح بوجهي عن المؤشر وأحاول إقناعي "هذا أفضل من يوم الخميس الماضي..لقد ضاع مني شهران كاملان لأجل حبة زعل".
تسقط يدي مني فأتناولها وأعيد تركيبها ودمجها بجسدي مرة أخرى..وأخلع قلبي من مكانه وأضع القلب الاحتياطي بدلا منه..لكن الاجراءات الاحتيالية لا تجدي..المؤشر يجزم: العمر في تناقص أيها الغبي!
لا أفهم ما يجري، فلماذا يكتب عليّ مثل هذا الشقاء وقد وجدت لتوي مليون جنيه بجوار الحائط منذ شهر؟
هل لأتعظ وأعيد ترتيب أولويات الإنفاق؟
الخطة ثابتة كما هي: مائة ألف جنيه عسلية، مائة ألف شيكولاتة، مائة ألف حلويات شرقية، مائة ألف للشرابات البيضاء والجلاليب السوداء والعطور، ومائة ألف مصروف مازن للشهر القادم، ونصف مليون سأتبرع به لحديقة الحيوان ( ياسيادة مدير الحديقة أنا عايز الأولاد الصغيرة يزقططوا في الجنينة..جيبوا قرود جديدة وأفيال صغيرة ونعام وطواويس وغزلان..مش عايز طفل يدخل الجنينة ويخرج زعلان أبدا).
أحيانا أشعر أن هذه الإنذارات تحمل علامة ما، فعمري سيتناقص بصورة مدروسة حتى الموت مالم أغير البند الثالث من الميزانية "الشيكولاتة"..لكني لا أخضع للضغوط منذ نعومة أظافري.ومش هاجي النهردة وأنا كبير (السن والمقام والله) وأتراجع عن قراري.
وفيها إيه لما أموت بدري شوية؟ يعني هموت ناقص عمر مثلا ولا هموت ناقص عمر؟
ناولني الكادبوري من فوق الكومودينو يا عنتبلي..واعملي كوباية نسكويك عشان أنام.
كان التشبيه دقيقا جدا : تخيل أن أحدهم دخل بيتك، وأخذ يأكل ويأكل...ويتجول بين الحجرات بينما لايتوقف عن الأكل..ثم ترك لك في كل ركن بعضا من فتافيته وفرافيته..وكانت تلك الفرافيت هي رسالته الواضحة إليك..أنا دخلت حياتك وكدرتها ثم خرجت..