حين يطمح بعض الصحفيين أن ينجح مكرم محمد أحمد في انتخابات نقابة الصحفيين، حتى لا تستحيل النقابة كيانا مؤدلجا ومستباحا ل"الإخوان" و"التيارات الأخرى"_على التعبير السائد_ فإنني أشعر بخيبة أمل عريضة.
هؤلاء الزملاء يعتبرون أن نقابة مكرم_ومن هم على خطاه وشاكلته من النقباء السابقين_ هي التصور الأمثل للكيان النقابي، حيث المشادات الخفيفة مع الحكومة تجري علي قدم وساق، والمكاسب الطفيفة تتحق بين الحين والآخر، وحيث مبنى النقابة رخامي نظيف يصلح لاستقبال الضيوف والتمتع بساعتين هادئتين وقت الظهيرة بصحبة الزملاء والأصدقاء، مع تناول طعام الغداء المدعم في مطعم الدور الثامن!
الزملاء الأجلاء يأنفون من أن تقوم نقابة الصحفيين بأي دور سياسي في الفترة الحالية، ويعتبرون أن شبهة "العمل السياسي" لو طالت النقابة ستجعلها نقابة "سيئة السمعة" وستقلص من إمكانية تحقيق إنجازات "مهنية" للصحفيين.
هل لايشاركني هؤلاء الزملاء الاعتقاد أن مصر في اللحظة الحرجة ،وفقا للتعبير الفزيائي الدال؟ هل يؤمنون بأن نأى الصحفيين بأنفسهم بعيدا عن المشهد السياسي ولوازمه وتوابعه هو انتصار للمهنية الخالصة المخلصة؟
الصحفيون في طليعة المجتمع ومشاركون في صنع قرارته السياسية وخياراته الاجتماعية، هم طرف متورط منذ البداية في هذه العملية، يفتخرون بذلك في شارع ويتبرأون من حيثيات هذا الدور في نقابتهم.
لا يعقل أن يعتبر البعض_تحت غطاء التشدق بالمهنية والتزام الصحفي الحياد_أن تسيسس النقابة هو عمل مجاف لأسس المهنة التي أرساها الآباء العظام!
أفهم أن يكون الصحفي متجردا وشريفا ولايغلب مصالحه الشخصية ومصالح الجماعة التي ينتمي إليها على حساب الحقيقة، أما أن يكون بليدا جامدا غير منحاز لاتجاه أو فكرة أو تيار أو معجب_وهو أضعف الايمان_ بشخص أو فلسفة، فهذه مصيبة وليست مهنية.
أقدر دوافع هؤلاء الزملاء، وأعرف جيدا اعتزازهم بقواعد من قبيل (ينبغي أن يبدأ الخبر بفعل، ولايجوز أن تتشابه كلمات الباي لاين مع الهيدلاين، وعلينا ألا نستخدم كلمة "قد" بحال من الأحوال) لكنني من جيل من الصحفيين الشباب الذين خرجوا لهذه المهنة وقد تغيرت قواعد اللغة وتبدلت قوانين اللعبة وأعيد تشكيل خصائص المهنة.
كنت عضوا في قسم التحقيقات بجريدة البديل، وكانت غرفة القسم تضم حوالي 12 لابتوب، كلها متصلة بالانترنت، كلها تطل على عالم وسيع لم يعد الرجوع للأرشيف فيه هو السبيل الوحيد للحصول على معلومة سبق نشرها ، كل أعضاء القسم كانوا دون الثلاثين عاما، وبحسبة سريعة نجد أن متوسط أعمارهم هو 25 عاما تقريبا، وإذا ما تعاملنا معهم كعينة ديمغرافية ممثلة لجيل جديد_متسع رقيما لأبعد حد_ يمثل القاعدة الناشئة للمجتمع الصحفي، سندرك أن كل شيء لم يعد كما كان معكم..كل شيء بمعنى كل شيء.
فليعذرني الزملاء_بعضهم بالطبع_حين أقول أني "أحس" أنهم لم يستفيدوا جيدا من انهيار جدار برلين ولا من سقوط الشيوعية ولا من انهيار وول ستريت ، فالحس الكلاسيكي المحافظ المسيطر على هذا الفصيل يبدو كما لو كان يعزلهم عن متغيرات العالم المتسارعة والمتزامنة، والتي حازت مصر نسبتها المستوفاة منها ولو وفقا لقوانين القصور الذاتي .
الملونون والنساء والقادمون من أعراق وملل تمثل أقليات دينية ومجتمعية، يحكمون العالم اليوم، في أمريكا وأوروبا(الشرقية والغربية) وآسيا وأمريكا اللاتينية بل أفريقيا أيضا، الشعر الأسود يجتاح ويغزو، فلسفة الشعر الأسود لو شئنا الدقة،الأفكار البناءة والمباغتة تطرح نفسها بقوة يازملائي.
فهل يعقل أن تظل خيارتنا طامحة إلى الجمود ومنحازة ل"حكمة؟" الكبار ومتوجسة من أي مشروع جديد، لانقول "صدامي" ..فقط نقول "جديد".
ضياء رشوان ليس فارس الزمان ولا بدر التمام، كما أن مكرم ليس الشيطان الرجيم ولا المسيخ الدجال، لكن الأمر _برأيي_أكثر رمزية مما يبدو عليه، ضياء_في قانوني الشخصي_ صحفي وباحث دون الخمسين، ينتمي الى هذا السن السحري الذي ينبغي أن يقود وأن يجرب وأن يستوفي حظه، بل فلأتجاسر ولأقل أن ضياء كبير في السن، وان جيلا أصغر ينبغي أن يصعد هذه السلمة.
لو فاز مكرم لن تحقق النقابة مزيدا من المغانم والمكاسب، ولو خسر مكرم لن تقوم القيامة، ولو فاز ضياء سنفوز نحن، سنحقق لهذا المجتمع تجربة فريدة، ونخطفها بعيدا من نظام يحكمنا من موقعه الكائن في إحدى دور المسنين وليس من مكتب رئاسي، ستكون تجربة ضد الفكر الآسن والطموح القعيد والرغبة المتململة.
ضياء بالنسبة لي أمل..حتى لو خسرت النقابة في عهده كل ماتطمح إلى تحقيقه من مكاسب(كم؟ سبعون جنيها إضافية للبدل؟)، لكن نجاحه خرق للسقف المفروض، وضرب للحصار النفسي المقام من هذا النظام الشائب.
حسني مبارك نفسه يا زملاء، شعره أشد سوادا من شعري وأنا لم أتم الخامسة والعشرين بعد!
مكرم محترم جدا(ورغم ذلك أرفضه شخصا وأحبه نصا) لكن نجاحه في هذه الانتخابات لايتعدى كونه كبسولة منوم لدب كسول !
____________
هامش:سمعت في المسجد وأنا صغير أن الإسلام قام في بداية دعوته بالشباب، فعلي نام مكان النبي في الهجرة وهو دون الخامسة عشر وأسامة قاد جيش المسلمين وهو دون العشرين، هكذا بدء الإسلام وختمه.
ملحوظة للزملاء المحافظين: هذه الخطبة التي سمعتها كانت لاحد مشايخ الجمعية الشرعية المنتظمين في سلك الدولة وعلى خطها، ولم تكن بحال من الاحوال لشيخ "إخواني" او شيخ "مؤدلج" ..أه والله العظيم.
هناك تعليق واحد:
أدعوكم إلى قراءة ملخص لمقالة علمية عن التأثير الإيجابي للطلاب الأفارقة على المعارضة السوفييتية وعن جذور التصاعد الحالي للعنف العنصري ضدهم في روسيا.
إرسال تعليق