90s fm

الاثنين، 31 مايو 2010

الترحيلة


اكتشف أبي في وقت مبكرمن طفولتي إصابتي بعمى الألوان، كنت حينها في الصف الأول الابتدائي وبينما أنا منشغل برسم علم مصر ،بموجب تكليف مدرسي سخيف من مدرسة الرسم، لاحظ أبي أني رسمت العلم باللون البني بدلا من الأسود.

ومن هنا بدأت أعراض اختلاط الألوان وعدم تمييزي لها تظهرعلي تباعا، ويوما عن يوم اتضح لي المشهد كاملا ، وأدركت الألوان التي يشق_بل ربما يستحيل_ على تمييزها، وحاولت قدر المستطاع تجنب الاحتكاك بها.

سبب لي خلط الألوان بعض الحرج الاجتماعي في بداية الأمر، لكنني بعد ذلك لم أعد آبه..

مرحى خالي! أنت تميز بين الأصفر والأخضر بسهولة؟ هذا سيدخلك الجنة حتما.

أهلا عمي! أنت تميز بين اللبني والسماوي؟ هذا سيجعل حياتك أسعد.

أهلا جاري! أنت لا ترتبك حيال البني المحروق والأحمر الغامق؟ ستفوز بجائزة نوبل.

أهلا زميلي! أنت تستطيع تمييز اللون "الموف" بسلاسة؟ سيقع الجميع في عشقك وستنجح في عملك وتبني فيلا في الإسماعيلية.

حسنا كلكم معشر الأصحاء بصريا أناس ممتازون..هل يريد أحد أن يقول لي شيئا آخر؟

لم يعرقل تشوش "الفوشيا" في ذهني تحصيلي الدراسي، ولم أشعر بنقص في الوجود لأن "الأبيض" هو أوضح الألوان بالنسبة لي..ما لم يكن مائلا لأن يكون سكريا.

التففت على الأمر الواقع، وتعلمت أن الأسود المنطفئ (في عيني) هو في عيون الآخرين يدعى "البني"، وأن ما أراه "أخضر" هو بالأحرى زيتوني أو "بيج" غامق، وأن هناك معادلة شبه ثابتة يمكن من خلالها تحديد اللون، وفقا للقانون العام الذي اتفق الآخرون عليه.

وفي أحيان أخرى وضعت لنفسي قرائن يمكن أن أستدل بها في عملية تحديد اللون، فهذا اللون يشبه الشاي بلبن أو ذلك يطابق لون جلد الفيل.

عممت المعادلة وتوسعت فيها حين أدركت أن فهمي لمعظم الأمور يشوبه ارتباك واضح، فحين يقول لي أحدهم (**&&%$$###$) فهو لا يحاول نصحي..هذا معناه أنه يحاول حرق دمي لا أكثر.

وحين تقول إحداهن : (*&$%#@#$) فهي لا تعني أنها تتفهم ما أقول، هي فقط ترمي إلى أنها مضطرة للانصراف الآن.

كل شيء_مع خلل الإدراك الشامل الذي أعاني منه_ أصبح خاضعا لمعادلة الترحيل، ترحيل اللون لدرجة أخرى، أو فهم الكلام على مستوى أبعد، أو تأول الأمور بصورة مغايرة.

لذلك حين دخلت المطعم الهادئ الذي أتناول به عشائي ،من وقت لآخر، وطلبت الكثير من المعجنات وأكواب الشاي، فهمت أنني أقول لنفسي وللكون من حولي أنني أريد حياة أكثر هدوءا.

هذا ما توصلت بعد أن طبقت معادلة أكل المعجنات وشرب الشاي..فقط تم ترحيل/ترجمة الرغبة.

هناك 4 تعليقات:

وسام كمال يقول...

جميلة المساحات الجديدة التي تجتذبك لتقول فيها على طريقتك أقوالك الأفيونية..

لا حرمك الله من ترحيلات المعاني والتعابير والكلمات المنمنة المنمقة

m.ali يقول...

تشبيه ممتاز وكم من الاشياء لا نراها كما يراها الناس ...وجميل انك تأقلمت مع ماتراه ومايراه الناس.
ولكن هل هى تكمله للعزله التى تفرضها على نفسك.

رائع دون شك كعادتك

محاولة للتفاؤل يقول...

جميل جدا..أسلوبك رائع
مفتقدين دماغك في الشروق

http://mo7awla-leltafa2ol.blogspot.com/

غير معرف يقول...

زمان في كلاس الانجليزي في الكليه البروفيسور كانت داخله واول حاجه كاتبتها او سالتنا نكتبها كانت
عرف اللون الاحمر
وكل واحد ابتدي يعرف اللي قال الدم والي قال التضحيه واللي قال الحب والخ وبعد شويه ابتدا الطلبه تقول انه لون مثير فدخله في البمبي ودرجات الاحمر وتناقشنا جامد في موضوع الاحمر وثقافته في العلم سيان مصري صيني وكدا المهم بعد الحوار الرهيب دا ادتنا مقال بعنوان علي ما اتذكر ترجمته قضيه الرسام
بتحكي عن رسام في امريكا مهنته الرسم اكل عيشه يعني فجاه حصله عمي الوان اكتشف الموضوع وهو بيعبر اشاره معرفش يفرق الاحمر والاصفر والاخضر وعمل حادثه المهم قعد يتالعج ومش عارف اقتنع انه يرسم وبعمي الالوان كمان في الاول رسم ابيض واسود وعجبت الناس جدا اكتر من الالوان كمان المهم قعد يشخبط بالالوان عمل فلوس كتيره لو لقيت المقال في الورق عندي ابقي ابعتولك المهم علي ما اتذكر في الموقع المترحل عشرينات علي ما اتذكر كان في مقال بعنوان ابيض واسود
واحد المعلقين ذكر ان دلوقتي السينما ابتدت ترجع تاني لابيض واسود حتي لو عندنا الوان زي فيلم السادات وجمال عبد الناصر وقعدوا يتكلموا علي جمال الابيض والاسود وفكره التضاد بينهم الابيض مثلا الموت لبس الكفن مثلا ولبس فستان الفرح الخ موضوع كبير يلا سلام


ام احمد

هوووووبه