كان أيمن طفلا صغيرا ( 12سنة) حينما اعتقلوه قبل منتصف التسعينات، ضمن حملة اعتقالات عشوائية موسعة.
لم يفهم أيمن سر وجوده في هذا المكان الذي يعج بالملتحين، ولم يفهم المعتقلون بدورهم سر وجود أيمن بينهم، فيما فوجئت إدارة المعتقل نفسها بالطفل الذي وقع في حوزتها عندما شرعت في فرز حصيلة اعتقالات اليوم.
غباء المخبر وغلظة الضابط وروتينية إدارة المعتقل، دفعت بالأوضاع لأن تبقى على ما هي عليه.
وذلك تجنبا لحرج تصحيح الخطأ وإعمالا لمبدأ أن المواطن_كل مواطن_ مشتبه به إلى أن يثبت العكس.. فليظل أيمن حبيسا.
لم يعرف مشايخ الجماعة الإسلامية والجهاد كيف يتصرفون مع هذا الطفل البريء الذي أوقعته صدفة عثرة في هذا الجحيم، فلم يكن أيمن ليتوقف عن البكاء والنشيج إلا حينما يهده التعب ويتكوم على نفسه نائما بجوار أحد جدران الزنزانة.
تعاون عدد من المعتقلين الماهرين في أعمال النجارة، ثم صنعوا حصانا خشبيا هزازا كي يلعب به أيمن ويلتهي قليلا عما ألقته فيه الأقدار.
تحسس أيمن حصانه الخشبي فرحا ومندهشا، وانصب فيه بأحزانه، وراح يلعب به، شاعرا أن هنالك من لازال يهتم به بعد أمه وأبيه.
مرت الأيام داخل المعتقل، يكبر أيمن في السن ويصير مراهقا فشابا ..
تعرض أيمن للتعذيب والتلطيش والإهانة والترحيل من معتقل لآخر، إلا أن اللافت للنظر، أن أيمن كان ينقل حصانه الخشبي مع أغراضه في كل مرة يتم ترحيله فيها وكان يعتز به بشدة.
لم يعد يتمكن أيمن اللعب بحصانه، إلا أن هذا الحصان كان بارقة الأمل الوحيدة في حياته..هو الدليل المادي (والمعنوي) الوحيد الملموس على أن هناك من سيتعاطف معك ويساعدك رغم قسوة الظرف وبلادة الأمر الواقع.
كان أيمن يتأمل الحصان في ليالي السجن الطويلة، ويتحسسه بأصابعه، موقنا أن يوما ما سيجيء وسيكون هو وحصانه خارج هذه الجدران البغيضة.
عرفت قصة أيمن عبر خطاب أرسله لي أبي قبل سنوات ،من داخل المعتقل، ومنذ أن قرأت قصته، ومنذ أن سمعتها من أبي عشرات المرات لما خرج، كنت دوما ما أتساءل: أين أيمن الآن وأين الحصان؟
لم أعرف هل خرج أيمن أم لا، هل هو على قيد الحياة أم لا..إلا أنني كنت أجلس في شرفة منزلي وأنظر لنفس السماء وذات النجوم التي ربما ينظر إليها أيمن في عين اللحظة..وأخال حصانه الخشبي أمامه..
أغمض عيني وأمدها عبر المسافات الوهمية.. أتحسس حصانه تحت أناملي..وعندما يهتز الحصان، كنت أحس أن ثمة أمل في الحياة يراود كلينا..أنا وأيمن.
فقط في هذه الأيام، سمعت صوت الحصان الخشبي يتهشم، ورأيت يد أيمن تدمي.
هناك 11 تعليقًا:
صديقي العزيز ..
اول مرة كتابتك توجع قلبي كده... ادعو الله لك ولايمن بالسلامة
موجعة...دامية
عادة ما أكتفى بالقراءة دون التعليق..الا ان البوست هذه المرة ..شكل الحروف..رائحة المدونة حتى..تشى بالحزن..
أعانك الله..وأعاننا
والله حرام عليك
حسبي الله و نعم الوكيل فيهم
اوجعتني فعلا غير الوجع و الاكتئاب اللى انا فيه من ساعة الخبر
احساس رهيب انك تعرف ان فيه ناس ممكن تضيع حياتهم لمجرد غلطة أو تهور أو بشاعة من أشخاص أخرى لا ترتقى لمستوى الذئاب
اللهم ارحمناو لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا
اكثر من صادمه ...بجد قريتها وبعديها اتأكدت ان خالد مات مش عارف ليه
رائع ...صادم ...جارح
احنا حجر لا احنا اكتر سلبية وبرود من الحجر .. ازاى ده يحصل فى بلد ومتقومش ثوره .. ازاى احنا هيجيلنا نوم واى واحد فينا ممكن يخلف ايمن او يكون فى يوم فى مكانه !!!!!
اول مرة اعلق مع اني متابعه من زمان
مبقاش فاضل غير اني اطلب الرحمه لينا وليك ولأيمن وخالد والحصان
Love
MishMish
رائعة...ملهمة...وموجعة
اسلوب وخيال راقيان
تقبل تحياتي
رائعه حتى الدموع .. ربما سياتى يوم ونجد فيه مهره اخرون وايمن اخر وحصان جديد بدون تهشم .. فى الواقع .. او فى الجنه
جميلة جدا سلمت يداك.. وسلم كل من تحبهم.. والله يلطف ببلدنا
معلومات تاني عنة لوسمحت
إرسال تعليق