90s fm

الأحد، 11 سبتمبر 2011

أحمد الدريني..العم






عمي أحمد..ما رآني إلا وارتبك!
شيء قدري في علاقتنا يملي علينا ألا نرى بعضنا إلا كل سنتين أو ثلاث، مرة.
لا أخطيء نظرة المحبة-في أقصى درجات ضعفها- في عينيه..شعوره الدائم-لا أفهم منطلقاته-أنه دوما مقصر في حقي وأنه مذنب مجرم..أي حق هذا ياعم؟
يرحل ويجيء..سنوات تمضي وأخرى تُهدر..وهو يرحل ويجيء..وفي كل مجيء يملأ وجهه الخجل لأنه لم يستكمل هذا الشيء الذي لا أعرفه، ودوما كلما رآني يخرج كل ما في جيبه تقريبا ويعطيني إياه، قلت له ذات مرة منذ ثلاثة سنوات: أنا عندي 23 سنة هل تعتقد أنني سأشتري لنفسي شيكولاتة أو آيسكريم بمبلغ كهذا؟
تعود أول صورة مسجلة له في ذهني، إلى النصف الأول من التسعينيات وهو بملابسه العسكرية-أثناء تأدية الخدمة- يجلس في شرفة منزلنا يشرب الشاي ويدخن السجائر في ليلة شتوية قارسة.
كان لسبب ما متميزا في خدمته العسكرية(حصل على أنواط وتكريمات أخلاقية) وكان يشارك في العروض العسكرية والمناورات ومشاريع الحرب تقريبا.
أرقب ظهوره التلفازي في هذه العروض، بينما لا أزال غضا لا أستطيع تمييزه وسط عشرات العساكر متشابهي الملامح حد التطابق، لكن يخفق قلبي كأنه في جناحي عٌقاب محلق، حين أدرك أن عمي (هذا الذي يحبني) هو هذا البطل الذي يقفز من أسطح المباني العالية ويتسلق الأسوار الشاهقة ويصوب بمهارة شديدة.
لأجله أحب فيلم "جومانجي" فقد شاهدناه سويا، وضحكنا حتى بكينا، ومازالت الليلة التي شاهدنا فيها الفيلم سويا حاضرة في ذاكرتنا رغم مرور أكثر من خمسة عشر عاما عليها.


وربما لهذا السبب أخلط لا شعوريا بينه وبين روبين ويليامز، وأعتقد أن متابعة أفلام ويليامز من قبيل الوفاء لعمي.
وإذا صادفت الفيلم على إحدى المحطات، أثبت مكاني، ثم أسلتقي-ببطء-وأشاهد الفيلم بمتعة، يفوق الحنين فيها وقع المشاهدة، وتتسلل إلي رائحة عمي، وروحه وريحانه وجنة نعيمه.
حين طالبته وأنا في الثامنة أن يدربني على القتال (مثلما يطير هو في العروض العسكرية)، لم يسخر مني ولم يهزأ برغبتي الطفلة ولم يسف أيا من آمالي، قال لي: سأدرب عقلك أولا.
عصب عيني، ووضع كوبا من الماء في خط مستقيم في غرفتي، وطلب مني أن أسترشد على موضعه ولا أخطيء فأركله وأسكب ماءه.
وهكذا..عشرات المرات.
يعصب عيني ويطلب لي أن أتعرف على العالم من حولي، أن أدرك بإحساسي أين يقع كل شيء وكيف هو قانون كل شيء، أن أدرك الهدف مهما كانت العوائق..ولما نجحت في كل الاختبارات (ربما لأجل حبه لا لتميزي) أحضر دفتر أوراق وشرع في تعليمي اللغة الفرنسية!
لكن كل التدريبات الخاصة انتهت بغتة حين قررت الأقدار انتدابه بعيدا عني، ليصبح كل نصيبني منه، تدريبات مكثفة على الرؤية في العتمة والإدراك من قلب العدم ودرس يتيم في اللغة الفرنسية (ألهذا تهربت دوما من دراسة هذه اللغة؟).
صادفني مرة، قبل 4 سنوات، وبصحبتي زميلة عمل، بالقرب من مكتبي، فانتحى بي جانبا وهو يحضنني ثم همس: هل هذه التي ستتزوجها؟
أضحك وأقول له من فضلك كف عن مشاهدة الأفلام العربي، بينما أدرك ما وراء التخمين الخاطيء.
قلت له حانقا ذات مرة: الناس تعتقد أن ما أنشره أنا هو من عملك أنت، لأننا نحمل نفس الاسم، والأوقع أن تكون أنت الصحفي لا ابن اخيك الصغير.
قال لي بصورة سريعة حاسمة: حاضر. ثم استخرج بطاقاته التعريفية، وغير اسمه فيها من أحمد الدريني، إلى اسمه الثنائي الذي لا يدل على العائلة بحال من الأحوال.
أشرد قليلا: إنه يتخلى عن اسمه لأجلي!
تمر السنون وألتقيه، ودوما أطفال العائلة حوله هو بمفرده، فهو الوحيد في آل الدريني الذي يتسع صدره لملاعبة الأطفال، والخروج بهم لحديقة الحيوانات وتصويرهم مع الأسد، وتجهيز العشاء لهم قبل النوم.
***
حين تبث أيا من المحطات فيلم جومانجي، يتذكرني وأتذكره-فنحن دوما لسنا جوار بعضنا لأسباب كونية لا عائلية لا أفهمها- ولأجل هذه اللحظة الإنسانية النادرة التي تراقب نجوم السماء كلينا فيها، أدعوكم جميعا، لتذكر أحمد الدريني حين يعرض هذا الفيلم..أحمد الدريني العم.

هناك تعليقان (2):

Emtiaz Zourob يقول...

انا كثير بأحب فيلم جومانجي وباشاهده حتى وانا كبيرة ونفسي بكرة بنتي تشاهده لما تكبر وتعي ..

من الجميل ان تكون لك علاقة مع أحد أقاربك كعمك وتكون علاقة مميزة .. ربنا يحفظه يارب ، فهو على مايبدو انسان في غاية الروعة والجمال ، يكفي انه تخلى عن اسمه من أجلك ..!!

محمد ملوك يقول...

بالتوفيق والسداد
تحيتي ومودتي