90s fm

الاثنين، 24 أكتوبر 2011

حين يطهو السيد دودي على طريقة مقاتلي أمريكا اللاتينية.




لا يصعب الاستدلال على آثاري في المطبخ.
تخيل أن فيلا قرر أن يلعب استغماية في مع وحيد القرن. لافرق أيهما سيختبيء وأيهما سيبحث عن صاحبه.(المطبخ مساحته نحو 8 متر مربع).
الدقيق منثور في الأرض بكفاءة مدهشة، بينما تنطبع بصمة قدمي عليه، كأنما أترك خريطة واضحة لتحركاتي، حتى يستطيع محققو الشرطة إنجاز تقرير وفاتي إذا ما تأزمت الظروف هنا.
الزيت يغطي نصف الرخامة، والأطباق والحلل متراصة جوار بعضها كأنما هو عرض فني في مهرجان "الفوضى ملكة نادرة".
عادة أجري بعد فتح البوتوجاز، لأني لا أقدر المسافة الصحيحة للوقوف منه، ولا من اللهب، ولا من درجة النيران المطلوبة. سيما أن يداي تقطران زيتا (الذي انسكب منذ قليل)..وقطرات الزيت مع النار تثبت يوما عن يوم حقائق فيزيائية ثابتة.
لأني لم أتعلم الطبخ مطلقا، ولأني لا أهتم بالمطبخ بتاتا، كان لزاما علي اكتساب عدد من المهارات المكثفة في وقت سريع جدا، نظرا للظروف التي طرأت على حياتي.
أمسك السكين (كأني نابليون بونابرت) لأحيل الطماطم إلى شرائح متساوية هندسيا على نحو عجيب، فتكون النتيجة دوما أنها تنفعص مني فتستحيل صلصلة على نحو مثير.
أضع خلا بدلا من الزيت فيزداد الأوار، وأجرح يدي في تقطيع البصل، فيسيل دم ودمع ومخاط بريء نظيف.
أتحرك بكثير من التعثر، يندلق الملح، وأضع الفلفل الأسمر بكميات أكثر من المطلوب، ويلسعني ملمس الأوعية على النار.
أنفض عن نفسي هاجس أنني شخص فاشل، أو أن نجاحي في المطبخ محل شك.
أصيخ السمع:
صوت التقلية على النيران، له وقع موسيقي منتظم، وصوت غليان المياه يداخله بتناغم مدهش.
أدقق النظر:
الدقيق الأبيض في الأرض يعطي ملمحا خلابا. بقايا الطماطم المفعوصة/ حبات الثوم المتراصة حواليها كأنها النجوم، زرقة لهب البوتوجاز.
أنا في مشهد نادر الجمال!
أقرر استعادة زمام الأمور ويتلبسني شعور غامض بأنني مقاتل في أمريكا اللاتينية، كما كان جد ماركيز في استعلائه الطفولي ( لايرتدي السترة العسكرية لأن رتبته ثورية وليست أكاديمية).
أغير درجة إضاءة المطبخ، بحيث تصير أكثر ظلمة أو أكثر إنارة.
أعيد رص وترتيب عناصر الطبخ:
وأتذكر الدرس الأول الذي لقنني الصديقي إياه: الطاهي المحترف يختار سكينه أولا، ثم طاسته المفضلة ثانيا، وينظف كل شيء أولا بأول، بالتوازي وسريعا.
ثم يحضرني الدرس الثاني الذي دربتني عليه صديقة: اختر عصا التقليب لأنها الرفيق الأكثر التصاقا بديك طوال رحلة الطبخ.
أراجع الخطوات، ألف حوالي نفسي، وأتناول العبوات والأكياس بأطراف أصابعي كأنما أنا راقص باليه.
(كل عروض الكونغفو التي تدربت عليها صغيرا، مازلت راسخة في وجداني، وللمفارقة يدعون الكونغفو كثيرا بالباليه العنيف!)
أضع كميات من العناصر لا أدري إن كانت متناسبة أم لا، بينما أغمض عيني وأبتهل بعمق من داخلي لأن هذا الأكل سيتناوله آخرون من أصدقائي.
أنا من الممكن حال فشل كل شيء أن أنجز ساندويتش جبنة وأن أشرب كوب شاي وسأحس بالرضا التام والسلام الداخلي، وسأسامح العالم أجمع على كل شيء قبل أن آوي للفراش.
أبتهل بينما حسي العسكري الافتراضي الداخلي يرشدني إلى المقادير. روحي تنبأني بأن قليل من الملح مفيد، إلهامي يقول لي أن نفحة فانيليا على اللحمة ستفعل شيئا ما سحريا في المذاق النهائي، تتغشاني أفكار لا أردها حول ضرورة إضافة عنصر أو زيادة مقداره.
يتحول الأمر لحالة من الصفاء التام..نيرفانا..طبخ على وقع همسات السماء.
أتذكر كل الحب الذي أحبه لأصدقائي وأتوسل به لمن في السماء يراقب فعلي.
أضع الأكل على الأرض (أحب أنا وأصدقائي أن نأكل على الأرض وأن نلطخ كل شيء حوالينا، سيما ريموت التلفاز) وأترك للأقدار أن تحدد كل شيء بعد بسملة بدء الطعام.
20 دقيقة تمر، بينما الكل سكارى من روعة الأكل.
أقول أنا قائد عسكري متمرس في المطبخ، أنا غير قابل للانهزام، إلهامات السماء تدعمني.
لكن يدي تنزف مرة أخرى. وأتذكر أن الجحيم بانتظاري في الداخل كي أنظفه!

هناك تعليق واحد:

نــهـــــــال يقول...

أوشكت أن أحب الطهو !