أجرى نفسانيون تجربة مثيرة قبل عدة سنوات، سنشرح شيئا ما بسيطا قبل أن نحكي عنها، مع العلم بأنني لا أتذكر التجربة على نحو دقيق جدا.(خاصة رقميا).
يعرف القريبون من مجال إنتاج الأفلام والصور المتحركة، أن الحركة تقتضي تتابع عدد من الإطارات بسرعة معينة، والإطارات هي مجموعة من الصور الثابتة، سواء الفوتوغرافية أو المرسومة، التي تكفل "سرعة" تتاليها أن تبدو الصورة متحركة حية.
وتصل الصورة السينيمائية الجيدة لحوالي 60 إطارا في الثانية الواحدة..أي نحو 60 صورة ثابتة تتوالى بسرعة فائقة في الثانية الواحدة.
أي أن مشهدا واحدا يحرك فيه الممثل حاجبه ويعقده لأعلى، يحتاج ربما إلى 60 صورة ثابتة يتم عرضها وراء بعضها البعض في أجزاء من الثانية.
حسنا ما هي التجربة؟
كلنا يعرف شكل زجاجة كوكا كولا، الشكل الانسيابي الذي يصنف كأشهر علامة تجارية على وجه الأرض(وفقا لمسوحات وإحصاءات).
وضعوا إطارا/صورة لشكل زجاجة الكوكا كولا ضمن كل 60 إطار، من فيلم بعينه، بما يعني أن كل ثانية من هذا الفيلم يكمن فيها "رسم" لزجاجة الكوكا لكن لا أحد يلحظ بالطبع في ظل السرعة الفائقة للتالي.
انتهت التجربة إلى أن المشاهدين بعد مشاهدة الفيلم، خرجوا من السنيما يبحثون عن أقرب منفذ بيع كوكا كولا، تلبية لرغبة داخلية ملحة لا يمكنهم تفسيرها..إنهم يريدون كوكاكولا الآن!
الذي حدث أن رسم الشكل الانسيابي، خاطب اللاشعور واندس فيه خلسة دون أن يستوعب المشاهد ما جرى له، وبتراكم الإطارات على مدار زمن الفيلم، كانت القناعة قد استقرت بداخله أنه بحاجة لهذه الكوكا كولا..دون أن يدري ما الدافع ولا أن يفهمه.
من هنا أنطلق..نحو أولئك الذين يجتاحوننا ببطء، يمررون إطاراتهم/كلماتهم/تعبيراتهم/لزماتهم/إيقاعهم..خلسة.
بعد وقت محدد، تكون عملية الاستعمار قد انتهت بنجاح..وأنت لا تستطيع تفسير سر احتياجك للكوكا كولا.
أنا شخصيا، عندي حاسة متنبهة جدا، وهي حاسة إدراك الأبعاد الفائقة.
إذا تغير مكان شيء ما، أحس على الفور. لأنني أجلس عادة وأشرع في مسح الأماكن من حولي وتحديد المسافات والأبعاد، كي أضبط محددات التجاذب والتنافر بين الأجسام الصلبة المستقرة، وفقما تشرح قواعد الفيزياء المبسطة.
أنا أحفظ المسافة التي تفصل سريري عن الحائط، وأحفظ المسافة التي تفصلني عن الحائط، وأحفظ النقطة التي أنام عليها تحديدا، بحيث تكون جاذبية جسمي والحائط عن يميني والأرض من تحتي في أكثر درجاتها تناغما كي أنام بهدوء.
وأحفظ المسافة الفاصلة بين يدي وأفيال مكتبي والكيبورد وكوب الماء..وأحفظ كم خطوة ينبغي أن أقطعها في الظلام كي أصل لباب الغرفة وصولا من باب الشقة، وأعرف كيف أتناول "الموبايل" من أبعد نقطة عن سريري بمجرد سحبه بالإبهام والوسطى إلى أن أتناوله بأصابعي جميعا، وأتناول كل شيء في الظلام بنفس مهارات الالتقاط في الإضاءة المفرطة.
وأعود مرة أخرى للكونغ فو..حيث تدربت أو دربت نفسي على إدراك المسافة بين الأجسام، وكيف تدرك وتسمع حفيف تحرك جسم ما حواليك..كيف تستقبل ذبذبات وحفيف استدارته في الفراغ قبل أن يواجهك.
ودوما ما أخضع نفسي لتحقيقات مضنية ( أنا محاور مدقق مباغت مربك بشهادة كل المصادر الذين حاورتهم) وأفهم بجلاء سر ميلي لهذا أو بعدي عن ذاك، أو لم تصرفت على هذا النحو في الموقف الفلاني.
وبإدراكي للمسافات الفاصلة بيني وبين سواي..أجساما وأفكارا.
وبتدقيقي في عمليات تسريب "الإطارات"..والغزو النفسي.
أدرك ثلاثة أشياء متوازية:
أولا: جسم ما يقترب مني، هناك جاذبية خفية تربط ميكانيكا كم الانبعاثات الصادرة من كلينا. ومن وراء هذا الجسم أجسام مرتبطة بجاذبيته الخاصة.
ثانيا: عملية تسريب إطارات خجولة وبريئة وعفوية، لا تدرك أنه بموجب الخبرة، أنا أفصل الإطارات جانبا كي أشاهد تتاليها بمفردها بعيدا عن الفيلم نفسه.
ثالثا: أنا أغمض عيني لمدة ثانيتين وأتحرك للخلف خطوة. بإغماضة العين أضيع فرصة التعرض لعدد أكبر من إطارات الاجتياح المنهجي، ما يؤثر في معدل الأثر الكلي الناجم عن المشاهدة الكثيفة لهذه الإطارات. وبحركة واحدة للخلف تتغير قوانين الجذب والطرد بيني وبين الجسم الآخر المتتبع (عذرا لمن لا يستوعبون الفيزياء).
أخيرا: أنا أدرك ماذا أريد جيدا.
سأضم الإطارات سويا في فيلم واحد، ولكن بعد إضافة إطاراتي المتسربة عن عمد هي الأخرى بجوارها كي تكتمل الصورة، وتلتئم طفولة وبراءة،..وسأضع كوب ماء بيني وبين الجسم المتتبع.
هل رأيتم عظمة الفيزياء والسنيما؟
يعرف القريبون من مجال إنتاج الأفلام والصور المتحركة، أن الحركة تقتضي تتابع عدد من الإطارات بسرعة معينة، والإطارات هي مجموعة من الصور الثابتة، سواء الفوتوغرافية أو المرسومة، التي تكفل "سرعة" تتاليها أن تبدو الصورة متحركة حية.
وتصل الصورة السينيمائية الجيدة لحوالي 60 إطارا في الثانية الواحدة..أي نحو 60 صورة ثابتة تتوالى بسرعة فائقة في الثانية الواحدة.
أي أن مشهدا واحدا يحرك فيه الممثل حاجبه ويعقده لأعلى، يحتاج ربما إلى 60 صورة ثابتة يتم عرضها وراء بعضها البعض في أجزاء من الثانية.
حسنا ما هي التجربة؟
كلنا يعرف شكل زجاجة كوكا كولا، الشكل الانسيابي الذي يصنف كأشهر علامة تجارية على وجه الأرض(وفقا لمسوحات وإحصاءات).
وضعوا إطارا/صورة لشكل زجاجة الكوكا كولا ضمن كل 60 إطار، من فيلم بعينه، بما يعني أن كل ثانية من هذا الفيلم يكمن فيها "رسم" لزجاجة الكوكا لكن لا أحد يلحظ بالطبع في ظل السرعة الفائقة للتالي.
انتهت التجربة إلى أن المشاهدين بعد مشاهدة الفيلم، خرجوا من السنيما يبحثون عن أقرب منفذ بيع كوكا كولا، تلبية لرغبة داخلية ملحة لا يمكنهم تفسيرها..إنهم يريدون كوكاكولا الآن!
الذي حدث أن رسم الشكل الانسيابي، خاطب اللاشعور واندس فيه خلسة دون أن يستوعب المشاهد ما جرى له، وبتراكم الإطارات على مدار زمن الفيلم، كانت القناعة قد استقرت بداخله أنه بحاجة لهذه الكوكا كولا..دون أن يدري ما الدافع ولا أن يفهمه.
من هنا أنطلق..نحو أولئك الذين يجتاحوننا ببطء، يمررون إطاراتهم/كلماتهم/تعبيراتهم/لزماتهم/إيقاعهم..خلسة.
بعد وقت محدد، تكون عملية الاستعمار قد انتهت بنجاح..وأنت لا تستطيع تفسير سر احتياجك للكوكا كولا.
أنا شخصيا، عندي حاسة متنبهة جدا، وهي حاسة إدراك الأبعاد الفائقة.
إذا تغير مكان شيء ما، أحس على الفور. لأنني أجلس عادة وأشرع في مسح الأماكن من حولي وتحديد المسافات والأبعاد، كي أضبط محددات التجاذب والتنافر بين الأجسام الصلبة المستقرة، وفقما تشرح قواعد الفيزياء المبسطة.
أنا أحفظ المسافة التي تفصل سريري عن الحائط، وأحفظ المسافة التي تفصلني عن الحائط، وأحفظ النقطة التي أنام عليها تحديدا، بحيث تكون جاذبية جسمي والحائط عن يميني والأرض من تحتي في أكثر درجاتها تناغما كي أنام بهدوء.
وأحفظ المسافة الفاصلة بين يدي وأفيال مكتبي والكيبورد وكوب الماء..وأحفظ كم خطوة ينبغي أن أقطعها في الظلام كي أصل لباب الغرفة وصولا من باب الشقة، وأعرف كيف أتناول "الموبايل" من أبعد نقطة عن سريري بمجرد سحبه بالإبهام والوسطى إلى أن أتناوله بأصابعي جميعا، وأتناول كل شيء في الظلام بنفس مهارات الالتقاط في الإضاءة المفرطة.
وأعود مرة أخرى للكونغ فو..حيث تدربت أو دربت نفسي على إدراك المسافة بين الأجسام، وكيف تدرك وتسمع حفيف تحرك جسم ما حواليك..كيف تستقبل ذبذبات وحفيف استدارته في الفراغ قبل أن يواجهك.
ودوما ما أخضع نفسي لتحقيقات مضنية ( أنا محاور مدقق مباغت مربك بشهادة كل المصادر الذين حاورتهم) وأفهم بجلاء سر ميلي لهذا أو بعدي عن ذاك، أو لم تصرفت على هذا النحو في الموقف الفلاني.
وبإدراكي للمسافات الفاصلة بيني وبين سواي..أجساما وأفكارا.
وبتدقيقي في عمليات تسريب "الإطارات"..والغزو النفسي.
أدرك ثلاثة أشياء متوازية:
أولا: جسم ما يقترب مني، هناك جاذبية خفية تربط ميكانيكا كم الانبعاثات الصادرة من كلينا. ومن وراء هذا الجسم أجسام مرتبطة بجاذبيته الخاصة.
ثانيا: عملية تسريب إطارات خجولة وبريئة وعفوية، لا تدرك أنه بموجب الخبرة، أنا أفصل الإطارات جانبا كي أشاهد تتاليها بمفردها بعيدا عن الفيلم نفسه.
ثالثا: أنا أغمض عيني لمدة ثانيتين وأتحرك للخلف خطوة. بإغماضة العين أضيع فرصة التعرض لعدد أكبر من إطارات الاجتياح المنهجي، ما يؤثر في معدل الأثر الكلي الناجم عن المشاهدة الكثيفة لهذه الإطارات. وبحركة واحدة للخلف تتغير قوانين الجذب والطرد بيني وبين الجسم الآخر المتتبع (عذرا لمن لا يستوعبون الفيزياء).
أخيرا: أنا أدرك ماذا أريد جيدا.
سأضم الإطارات سويا في فيلم واحد، ولكن بعد إضافة إطاراتي المتسربة عن عمد هي الأخرى بجوارها كي تكتمل الصورة، وتلتئم طفولة وبراءة،..وسأضع كوب ماء بيني وبين الجسم المتتبع.
هل رأيتم عظمة الفيزياء والسنيما؟
هناك تعليقان (2):
شكرا للفيزياء :)
بالنسبة لقصة كوكاكولا اذكر اننى سمعتها بطريقة مختلفة لكن نفس المضمون
محظوظ انت لأنك تدرك الاطارات و تستطيع توقعها ، لكن كيف يملك الجميع هذه الملكة في عالم يقحم في حياتنا آلافا من الاطارات و يطالبنا بالتفاعل مع المشهد و شراء الكوكا حتى نواكب العصر الذي ننتمي له ، كيف يدرك الناس المقبول و اللامقبول في عالم لم يعد يفرق بينهما ومع جيل لم يرب على فطرة تصوب طريقه إن اعوج أو تنذره عندما يقتحم مشهده إطار دخيل؟؟
الأمر يحتاج فطرة سليمة فلتحمد الله عليها
إرسال تعليق