على نحو بدا كوميديا أكثر منه أي شيء آخر، قال نادر بكار المتحدث الرسمي باسم حزب النور السلفي أن الحزب (والتيار السلفي) لا يعاديان الأدب والفنون، وأنهم يحترمون أعمالا أدبية كرجل المستحيل وروايات أحمد خالد توفيق "ماوراء الطبيعة" وأشعار فاروق جويدة.
تشير الخيارات الذوقية للتيار بأنه في حالة مراهقة شاملة، وليس على مستوى ممارسة السياسة فحسب، والتي يعمد السلفيون إلى اعتبارها فضيلة تعكس قدر برائتهم في مواجهة باقي التيارات المدنسة.
يكف المراهق في مصر عن قراءة رجل المستحيل ببلوغه السادسة عشر، ويميز رداءة شعر فاروق جويدة فور التحاقه الجامعة، ويظل يقرأ أحمد خالد توفيق من باب الحنين، واتساقا مع عذوبة الرجل وإنسانيته المتفلتة من بين سطوره.
ربما نستسلم لطرافة التصريح، الذي-ربما- اعتبره بكار بيانا من فوق سبع سماوات ، ليدحر مزاعم العلمانيين عن معاداة السلفيين للثقافة، وليسعى لحل أزمة تصريحات الشحات حول أدب نجيب محفوظ.
لكن هذا التصريح-بهذه الخيارات- يكشف لنا ما هو أعمق من مجرد "مراهقة".
أعتقد أن السلفيين يميلون للخيارات الوقائية..
فالسلفي طوال الوقت يتوخى المناطق الإشكالية والشائكة التي قد تورده مواضع الشبهات..فهو يريد أدبا بلا مشاهد جنسية ولا تساؤلات عقيدية، ولا نزوع فلسفي مغاير لعقيدته..هو بالأحرى لا يريد شيئا مؤرقا.
وأنا شخصيا أحترم هذه الرغبة وأقدرها جدا..وأتفهمها، وأعتقد أن لكل شخص حق قراءة ورفض ما يريد، وفقا لأي أرضية يستند إليها (ذوقية أو سياسية أو عقائدية).
وهو أمر ليس حكرا على السلفيين فحسب، فاليسار- هذا التوجه الذي قطع أفراد كثيرون منتمون له مسافات في المعرفة والجدل، ربما غير مسبوقة في الوعي الإنساني- يتخذ مسافة قاسية من أدب "جورج أورويل" وآخرين، من الذين بدلوا مذاهبهم وكانوا شيعا!
وبالمثل كانت القطيعة بين الرأسمالية (وملحقاتها من عقائد سياسية واقتصادية وانسانية) وبين أدب آرثر ميللر وهارولد بنتر!
أي أن المعاداة العقيدية بين الجماعات السياسية وبين الأعمال الأدبية ليست بدعا، جاء به السلفيون، ومن ثم هم الأغبياء الرجعيون الظلاميون.
مذهبي الشخصي : إذا لم يعجبك نجيب محفوظ فلا تقرأه..ببساطة!
ولكن ليس من حقك أن تحجر على ذوقي وخياراتي الشخصية، ولن أرهن متعتي الشخصية بمساحة عقلك، ومقدار طموحك ورؤيتك أنت.
أعود مرة أخرى للخيارات السلفية، وأحاول فهم ما ورائها.
أولا: رجل المستحيل.
تمثل هذه السلسلة الصراع بين المخابرات المصرية ممثلة في بطلها أدهم صبري (الخارق جسديا وذهنيا) في مواجهة الموساد.
ومن ثم هي اختزال لا واع-في الذهن السلفي- للصراع بين المسلم و "اليهودي" الذي سنحاربه يوما ما.
ويمكن تمثلها نسبيا في ادعاء شعور وطني، هو في الأغلب وليد ضغوط وليس حقيقيا، لأن وطن السلفي حيث ترامت دولة الإسلام لا حيث ترسمت الحدود الحديثة.
كما أن أدهم معادل موضوعي للقوة والتفوق والنضال حتى النهاية(وإن بفجاجة ولا معقولية)، وهو أمر يشبه رؤية السلفي لنفسه، فهو يكافح ضد آثام عالم لا يتفهم نبله، لكنه سيظل يحارب حتى النهاية.
ثم المرأة في "رجل المستحيل"..فهي إما سونيا جراهام عميلة الموساد العاهرة الشريرة..أو منى زميلة أدهم، وهي عادة مغلوبة على أمرها ومخطوفة ويحررها أدهم!
وهي رؤية مثالية للخيارات المتاحة أمام المرأة في الوعي السلفي: عاهرة شريرة..أو طيبة مغلوبة على أمرها.
ثانيا: ما وراء الطبيعة.
بطل ما وراء الطبيعة "رفعت اسماعيل" شخصية انعزالية يرى في الآخرين مجرد "حضور مزعج" ومقاييس مجتمعية مختلة. ويسعى رفعت لدحض الخرافات دائما، أي نعم هو يسلم بوجود جوانب ميتافيزيقية، لكنه يهدم بعض الأساطير أحيانا، ويتعوذ بالله ويقرأ بعض الآيات القرآنية قبل مواجهة المسوخ والوحوش. بل يورد مؤلف السلسلة في أحد المواضع اقتباسا عن الإمام شرف الدين النووي أثناء مناظرته لأحد المتنبئين.
ما رأيك؟
هو بطل رواية مثالي..لأنه انعكاس كبير للسلفي في المسافة التي يتخذها من المجتمع..ولأنه أول بطل رواية حسب معرفتي يقرأ القرآن في مسايرة الأحداث الدرامية للرواية!
ثم المرأة في "ما وراء الطبيعة"..المرأة هنا دوما إما ثرثارة أو حمقاء أو غيور أو لصة أو شيء طيفي أثيري صعب الوجود والتحقق.
أدب خالد توفيق فضفاض، وعذب وأخاذ فعلا، لكن حين يجيء في صف واحد مع رجل المستحيل وفاروق جويدة (وهذا لن أخوض فيه، فشعره أسخف من أن يقيم) كخيارات سلفية، فأن هناك شيئا ما ، يكشف جوانب هذا السلوك النفسي السلفي.
السلفيون بسطاء، يعتقدون أن بحجاب النساء ستنضبط الموازنة العامة، وبحرق روايات نجيب محفوظ سنحرر المسجد الأقصى، وبهدم تمثال رمسيس سينزل الله علينا من السماء المن والسلوى.
هي عقلية بسيطة، تميل إلى إدراك الكون في إطار معادلات خطية، لا معادلات مركبة.
أدب نجيب محفوظ=رذيلة=سخط من الله=عدم بركة في الرزق والعمر.
ثم هي عقلية "النص" لا الجدل..ويرتبك السلفي ويضطرب حين لا يستند إلى نص.
وإذا استدرج السلفي لنص غير النص الذي عهده..يحس بالضياع، وبشتات المرجعية (لو أنها ضربت وتر الاقتناع فيه) ومن ثم هو يريد أن يستأنف حياته وفق المعادلة الخطية المطمئنة جدا.
تشير الخيارات الذوقية للتيار بأنه في حالة مراهقة شاملة، وليس على مستوى ممارسة السياسة فحسب، والتي يعمد السلفيون إلى اعتبارها فضيلة تعكس قدر برائتهم في مواجهة باقي التيارات المدنسة.
يكف المراهق في مصر عن قراءة رجل المستحيل ببلوغه السادسة عشر، ويميز رداءة شعر فاروق جويدة فور التحاقه الجامعة، ويظل يقرأ أحمد خالد توفيق من باب الحنين، واتساقا مع عذوبة الرجل وإنسانيته المتفلتة من بين سطوره.
ربما نستسلم لطرافة التصريح، الذي-ربما- اعتبره بكار بيانا من فوق سبع سماوات ، ليدحر مزاعم العلمانيين عن معاداة السلفيين للثقافة، وليسعى لحل أزمة تصريحات الشحات حول أدب نجيب محفوظ.
لكن هذا التصريح-بهذه الخيارات- يكشف لنا ما هو أعمق من مجرد "مراهقة".
أعتقد أن السلفيين يميلون للخيارات الوقائية..
فالسلفي طوال الوقت يتوخى المناطق الإشكالية والشائكة التي قد تورده مواضع الشبهات..فهو يريد أدبا بلا مشاهد جنسية ولا تساؤلات عقيدية، ولا نزوع فلسفي مغاير لعقيدته..هو بالأحرى لا يريد شيئا مؤرقا.
وأنا شخصيا أحترم هذه الرغبة وأقدرها جدا..وأتفهمها، وأعتقد أن لكل شخص حق قراءة ورفض ما يريد، وفقا لأي أرضية يستند إليها (ذوقية أو سياسية أو عقائدية).
وهو أمر ليس حكرا على السلفيين فحسب، فاليسار- هذا التوجه الذي قطع أفراد كثيرون منتمون له مسافات في المعرفة والجدل، ربما غير مسبوقة في الوعي الإنساني- يتخذ مسافة قاسية من أدب "جورج أورويل" وآخرين، من الذين بدلوا مذاهبهم وكانوا شيعا!
وبالمثل كانت القطيعة بين الرأسمالية (وملحقاتها من عقائد سياسية واقتصادية وانسانية) وبين أدب آرثر ميللر وهارولد بنتر!
أي أن المعاداة العقيدية بين الجماعات السياسية وبين الأعمال الأدبية ليست بدعا، جاء به السلفيون، ومن ثم هم الأغبياء الرجعيون الظلاميون.
مذهبي الشخصي : إذا لم يعجبك نجيب محفوظ فلا تقرأه..ببساطة!
ولكن ليس من حقك أن تحجر على ذوقي وخياراتي الشخصية، ولن أرهن متعتي الشخصية بمساحة عقلك، ومقدار طموحك ورؤيتك أنت.
أعود مرة أخرى للخيارات السلفية، وأحاول فهم ما ورائها.
أولا: رجل المستحيل.
تمثل هذه السلسلة الصراع بين المخابرات المصرية ممثلة في بطلها أدهم صبري (الخارق جسديا وذهنيا) في مواجهة الموساد.
ومن ثم هي اختزال لا واع-في الذهن السلفي- للصراع بين المسلم و "اليهودي" الذي سنحاربه يوما ما.
ويمكن تمثلها نسبيا في ادعاء شعور وطني، هو في الأغلب وليد ضغوط وليس حقيقيا، لأن وطن السلفي حيث ترامت دولة الإسلام لا حيث ترسمت الحدود الحديثة.
كما أن أدهم معادل موضوعي للقوة والتفوق والنضال حتى النهاية(وإن بفجاجة ولا معقولية)، وهو أمر يشبه رؤية السلفي لنفسه، فهو يكافح ضد آثام عالم لا يتفهم نبله، لكنه سيظل يحارب حتى النهاية.
ثم المرأة في "رجل المستحيل"..فهي إما سونيا جراهام عميلة الموساد العاهرة الشريرة..أو منى زميلة أدهم، وهي عادة مغلوبة على أمرها ومخطوفة ويحررها أدهم!
وهي رؤية مثالية للخيارات المتاحة أمام المرأة في الوعي السلفي: عاهرة شريرة..أو طيبة مغلوبة على أمرها.
ثانيا: ما وراء الطبيعة.
بطل ما وراء الطبيعة "رفعت اسماعيل" شخصية انعزالية يرى في الآخرين مجرد "حضور مزعج" ومقاييس مجتمعية مختلة. ويسعى رفعت لدحض الخرافات دائما، أي نعم هو يسلم بوجود جوانب ميتافيزيقية، لكنه يهدم بعض الأساطير أحيانا، ويتعوذ بالله ويقرأ بعض الآيات القرآنية قبل مواجهة المسوخ والوحوش. بل يورد مؤلف السلسلة في أحد المواضع اقتباسا عن الإمام شرف الدين النووي أثناء مناظرته لأحد المتنبئين.
ما رأيك؟
هو بطل رواية مثالي..لأنه انعكاس كبير للسلفي في المسافة التي يتخذها من المجتمع..ولأنه أول بطل رواية حسب معرفتي يقرأ القرآن في مسايرة الأحداث الدرامية للرواية!
ثم المرأة في "ما وراء الطبيعة"..المرأة هنا دوما إما ثرثارة أو حمقاء أو غيور أو لصة أو شيء طيفي أثيري صعب الوجود والتحقق.
أدب خالد توفيق فضفاض، وعذب وأخاذ فعلا، لكن حين يجيء في صف واحد مع رجل المستحيل وفاروق جويدة (وهذا لن أخوض فيه، فشعره أسخف من أن يقيم) كخيارات سلفية، فأن هناك شيئا ما ، يكشف جوانب هذا السلوك النفسي السلفي.
السلفيون بسطاء، يعتقدون أن بحجاب النساء ستنضبط الموازنة العامة، وبحرق روايات نجيب محفوظ سنحرر المسجد الأقصى، وبهدم تمثال رمسيس سينزل الله علينا من السماء المن والسلوى.
هي عقلية بسيطة، تميل إلى إدراك الكون في إطار معادلات خطية، لا معادلات مركبة.
أدب نجيب محفوظ=رذيلة=سخط من الله=عدم بركة في الرزق والعمر.
ثم هي عقلية "النص" لا الجدل..ويرتبك السلفي ويضطرب حين لا يستند إلى نص.
وإذا استدرج السلفي لنص غير النص الذي عهده..يحس بالضياع، وبشتات المرجعية (لو أنها ضربت وتر الاقتناع فيه) ومن ثم هو يريد أن يستأنف حياته وفق المعادلة الخطية المطمئنة جدا.
هناك 6 تعليقات:
مراهقة شاملة .. مراهقة سياسية ربما .. ولكن تأكد ان المراهق لن يبقى مراهقا مدى العمر .. سوف يأتي يوم ويبلغ وينضج !! كلها مسألة وقت ليس اكثر ..
مشكلة السلفيين انهم ياخذون بالظاهر وليس الباطن بالقشره ولا يهمهم الجوهر
المهم ان ترتدى الجلباب القصير وتطلق اللحية والمهم ان ترتدى النقاب هذا هو اساس الدين وماابعده فى الحقيقة عن اساس الدين
اعجبنى تحليلك النفسى كثيراً :)
أحيانا اشعر ان السلفيين هم النتاج الطبيعي لنظرية ال"minimalizm" إن صحت الترجمة فهي "الحد الأدنى"
فبالحد الأدنى من العلم تكون عندهم عالما .. بالحد الأدنى من المظهرية -لبس النقاب أو اطلاق اللحية- تكون في نظرهم ملتزما .. و بالحد الأدنى من الثقافة - أن تقرأ روايات مصرية للجيب- تكون مثقفا
المهم أن تبتعد عن الأمور التى قد تشغل التفكير و تعمل العقل و تربك الشيخ الذي سيفتيك في أمور حياتك لذا ستراه في الغالب يفتى بأن أي جديد في هذا العالم "حرام" لأن الحد الأدني الذي تلقاه من العلم لا يستوعب أي جديد
لكن ربما كان انخراطهم في الحياة الآن مبشرا بالخير أو بأمل في اذابة جبال الثليج بين المجتمع و بينهم
http://www.youtube.com/watch?v=GMNnXsIdQEg&feature=share
أتمنى أن أسمع رأيـك في هذا الفيديو ,!
لا انحاز للسلفيين ولكن اعتقد ان السلفيين ليسوا بهذه السطحيه.
كل مكان به الجيد وبه السيئ وكذلك كل جماعة او فكر او توجة وهذا لا يعني ان الباقي سيئ لأن بهم احد الأفراد السيئين.
المقصد من الكلام ألا نستخدم نظرية التعميم .. فليست السيئة تعُم.
تحليل يقترب كثيرًا من الصواب
للأسف السلفيون ما زال أمامهم الكثير حتى يتعلموا
إرسال تعليق