الوحدة البصرية الأكثر انتشارا الآن في القاهرة، هي الزرقة المحيطة ببوسترات المرشح حازم صلاح أبو إسماعيل. تنساب حوالي الوجه الكلبوظ النضر الرائق البشرة، كما لو كانت حقيقة أبدية..كما لو أن بوستراته هذه من قديم الأزل..تكونت في العصور الجيولوجية الأولى..مع انبثاق النيل ومع تشكل الكثبان الرملية ومع دبيب أقدام الديناصورات على الأرض.
لا تخطيء العين، أين ولت، زرقة البوستر، وبياض وجه الرجل المكلل بلحية شائبة، وشيئا من نور، لا ندري حقا أهو نور الإيمان، أم مجرد ظلال فوتوشوب، لبوستر يبدو لائقا بشخص يرشح نفسه لفتح الأندلس لا رئاسة مصر.
الظاهرة مدهشة حقا (عدد البوسترات وجغرافية انتشارها) واللتان تشيان أن الحقيقة أكبر من أن نفسرها بمجرد حماس قطاع من التيار السلفي متعاطف مع أبو اسماعيل، أو أن نعزوها لأنصاره من البسطاء الذين يعتقدون أن ترشيح أبو اسماعيل صفقة رابحة مع المشيئة العليا المنحازة –قطعا- لتولية هذا الرجل البركة "إللي يعرف ربنا"..ومن ثم سينصلح الأداء الشرطي وتتحسن الخدمات الصحية وتقام دولة العدل وترخص السلع وتفتح السماء أبواب بركاتها علينا..بينما تتفجر ينابيع الخير هنا وهناك..
هذه الرسالية في توزيع ولصق "البوستر" تصل لدرجة الهوس ، لا مجرد اقتناع ذهني أو حتى نفسي برجل، متواضع القدرات السياسية ولا يتسم بشبهة ألمعية ذهنية من بعيد أو قريب..بل ليس حتى كداعية من نجوم الصف الأول!
أعتقد أن جمهور الترسو، من محدثي "السلفية" و"الإسلاموية" ، فضلا عن عموم الطبقة الأقل تعليما والأقل نصيبا في الدخل، والتي استهدفتها قنوات الناس والرحمة عبر السنوات الماضية ، هي قوام مضخة معجبي "أبو اسماعيل".
وهو ما يمكن استنطاقه من هتاف أحد معجبيه، قبيل دخول حازم لندوة بجامعة ما ..."البرنس وصل"!
هتىف، هذا المعجب النصير، ل"البرنس" بعد فاصل من التقديم المسف الذي يسبق عادة أغاني العندليب الأزرق أبو تريكة الأغنية الشعبية عماد كباكا..
جمهور أبو اسماعيل هو طبقة جديدة من الناس، لم تتبلور اتجاهات إسلامية واضحة لهم، بمقدار ماهم راغبون في عقد صفقة مع المعادلة القائلة بأن "الإسلامي"..يعرف ربنا وسيعود بنا لأيام عمر بن عبد العزيز حيث كان بيت المال يفيض بصرر الدنانير..وحيث "الخليفة" يأكل الطعام ويسير في الأسواق..وحيث الناس سواسية..
وهو ما أكاد أجزم أن أبو اسماعيل نفسه يتصوره عما سيكونه..
حازم يترشح "اسميا" على منصب "الرئاسة"..بينما في قرارة نفسه، يطرح نفسه للأمة "إماما عادلا" وفقا للإرث الإسلامي اليوتوبي، الذي لم يتحقق تقريبا إلا في عصور الصحابة الخلفاء..بدرجات متفاوتة وبصيغ مختلفة.
يعتقد هذا الجمهور أن حازم أبو اسماعيل سينام تحت الشجرة بينما يدخل عليه مبعوث ملك الروم، أو فلنقل آنا باترسون..كي ترى رقع جلبابه، وطمأنينته وحب شعبه له..لتقول: لو أن الجالس في البيت الأبيض يرى هذه الأمة..لتحنكس الحنكليس تبقبقا وتشنطرا..وتبكي.
الرجل غير مقنع للسلفيين المخضرمين نوعا ما، ولا للإسلاميين المنحدرين من بنى تنظيمية أكثر سبكا وتبلورا في أفكارها وطروحاتها من رؤى "حازم" البسيطة المطمئنة التي تعتقد أن البركة في الرزق أهم من ميزان المدفوعات والموازنة العامة.
الرجل أبيض مشرب بحمرة، تستقر في الوعي المصري كدليل ترجيحي على ترف الأسرة التي ينتمي إليها أو تلك التي يتولى رعايتها، ويتحدث بصراحة تنطوي على وضوح صارخ ونقاء لا ينكر..ومشمولة أيضا بهبل نوعي لا يمكن استبعاده.
(وليعذرني الأستاذ حازم في نعوتي، وليتسع صدره الكريم، فهو شخص كما يبدو من ملامحه سمح النفس صافي السريرة)
ومن ثم تتضاعف الدهشة حيال هذه الحالة التي تخلق "مخلًصا" (بتشديد اللام) حتى لو يكن على القدر السينيمائي اللازم (كحد أدنى في مواصفات المخلصين ومدعي المهدوية والإمامة!) كي يقوم بهذا الدور.
بوسترات حازم تشير إلى أن هناك شيء ما ارتدادي في وعيي قطاع ما من المصريين لا يمكن استيعابه في إطار الردة والمجافاة لمبارك وكل رموز مرحلته، ولا يمكن فهمه في إطار افتراض أن الهجرة إلى الله (كأننا حدنا عنه كي نهاجر إليه!) مع مرشح يبدو ماتا بصلة ما لقرون خلت لا القرن الحالي، هي الحل الناجع والشافي..
هتف أنصاره في استقباله في محاضرة بإحدى الجامعات ...."مصر فتحها ابن العاص..وحازم هيحررها خلاص"..إنهم يعتقدون بقوة أن مصر واقعة تحت غزو ما وأن حازم هو المحرر المنتظر..
ومن ثم فإن كل هذه البوسترات ضد هذا الاستعمار..
إنهم رومانتكيون جدا..ألا توافقوني؟
هناك تعليقان (2):
لا بأس، أتشرف بأن أكون واحد من الترسو، ، فلتستمر في مهنة الاستهزاء التي لا تتقن سواها بل وربما لا تتقنها، وسيستمر حازم صلاح في كسب المزيد من أرضية الشارع
بوست في التلات خشبات
إرسال تعليق