90s fm

الثلاثاء، 12 يوليو 2011

دورليوني وذو السلوبيت الأحمر..ومعركة مع الجاذبية لأجل المنزوية




(1)

كانت جدتي تحكي لي في آخر أيامها عن ابنها الأول الذي مات مرضا، قبل ستين سنة:

(..كان أبيضاني ووشه محمر..مليان..وشعره أصفر..الواد كان محسود..تشوفه الحريم تقول الله أكبر..كان-اسم النبي حارسه- لابس سلوبيت أحمر..وزي القمر وهو عنده 4 سنين بس.

اصطحبته جدتي للطبيب حين توعك بشدة، كان طبيبا إيطاليا منتدبا لذلك المكان النائي في جنوب البلاد، في النصف الأول من القرن المنصرم.

تقول لي اسم الطبيب الإيطالي، الذي ما زالت تحتفظ به في ذاكرتها رغم مضي ما يقرب مما يزيد على نصف القرن، كأنها تقول لي اسم أحد أبنائها الذين لم يحصدهم منجل الموت في سن الطفل الأول.

كان اسمه دورليوني كما أتذكر..ولا أفهم كيف احتفظت باسم إيطالي قح كهذا في ذاكرتها الممتلئة..

في آخر لحظاتها كانت تردد اسم ابنها الأول واسم دورليوني..ولم يفهم أحد شيئا..بخلافي أنا.

أنا الوحيد الذي انتميت معها لعالم دورليوني..والطفل ذو السلوبيت الأحمر.

(2)

حين تقاسمنا حكاياتنا، عرفت أنها درست في نفس المدرسة المجاورة لمدرستي الإعدادية!

كان أصحابي يتفنون في معاكسة فتيات مدرستها عند محطة التروماي، أثناء استلقائهن في تعب مغر، على مقاعد الانتظار، بعد انتهاء اليوم الدراسي..

إلا أنا..كنت أنزوي.

وكانت صاحباتها..يتجاوبن أحيانا مع أولاد مدرستي (كان يجمع بين المدرستين منافسة علمية شرسة فقد كانت كلتاهما تضمان فصولا للمتفوقين..منها فصلي وفصلها).

إلا هي..كانت تنزوي.

أتذكر الآن بوضوح..كان هناك دوما فتاة منزوية..

(جليا يحضرني: التقت عينانا بغتة، في مرة من مرات الانزواء اليومي)

لم أكن أعلم أني سأنزوي معها مستقبلا..لنستأنف ما لم نبدأه حينها.

(3)

مثلت لمرة واحدة في حياتي، أديت دورا في مسرحية تاريخية، وأنا في الثالثة عشر من عمري

أتذكر الحلول الاحتيالية التي كنت أجهزها مع نفسي، إذا ما نسيت النص المسرحي أمام الجمهور!

تحضرني اللحظة التي انخرط أحدهم في تجهيزي خلالها بملابس مسرحية تلائم الدور..

واللحظة التي أديت فيها آخر تدريب على العرض..

واللحظة التي قررت فيها ألا أخرج من نشوة التمثيل أبدا، حتى ولو كذبا..

واللحظة التي استوعبت فيها كيف يمكن أن أتألق منفردا دون أن ألعب دور البطل الأوحد.

أبتسم بمرارة، ممزوجة بسخرية، حين أتذكر أن دوري الأول والوحيد كان: الساحر!

(4)

كانت تقف مستندة إلى الحائط بجوار المكتبة..

وفي أقل من ثانية..تقرر الجاذبية الأرضية أن تستعرض مواهبها الكامنة

يوشك كتابان عملاقان على السقوط على رأسها..أمد ذراعي بسرعة، بينما جسمي ثابت.

ألتقطها بطرف يدي، وأجذبها نحوي..كأننا في رقصة "صالصا"..

تجيء نحوي، وهي تبتسم مشدوهة..وأنا أسارع الزمن وأصارع الجاذبية..

تستقر رأسها في صدري، وتكاد تعاتبني-بدلال متهاو، بينما روحي تكاد تفارقني، خوفا عليها..

تلتفت هي فزعة إلى الخلف، حيث صوت سقوط "الداهيتين"..بينما أنا ألتقط أنفاسي للمرة الأولى منذ ثانيتين كأنهما الدهر.

هناك تعليق واحد:

Ahmed Rashwan يقول...

جميلة جدا جدا ........ وخصوصا الاخيرة .. جامد جدا يا استاذ