90s fm

السبت، 14 يوليو 2012

حين تنامين وتتأخرين عن الموعد يا حبيبتي

حين تنامين، متخلفة عن المواعيد المضروبة بيننا، ينشط شيطان ما، ويجوب يمنة ويسرة، لأجل إفساد كل شيء.

***
فمثلا مثلا: أتلقى دعاوى لانهائية للذهاب للسينما مع أشخاص، لا يبدو لي غرضهم النهائي هو الذهاب للسينما، ولا يبدو أن الحديث الذي ينتوون إجراؤه معي سيكون حول روعة الفن السابع.
كما أن البعض يطري على لون عيني كل إسبوعين مرة، وهو بطبعه يتغير يوميا كما تعلمين أكثر من سواك، هذا فضلا عن أنه-بمنتهى الأمانة- شديد العادية بطبيعته، على نحو لا يستدعي أي معاكسة مقنعة.

 دعك من هذه التي تحدثني عن زاوية تحدر ذقني، وكيف هي "سو كيوت ع الآخر" وتذكرها بالمحاربين الرومان القدماء. وأنت تعلمين أن شيطاني لن يمنعني من الحديث معهن عن الإلياذة والأوديسا، وفسيولوجيا تغير لون العين وفقا لدرجة الإضاءة المحيطة.
(أي نعم أنت مللت هراء ويكيبيديا الذي أمطرك به كلما التقنيا، لكن البعض مازال يراه فاتحة خير في حوار لطيف)...(كثيرات يا حبيبتي لم يضربهن الملل مني بعد).

كل هذا هراء من وجهة نظري، والشياطين-مجتمعة- لم تحرك وفائي لك قيد أنملة حتى الآن.
لكن هذه التي تعد رسالة ماجستير-في الأغلب هي رسالة وهمية- وتطلب مني لقاء بغرض نقاش الآليات الجديدة لتاريخ ما قبل العصور الوسيطة وعلاقته الجدلية بنشأة المدونات التي يكتبها صحفيون في إطار المرجعية الشاملة لإذاعات الانترنت على خلفية اقتصاديات العسلية في الشرق الأوسط، هي بالأحرى لا تريد وجهة نظري العلمية الصائبة، بمقدار ما ستحكي لي بكثير من الشحتفة عن تدوينة هنا ونوت هناك، وكلمة ألقيتها في مؤتمر إنقاذ إسفنج البحر عام 2008.

كل هذا لا يغير من صلابتي ولا وفائي لك شيئا، حتى هذه التي تقول لي هيا نلتقي لنشرب عصير الجوافة ونناقش مستجدات العلاقات الأوروبية الحديثة مع تطور حركة حقوق الإنسان في سوريا، بينما هي في حقيقة الأمر تود أن نطور مستجدات بينية مشتركة، كل هذا..هذا كله، والله لا يؤثر في شيئا.
الشيطان الذي يعمل ضدك بصورة مباشرة، يسوق لي كل الألوان وكل الأعمار والأنماط، وأنت تعرفين أنني محصن ضد من هو عداك أنت.

الأمر يا حبيبتي متعلق بك، وبمهمة شيطانك الرائدة في إفساد علاقتنا سويا، ولا يمت بصلة من الصلات إلى جاذبيتي التي لا تبقي ولا تذر. ( لا تمصمصي شفاهك وتقولين لهن إشربنه وإشربن تعنته حيال المواعيد وحدة لغته وكثرة سرحانه وحبه المبالغ للكارتون، لأن شيطانك سيوجد واحدة على الفور مولعة بكل هذا).

صدقيني، اتلقى عروضا رائعة، واحدة تعرض أن تعد لي بنفسها نيسكافيه منضبط المقادير، وأخرى تريد أن تعلمني التنس أو الغوص في الأعماق، وثالثة تدعوني للذهاب إلى رحلة صحفية في الضاحية الجنوبية بلبنان للتحقق من طبيعة التواجد الإسرائيلي في خلايا حزب الله..وأنا أعرف أن آخر ما تريده هو الله..أو حزبه.

صدقيني، الشيء الوحيد الذي يفت في عضدي، هو أنني منتظرك على الغداء كما تواعدنا، وأنا لم آكل منذ 20 ساعة، ووفائي لك يمنعني من الأكل منفردا.
أرجوك لا تتأخري عن مواعيدنا مرة أخرى. فأنا ضعيف أمام الأكل، وأحيانا أخرى ربما أضعف حيال دعاوى تناول الكرواسون المضمخ بالقرفة في شوارع وسط البلد.
حبيبتي، أنت الآن متأخرة ساعتين و45 دقيقة عن ميعادنا، ليصبح مجمل ما تأخرتيه : 45 ساعة و13 دقيقة.
ألا يكفي هذا؟
 

الاثنين، 18 يونيو 2012

النزوع البيتوتي..توابع تقدم العمر

بيتوتيٌ النزعة أصيرٌ يوما عن يوم.

في السابعة والعشرين والثلث من العمر، ويدنو زواجي، أو إعادة تزويجي من زوجتي، أو تقنين وإشهار زواجي من خطيبتي، أو خطبتي لزوجتي، أو ارتباطي بحبيبتي، أو تزويجي من حبيبتي، أو خطبتي لزوجتي..لا أدري، فلم يعد الأمر يفرق كثيرا من ناحية المسميات، مادامت الأمور متبلورة حد الاكتمال على مستوى الممارسة العملية.

ألحظ المتغيرات الطارئة على سلوكي:



أولا: أتصفح مجلات الديكور وأقف أمام معارض الأثاث المنزلي، وتستوقفني العروض الخاصة من المحال الضخمة (غسالة أوتوماتيك إيطالي+ثلاجة 15 قدم+ ميكرويف ألماني) تقسيط ولفترة محدودة.

بل أفاضل أنواع الغسالات وفقا لسيكولوجية الزوجة ومهاراتها المتعثرة في التعامل مع التكنولوجيا الحديثة ( كل ما تجيده هو تحميل تطبيقات آندرويد، لا أكثر)



ثانيا: أنجذب لقراءة موضوعات صحفية حول سلوك الأطفال في سنوات العمر الأولى الثلاث، وكيف يمكن أن تتصرف كزوج مثالي مع زوجتك في هذه الفترة التي تحتاج لعناية كبيرة بالمولود.



ثالثا: أورط نفسي في شراء الخضروات والمستلزمات المنزلية، فقط لأتدبر كيف يصير الأمر، وماذا ينبغي أن نشتريه كي نفعل به ماذا؟

ومن ثم أدركت فائدة الكثير من السلع المنزلية التي لم أكن أدري متى نشتريها ولم (البصل والثوم والزيت والزبد والكمون والملح).



رابعا: أكثرمن قراءة الكتب الأمريكية الرخيصة، حول كيفية إدارة الصراع مع الزوجة من أجل حياة سعيدة، وهي كتب غير عملية، لا تلائم مزاجي ولا سياق الأمور. وتتطور الأمور بعد تطبيق نصائحها لاشتباكات بدنية مع زوجتي التي تعلمت-الجودو والتايكوندو- في ملابسة لا أسامح أهلها عليها.



خامسا: أدرك يوما عن يوم قيمة كنبة الليفنج، وعبقرية الجلوس مع الأصدقاء على المقهى، والسعادة الدامغة لدى سفر الزوجة للإسماعيلية لتهنئة ابنة خالتها بالمولود الجديد، وأتمنى ان تنجب ابنة عمها الأخرى التي تسكن في جوهانسبرج.



سادسا: أفهم دفعة واحدة العلاقة النفسية المركبة بين الرجل ومباريات كرة القدم وقنوات "آنيمال بلانيت" و"ديسكفري" وباقة قنوات الأفلام الأجنبية، فكل هذه المحتويات عبارة عن مخدرات راقية المحتوى، لتمضية الوقت المستنزع من برنامج "النكد المكثف ذي الخواص المتقدمة والتعقيدات اللامتناهية" الذي تعده وتقدمه زوجتي العزيزة.



سابعا: تسكنني حكمة المسنين، من أن الزوجة، مهما تعقدت الأمور معها، ومهما بلغ تعثرها في التعامل مع الميكروويف، ومهما كانت تحصيلها من دورات النكد المتقدم في "معهد موسكو لدراسات النكد الحديث"، هي الأقرب حتما إليك، وهي الناقص من بهجتك أنى ابتعدت أو أبعدتها.

هي وثير راحتك ومحط رحالك ومحل نظرك ومستقر سرك ومستساغ قولك ولطيف ملامستك وبهيج حضورك..وهي ري كل ظاميء فيك.

أحبك متغاضيا عن تحفظاتي التي سأكف عن إبدائها حين نجتمع سويا في العالم الأخروي.



الجمعة، 1 يونيو 2012

الحداثة التي تحول بيني وبين حبيبتي


يا حبيبتي، أنا أكره الحداثة والتقنية وكل مفرداتهما بسببك أنت في المقام الأول، ويجيء هذا بمعزل عن مواقفي الشخصية من الأشياء والأفكار.
دوما تتأخرين على مواعيدنا لأنك تنتظرين "أوردر" من سوبر ماركت عملاق لا يجيد موظفو توصيل طلباته سوى التأخير بعد استغراق دهور أسطورية في معرفة أسعار مبيعاتهم عبر مسح "الباركود" الخاص بكل منتج، دون أدنى مراعاة لانتظاراتي الطويلة على الضفة الأخرى من الكرة الأرضية.
أنا-شخصيا- أفضل التعامل مع عم حميدو البقال الذي يحفظ دكانه رفا رفا، ويعرفني شخصيا ويخلط كثيرا بيني وبين أخي المتخيل في وجدانه الشخصي فحسب (طويل زيك كده وأبيضاني شوية وشبهك!).
عم حميدو بنسيانه أكثر إنسانية من كل حساباتك "آكاونتس" لدى كل أفرع السوبر ماركتس وخدمات العملاء وخدمات التوصيل المنزلي، وتلعثمه وخلطه اللامحدود بيني وبين زبائن آخرين كلهم يشبهونني، أكثر إنسانية من كل أرقام حساباتك الصماء لديهم.
أنا أكره هاتفك المحمول ذا التطبيقات (applications) اللا متناهية.
كل 7 دقائق يذكرك بشيء ما، ليقطع خيط الحديث بيني وبينك.
يذكرك بأشياء سخيفة جدا يا حبيبتي: (الجو قد يمطر الآن في الإسكندرية وفقا لأخبار الطقس، انهيار سعر اليورو في بورصة كولالامبور، مارسي تمارين رياضية الآن، اشربي كوب مياه لأجل صحتك..وهكذا وهكذا إلى أن تتشتت أفكاري تماما).
وأنا أكره خالتك الرطاطة اللتاتة العجانة التي تحكي كثيرا عن عملها بالقرية الذكية كما لو كانت القرية الذكية هي وكالة ناسا للفضاء، وتصر أن تنتزع إعجابي بخصوص أشياء تافهة..(أنا أكره القرية الذكية وكل العاملين بها وكل التكنولوجيا الحديثة بسبب خالتك هي الأخرى).
أنا أكره جوجل كروم  الذي تستخدمينه لأنني حين أقرأ مدونتي من خلاله أحس أنها مدونة شخص آخر غيري، وأنت لا تستخدمين سواه.
تعالي نلقي هاتفينا المحمولين في ترعة المريوطية ولنستثمر ما تبقى من عمرينا في زراعة الأرض ومشاهدة عروض خيال الظل وسماع القرآن بصوت محمد رفعت، وأن نرفه عن نفسينا بمشاهدة أفلام أبيض وأسود.
كلمة السر المفتاحية: ممبار.

الخميس، 19 أبريل 2012

أيام في الجامعة الأمريكية (1)



حسنا، لقد حصلت على منحة دراسة الماجستير في الجامعة الأمريكية في القاهرة منذ ثلاثة شهور تقريبا. اخترت تخصص الآنثروبولوجي، وسط إندهاش المحيطين "ألن تستكمل دراسة الإعلام؟".."كيف لا تفكر في دراسة العلوم السياسية؟"..لكن قراري كان محسوما : سأفعل الشيء الذي أحبه، سأستمتع، لأنني ببساطة ليس لدي عمران، عمر أقضيه في دراسة العلوم السياسية لسبب ما مجتمعي أو علمي، وعمر آخر سأستمتع فيه بدارسة ما أحب..هو عمر واحد ولا يحتمل أكثر من رغبة واحدة فحسب..ولا أخفيكم : أنا أحب نفسي أكثر مما أحب المعايير العلمية والمجتمعية.
أقضي هذا الفصل الدراسي، في محاضرات مكثفة حول الكتابة الأكاديمية والقراءة الأكاديمية، وتحليل النصوص على نحو أكاديمي والنزاهة الأكاديمية والبحث الأكاديمي وعدة مهارات أخرى تنتهي بكلمة أكاديمي..ربما كان من ضمنها توجيه قاذفات القنابل على نحو أكاديمي..لا أتذكر حقيقة.
أقطع طريقي يوميا داخل مبنى "هاس" وهو مبنى صمم خصيصا لتضليل أي شخص يحاول الانتقال فيه من أي نقطة لأخرى، مبنى مثالي للعبة الاستغماية، مبنى يسخر منه الأكاديميون والإدرايون والطلبة والعمال والزائرون العابرون..مبنى مصمم على نحو شنيع..إذا دخلته ربما لا تخرج منه أبدا (ربما تتردد إشاعات بأن البعض فقد داخل هذا المبنى منذ مارس 2010).
أتحرك داخل مبنى "هس" غريزيا، ولا أدقق في اللوحات الإرشادية ذات الطابع التضليلي البحت. من وقت لآخر أرى بوستر صغير لحازم صلاح أبو اسماعيل وقد علقه أحدهم، أو دعوة لحضور حفل جاز أو ملصق دعائي يدعو لمناصرة سوريا.
تتعدد المطبوعات الصحفية التي ينتجها الطلاب، وكلها شبه تحررية تقريبا، تهاجم سياسات الجامعة بخصوص حقوق العمال، وتتحدث بصراحة وتنوع وتبدو صحية عفية إلى مدى بعيد.
ويغلب عليها طابع من الركاكة المقنعة في كلا الإصدارين: العربي والإنجليزي..وهو طابع أصيل حين يحاول الطلاب في كل مكان في العالم إنتاج صحف.
لكن بعكس ما يشاع (وسط البعض) من أن الطلبة هنا منحلون، يشربون الخمور نهارا ويمارسون الرذائل جهارا ويدهسون بيوت الفلسطينيين في فناء الجامعة، ويرفعون العلم الأمريكي على سبيل الانتماء والاحتفاء..لم أجد كل هذا.
بل لقد كانت مساحات التلامس والهزار بين الطلبة والطالبات في جامعة عين شمس، حيث كنت هناك قبل شهور لاستخراج بعض الأوراق، أكثر جرأة وحميمية مما يجري هنا.(وما يجري هنا ليس شيئا مقارنة بما يجري في مصر كلها الآن).
لن تعدم طالبا يصلي وسط أرفف المكتبة العملاقة، ولن تعدم طالبة تنام تحت شمس الحديقة الخلفية للجامعة ، الجميع هنا يمارس حياته على نحو آمن و"متحرر".
لايوجد شيء أو عكسه، ليسوا منحلين أو أخلاقيين، ليسوا أي شيء أو عكسه.
لكن ما الذي يدفعنا للاعتقاد بأن هناك شيء مختلف هنا أساسا؟
المقارنة تفرض نفسها بداهة، حين أقارن-شعوريا ولا شعوريا-بين الجامعة الأمريكية وجامعة عين شمس التي قضيت فيها سنواتي الجامعية الأربع.
هنا الفارق الجوهري أن هناك مؤسسة تعليمية، هناك عملية تعليم تجري وفق مقاييس ومعايير واضحة، هناك خطة تكفل تكوينك ذهنيا وبناءك معرفيا على نحو سليم.
أجلس يوميا في المكتبة العملاقة، بينما لا يبدد كآبة المبنى الغبي للمكتبة والذي يشبه مباني الاستخبارات السوفيتية سوى مشهد الطلاب الأصغر سنا مني في زخمهم الدائر من الناحية الشرقية للمكتبة، أو مشهد الحديقة الواسعة في الناحية الغربية للمكتبة.
أقطع-يوميا- على قدمي مسافة لا بأس بها وسط طريق الزهور الطويل، وأجلس تحت الشمس أمام إحدى النوافير كي أفكر في أي شيء ما قبل أن أدخل لمحاضراتي الكثيرة جدا. وأتبادل نظرات ودودة مع البعض ونظرات عدوانية مع آخرين (الأرواح جنود مجندة كما في الحديث الشريف).
أذاكر قليلا وبالطبع اصطدم بمعايير الجامعة، ربما لأنني بطبعي ضد الانتظام المؤسسي الرافض للاختلاف.
أنا أرفض أن تكون هناك طريقة وحيدة لإجراء البحث وطريقة وحيدة للإجابة وطريقة وحيدة للمعرفة، لذلك حصدت إعجابا لا ينكر من زملائي وأساتذتي وفقدت درجات كثيرة في الطريق.
الجميل هنا أن أحدا لا يسفه آرائك أو يرفض طروحاتك، إنهم يتناقشون ويتجادلون، ويصارحونك كثيرا بأنهم لا يعرفون ما الذي تتحدث عنه ويطلبون منك أن تزودهم بالكتب والمراجع..الجميل هنا أن هناك شيء ما يحترم إنسانيتك.
حين طفح كيل أستاذتي (وسأحكي لكم عنها لاحقا) قالت لي: من فضلك أحمد، نحن نختبر قدرتك في التحرك داخل النص واختيار الأجزاء الدالة وإعادة انتاجها أكاديميا على نحو صحيح..نحن نختبرك فيما نعطيك إياه..ولا نختبر معارفك العامة..كف عن استخدام معارفك..كف أن تكون كسولا..انتزع قلمك الرصاص والقلم العريض الملون، واستخرج الملاحظات على الهامش، ولا تتوقع كل هذه التوقعات الصحيحة..أنا أعرف أنك وغد ذكي..لكني أريدك وغدا يستذكر وأريدك أن تخطيء وفق معاييرنا كي نصحح لك وفق معاييرنا.
ابتسم في وجهها وأقول أنا فعلا وغد كسول، يحاول تبرير رغبته في فعل اللاشيء بمنطقته وتبريره.

الثلاثاء، 10 أبريل 2012

بك منه شبه..تعال نقتسم "البرتكان"

ببردها الصعيدي الأسود الذي تلتحفه، وبوجهها المتغضن العجوز، وبنظرة الكبرياء المشذب التي ماتزال تلتمع في عينيها رغم العقود التسعة التي اقتنصتها من الحياة الدنيا.. بكل هذا استقبلتني.

تحسست وجهي بيديها الهرمتين : "فيك شبه منه يا وليدي، ماشاء الله عليه كان رجيل..يركب الفرس خيال، ويخيل في العمامة والصوفة البيضا والسودا"..كان اسمه "محمد"...تنطقها بكسر الميم الأولى، فتخرج موسيقى الإسم شجنة عذبة جسورة باكية..في آن معا.

(يا جبر جالك جدع زين خايل إف لف العمامة/إحياة نبينا نبي زين ترحمه ليوم الجيامة)

يوم ما صابه اللي صابه يا وليدي..اتشليت مكاني.. حصل أبوه واندفن معاه في تربته..

أبوه كان خايل وفارس..كريم..يمينه ما تمنع ولو كان على الفرس رامح..

يميل على الغلابة ويدس في حجرهم العطية..ويقول بركة جدي..وكان جده الشيخ العارف، قطب، رجل رباني..كله سلسال مبارك يا وليدي والله..

لما مات روحت على قبره وقالوا المرا اتجنت..عيشت على قبره..أجيب البرتكانة..وأقسمها بيني وبينه..آكل نصها وأدفن نصها جنب تربته..ويقولوا الست خرفت..

إيش يعرفوا يا وليدي إيش يعرفوا؟

كان يجيلي في المنام..يقولي يا نفيسة قومي لربك وادكري..

اجري يا وليدي..اتوضأ وأصلي..محفظتش القرآن ولا بعرف أقرا يا وليدي..بعد ما أصلي أقول: طلع البدر علينا..أقولها أقولها لحد ما الدمع ينزل وأحسه راضي عني يا وليدي..

الواد حصل أبوه وفيك شبه منه..

بالله عليك يا وليدي ما ترحل..بالله خليك معايا..وتعال نقسم البرتكان...

السبت، 31 مارس 2012

..أو في مثل هذا المقام فلنقل

تنظر لي بعين لائمة كلما هممت رحيلا..
أنظر في عينهيها الطفلتين، وفي مقامي خالا لها، بينما عيناها اللوزيتان تقطران دمعا ساكنا، عند ساعة الفراق..يمزقني آلاف المرات..
خالها أنا، أو في مثل هذا المقام فلنقل.
تارة تناديني: خالو أحمد، وتارة بتخفف محبب إلى نفسها: أحمد..
تبلورت علاقتي معها فجأة، وهي في طور التحول من الطفولة للمراهقة..
أقرص وجنتيها الناعمتين، وألكزها مشاكسة، فتضحك ضحكة بريئة نقية من غير سوء، تنير بوجودها/حبورها كهف روحي الظلمة أروقته.
كالعادة: أحكي لها حكايا خيالية كي تسرح بعيدا، ثم أقرصها فجأة أو أصفعها صفعة خفيفة على وجهها : عليكي واحد!
تقطع خلفي المنزل جريا، ثم أحملها وألقيها علي السرير، وأجري منها ثانية..وهكذا إلى أن يهدني التعب، أو تناديها جدتها الآمرة بغير مفاوضة.
اليوم أمسكت ذراعيها، هزهزتهما، وقبالتنا مرآة كبيرة، وقلت لها: أنت الآن فوق السحاب، اسمعي موسيقى الكون يا حبيبة خالك، واستشعري بياض الأعالي حوالي وجهك، وارقبي من طرف خفي زرقة سماءك، ولتتحسسي صقيعه يتسرب لما تحت إبطيك.. ولتتنفسي ضبابه إذ يتغشاك..أنت فوق هذا الكون يا حبيبة خالك..
أقول لها كل هذا كي تسرح مني، وأخطف صفعة سريعة..
وبينما اتأهب لصفعتي مبيتة النية، أراها تبكي..ثم تميل علي وتقبل وجنتي..
لقد راحت في خيالتي فعلا، ومسها السحاب وجاء برده سلاما على بشرتها النضرة الغضة الخجول..
أقول لها، حابسا دمعي: فداك ملء الأرض رجال كخالك يا بنية..
**
الأخت هي، أو في مثل هذا المقام فلنقل..
أشبه الناس بي كلاما، وأنا أشبه الناس بها لغة..ومن قواسمنا المشتركة: الارتباك حيال غسيل الأطباق وتنظيف المنزل وباقي الأمور التي تحتاج لهؤلاء المخضرمين الذين يشترون كل شيء أرخص مما تشتريه أنت أيها البائس المخدوع دوما.
هي الوحيدة التي ترى معاركي الدون كيشوتية، وتدرك دفاعي السيزيفي عن قضيتي إياها.
لا أتحرج أن أصارحها كيف يعتمل الأمر بصدري، فهي الوحيدة ربما التي تفهم "الآلية" وتعرف من أين تأتي الوجيعة..
يدهشني دوما مساندتها لي وسط المعركة، بكلمات بسيطة..
لأنها تدرك أن احتياجي، ليس إلا كلمات.
(ولا يداوي جرح اللسان إذا عقر، إلا مداواة اللسان إذا طبب)
**
كالأم هي، أو في مثل هذا المقام فلنقل..
يكفي أن تنظر إلى لتعرف أنني جائع..تعد نصف طن ساندويتشات وتضعه قبالتي ثم تبتسم..
فأحس أنني لن تفيض روحي من هذا العالم وأنا جائع أبدا..
**
كالملكة هي، أو في مثل هذا المقام فلنقل..
كل سطوتها الملكية..تدفع عني كل شيء حين أريدها أن تدفع عني..
أهرع إليها حين يكون الأمر على حافة الخطر فحسب، وما دون ذلك دونها..
**
كال....، أو في مثل هذا المقام فلنقل
ولا يوجد شيء كي أقوله عنها.
**

الخميس، 29 مارس 2012

المرشح البوستر..حازم أبو اسماعيل وجمهور الترسو


الوحدة البصرية الأكثر انتشارا الآن في القاهرة، هي الزرقة المحيطة ببوسترات المرشح حازم صلاح أبو إسماعيل. تنساب حوالي الوجه الكلبوظ النضر الرائق البشرة، كما لو كانت حقيقة أبدية..كما لو أن بوستراته هذه من قديم الأزل..تكونت في العصور الجيولوجية الأولى..مع انبثاق النيل ومع تشكل الكثبان الرملية ومع دبيب أقدام الديناصورات على الأرض.

لا تخطيء العين، أين ولت، زرقة البوستر، وبياض وجه الرجل المكلل بلحية شائبة، وشيئا من نور، لا ندري حقا أهو نور الإيمان، أم مجرد ظلال فوتوشوب، لبوستر يبدو لائقا بشخص يرشح نفسه لفتح الأندلس لا رئاسة مصر.

الظاهرة مدهشة حقا (عدد البوسترات وجغرافية انتشارها) واللتان تشيان أن الحقيقة أكبر من أن نفسرها بمجرد حماس قطاع من التيار السلفي متعاطف مع أبو اسماعيل، أو أن نعزوها لأنصاره من البسطاء الذين يعتقدون أن ترشيح أبو اسماعيل صفقة رابحة مع المشيئة العليا المنحازة –قطعا- لتولية هذا الرجل البركة "إللي يعرف ربنا"..ومن ثم سينصلح الأداء الشرطي وتتحسن الخدمات الصحية وتقام دولة العدل وترخص السلع وتفتح السماء أبواب بركاتها علينا..بينما تتفجر ينابيع الخير هنا وهناك..

هذه الرسالية في توزيع ولصق "البوستر" تصل لدرجة الهوس ، لا مجرد اقتناع ذهني أو حتى نفسي برجل، متواضع القدرات السياسية ولا يتسم بشبهة ألمعية ذهنية من بعيد أو قريب..بل ليس حتى كداعية من نجوم الصف الأول!

أعتقد أن جمهور الترسو، من محدثي "السلفية" و"الإسلاموية" ، فضلا عن عموم الطبقة الأقل تعليما والأقل نصيبا في الدخل، والتي استهدفتها قنوات الناس والرحمة عبر السنوات الماضية ، هي قوام مضخة معجبي "أبو اسماعيل".

وهو ما يمكن استنطاقه من هتاف أحد معجبيه، قبيل دخول حازم لندوة بجامعة ما ..."البرنس وصل"!

هتىف، هذا المعجب النصير، ل"البرنس" بعد فاصل من التقديم المسف الذي يسبق عادة أغاني العندليب الأزرق أبو تريكة الأغنية الشعبية عماد كباكا..

جمهور أبو اسماعيل هو طبقة جديدة من الناس، لم تتبلور اتجاهات إسلامية واضحة لهم، بمقدار ماهم راغبون في عقد صفقة مع المعادلة القائلة بأن "الإسلامي"..يعرف ربنا وسيعود بنا لأيام عمر بن عبد العزيز حيث كان بيت المال يفيض بصرر الدنانير..وحيث "الخليفة" يأكل الطعام ويسير في الأسواق..وحيث الناس سواسية..

وهو ما أكاد أجزم أن أبو اسماعيل نفسه يتصوره عما سيكونه..

حازم يترشح "اسميا" على منصب "الرئاسة"..بينما في قرارة نفسه، يطرح نفسه للأمة "إماما عادلا" وفقا للإرث الإسلامي اليوتوبي، الذي لم يتحقق تقريبا إلا في عصور الصحابة الخلفاء..بدرجات متفاوتة وبصيغ مختلفة.

يعتقد هذا الجمهور أن حازم أبو اسماعيل سينام تحت الشجرة بينما يدخل عليه مبعوث ملك الروم، أو فلنقل آنا باترسون..كي ترى رقع جلبابه، وطمأنينته وحب شعبه له..لتقول: لو أن الجالس في البيت الأبيض يرى هذه الأمة..لتحنكس الحنكليس تبقبقا وتشنطرا..وتبكي.

الرجل غير مقنع للسلفيين المخضرمين نوعا ما، ولا للإسلاميين المنحدرين من بنى تنظيمية أكثر سبكا وتبلورا في أفكارها وطروحاتها من رؤى "حازم" البسيطة المطمئنة التي تعتقد أن البركة في الرزق أهم من ميزان المدفوعات والموازنة العامة.

الرجل أبيض مشرب بحمرة، تستقر في الوعي المصري كدليل ترجيحي على ترف الأسرة التي ينتمي إليها أو تلك التي يتولى رعايتها، ويتحدث بصراحة تنطوي على وضوح صارخ ونقاء لا ينكر..ومشمولة أيضا بهبل نوعي لا يمكن استبعاده.

(وليعذرني الأستاذ حازم في نعوتي، وليتسع صدره الكريم، فهو شخص كما يبدو من ملامحه سمح النفس صافي السريرة)

ومن ثم تتضاعف الدهشة حيال هذه الحالة التي تخلق "مخلًصا" (بتشديد اللام) حتى لو يكن على القدر السينيمائي اللازم (كحد أدنى في مواصفات المخلصين ومدعي المهدوية والإمامة!) كي يقوم بهذا الدور.

بوسترات حازم تشير إلى أن هناك شيء ما ارتدادي في وعيي قطاع ما من المصريين لا يمكن استيعابه في إطار الردة والمجافاة لمبارك وكل رموز مرحلته، ولا يمكن فهمه في إطار افتراض أن الهجرة إلى الله (كأننا حدنا عنه كي نهاجر إليه!) مع مرشح يبدو ماتا بصلة ما لقرون خلت لا القرن الحالي، هي الحل الناجع والشافي..

هتف أنصاره في استقباله في محاضرة بإحدى الجامعات ...."مصر فتحها ابن العاص..وحازم هيحررها خلاص"..إنهم يعتقدون بقوة أن مصر واقعة تحت غزو ما وأن حازم هو المحرر المنتظر..

ومن ثم فإن كل هذه البوسترات ضد هذا الاستعمار..

إنهم رومانتكيون جدا..ألا توافقوني؟

الأربعاء، 8 فبراير 2012

طيف الزوجة..معاهدة الجوارح

كانت على نحو ما تشبه الزوجة.
وربما لأن لسفر الزوجة في القلب وحشة، تستحيل كل النساء إلى نسخ مفترضة منها.
كلما وفعت عيني على واحدة، أجري-لاشعوريا- مجموعة من التعديلات الشكلية بحيث تنتهي إلى الزوجة في النهاية.
أضغط حجم السيدات الأضخم، أطيل القصيرات، أخال السمراوات وقد أضحين أكثر شقرة..مئات التعديلات-في أجزاء من الثانية- تفضي إلى أن كل نساء الأرض مجرد صورة، مؤنسة، من أصل تتلهف نفسي عليه، غدوا ورواحا.
***
وقفت بجواري اليوم شبيهة، من حيث العطر، واللون، حتى من ناحية المعصم، كان ملبسها يكشف شيئا ما يتكشف لي من معصم زوجتي يوميا، وتداريه هي في ملاطفة يومية اعتدناها، سيما يوم الأحد.
في تشوشي، وفي استحالة كل النساء لصورة منها، وفي أثر العطر، وفي تطابق لون البشرة، وفي ملابسة الاحتياج العاصف، كدت ألمس هذه الفلانة، كدت أضمها إلي، وأنا في نوبة لا وعي مكتملة النواحي، مسددة الخطى.
اقتربت منها، وزوجتي أمام عيني، تنسمت العطر، طابقت في حدقتي لون البشرة، ابتسمت حيال المعصم، ذبت في الكون من حولي.
أخالني في كرة زرقاء كبيرة، أتقلب تحت قبة سماوية، ونجوم تحاوطني من كل جانب، في تكرار أثير لحلم الطفولة، وفي نبوءة مبكرة، لمشهد انتقالي للعالم الأخروي.
اقتربت منها، وشغفي بالزوجة يكاد يفقدني حواس التمييز الأولى..
هممت أن أضع باطن كفي على ظاهر كفها..وطيف الزوجة يلوح لي كباقي الوشم على ظاهر اليد.
وحين كان التماس سيقع، أحسست برودة في كل جسمي، ثم حرارة كأنني المحموم في قيظ غليظ.
كانت الرسالة واضحة: الجسد ميز، في حين لم يميز اللاوعي..وقد عطل الجسد اللاوعي، بالرغم من تسيير الثاني للأول.
كأنما على الجوارح عهد ألا تميل إلا إليها.

الثلاثاء، 31 يناير 2012

الإسكندر الأكبر حين يأكل ساندويتشات الزوجة



من مارسوا الألعاب القتالية يوما ما، من لعبوا الشطرنج يوما ما، القناصة والصيادون، وكلاء النيابة والمحققون والأطباء النفسيون، الصحفيون المهرة..كل هؤلاء يدركون أن هناك لحظة فاصلة..لقاء للعين بالعين..ثم بعدها ينتهي كل شيء.
انظر في عيني من أمامك وسط القتال، هناك لحظة ما تدرك أنه قرر أن ينهزم..انظر وسط دور شطرنج في عيني منافسك كي تدرك أن قطعه تخذله وأن الحصان لا يفرق في يده عن الطابية عن العسكري..انظر في عيني مقنوصك..في لحظة بعينها ينظر إليك ويقول لك اقتلني الآن.
كل الناس..في لحظة بعينها ينهارون ويعترفون..أمام المحقق والصحفي والطبيب النفسي...
هناك ملمح ما يتبين في العين قبل الانهيار فالاعتراف.
زوجتي الحبيبة..كثيرا ما حدقت فيك، شردت ربما –كما بدا لك- بلا تركيز..
لكنني حقيقة كنت أتساءل في كل مرة، متى سأنهزم أمامك تماما وأحكي كل شيء؟ متى سأتكور على نفسي جنينا وأندس بين يديك، فتضميني بحضن كأنه الدنيا.
كنت أنظر في عينيك كي أرى انعكاس عيني، لأتبين لحظة ما قبل هزيمتي، ولكن من خلالك أنت..فكل ما هو من خلالك أنت..محبب إلى، يجيء على نفسي بردا وسلاما..تكونين ناري وأكون إبراهيمك.
معك الأمر مختلف..
عشرت الهزائم اليومية..
في كل نظرة هزيمة تسير بذكرها الركبان..في كل منطوق مني اعتراف لك بشيء ما.
أعرف أنني أعترف لك بكل شيء وإن كان بصياغة ضبابية، تفكين شفرتها يوما ما، لكن منذ الليلة إياها التي تدركينها جيدا (في الثالثة فجرا)..تجردت أمامك من كل شيء واخترت الانهزام الذي ما بعده قومة.
صارحتك بكل مخاوفي، وحكيت لك عن كل الوحوش التي كانت تطاردني في طفولتي بينما "أمي" في العمل لم تجيء بعد.
كنت تمسدين عرقي البارد، وأنا أصف أطياف الوحوش (العجز-عدم الثقة بالنفسة-الخوف من النار-الخوف من الكهرباء-الخوف من الأكل أمام الآخرين-الخوف من قيادة الدراجات-الخوف من اللون الأصفر-الخوف من الإيجوانا-الخوف من الأكواب الزجاجية-الخوف من الأحذية البيضاء-الخوف من رائحة البلاستيك- الخوف من الرفض-الخوف من الخوف).
تشبثت بك، وقلت لك قولتي الدائمة (أنا طفل اتعلق بيكي)..قلتها ككل مرة بينما رأسي مستكينة على كتفك الأيسر (لا الأيمن لو دققتي) بينما أناملي تنقبض عليك خوفا (أناملي لا قبضتي لو لا حظتي).
وفي ارتدادي الطفولي في حضنك، في نومتي الجنينية جوارك، كانت تحدث أشياء غريبة..
بشرتي تصير أكثر نعومة، شعيرات صدري وبطني يصير طولها أقصر، تبدو كما لو كانت رسم الديار لا الديار، يصير كل شيء في كما كانت خلقتي الأولى..طفلُ جدا أصير.
حتى لساني يصير أكثر تلعثما..ألم تلحظي هدجة الصوت وتعثر البدايات كلما هممت بأن أهمس لك بشعر ما؟
على ضفافك أحتمي بك..وأنا الذي لا يطوله السوء ما حيي ولا تقدر عليه جيوش الدنيا (تعرفين أن لي عشرة ملائكة لحمايتي، أدناهم مرتبة يدك الأرض بجناحه دكا)..أتنصل من كل الماضي السيء.
المدهش: لم أعرف مسبقا يا حبيبتي أن قدرتي على الإخفاء والصمت ستتحطم على عتبة أول ساندويتش تعدينه لي قبل الذهاب للعمل..
هكذا ينطلق الصغير بداخلي..
كل الرجال ينهزمون أمام ملامح الحنان، كأن كلهم أيتام بلا أم..كأن حبيباتهم هي أمهاتهن الأصليات.
كنت أسخر من صديقي الذي انهار لمجرد تفاحة دستها زوجته له في حقيبته قبل الذهاب للعمل، فإذا أنا في سوق "الانهيارات" لا أحتاج لأكثر من ساندويتش جبنة، أو شريحة فطير كي أتبعثر كل هذه البعثرة.
(اعتراف أخير: كنت نائمة اليوم، تسللم للمطبخ، أخذت بقية الساندويتشات التي أعددتيها، وشريحة من شطيرتي المفضلة التي كنت تضعيها في فمي أول لقاءاتنا في المطعم الليلي إياه، وذهبت-بعد الاختلاس- للعمل كأني الإسكندر الأكبر)
(فهم جديد: أستوعب الآن فلسفة "عمود" الأكل الذي يصطحبه العمال في وردياتهم بهذا الحرص المقدس..إنهم لا يصطحبون الأكل، بل رائحة الزوجات وأثرهم).

الجمعة، 20 يناير 2012

أن تحبها على ما ذهبت إليه المعتزلة..



ربما كان كارل يانج عالم النفس العظيم، هو الذي ذهب إلى فرضية أن الشخصين اللذين يتصادمان في زحام الشوارع، كل منهما قد أخذ قرار الاصطدام بالآخر-لاشعوريا- قبل نقطة الصدام بحوالي 200 مترا مثلا.
للأمانة: ربما لم يقل يانج هذا..وربما لا توجد نظرية بهذا الطرح..لكني أصدق أن ثمة شيء ما هناك في قلب هذا العالم على هذه الشاكلة، ومن هنا أبدأ معك هذا الخطاب:
حبيبتي..
منذ سنوات مضت وقد أدركت أن نقطة الالتقاء قادمة حتما، رأيتك وسط الزحام، على نحو مشوش، لكن هيئتك وشت بأنك أنت أنت.
(سأصطدم بك، ويضرب البرق ضربته، ويمر وقت سريع، لأفاجأ بنفسي ويداي تشابكان يديك ومعنا خمسة أطفال على الأقل، ثم أتذكر ما جرى بين اللحظتين مندهشا ، لحظة الصدام فلحظة التنبه، ثم سعيدا لأني اختلستك من الزمن ولأن الزمن اختلسني لك، ولأن السماء تواطئت على تمرير هذه الدراما العذبة)
كنت أدرك-قسما بمن رفع السماء بلا عمد- أننا سائران لهذه النقطة حتما، ما جعلني أرسم سيناريوهات محتملة (مكانيا) لهذا الموعد المخزون على جدول أعمال الزمن.
درست خرائط تحركاتك، كنت أقول ربما يكون اللقاء الأول في هذه المكتبة في هذه الأمسية في هذا المطعم..
درست تاريخ ميلادك المتوازن رقميا كأنه سيمفونية عمرية لا مجرد تأريخ عابر..وقرأت كل ما يخص تحركاتك النجمية، وتنبؤاتك الفلكلية..
أخضعت كل ما تقولينه لتحليل مضن، استعنت فيه بكل ما أعرف ومالا أعرف، إلى أن أنتهيت لتصور محكم عنك..
وضعت خارطة تحركاتك المحتملة (محل العمل والسكن وأماكن يحتمل وجودك فيها)، جوار مستقبلك الفلكي، حيال تحليلك النفسي، ثم التقت الخيوط الثلاثة-على وفاق قدري- فكان الاصطدام المرتجى..رغم انقضاء الزحام من مسرح أحداثنا المشترك، بما يجعل من الاصطدام بيننا مجرد تلكيك مدروس لا أكثر.
وفي هذه النقطة الحائرة ..تحاصرني خلاصة أسئلة المعتزلة (أي الحبين كان أسبق انبثاقا من رحم السماء؟ أيهما الحادث وأيهما القديم؟ وهل مقترف حبك خالد في حبك؟....) أقف حيال تساؤل يعبث بيقيني، ويبدده بلا ارتئاف.
إذا كنا حتما صائرين إلى ما صرنا إليه..وإذا ما كانت الإراداتان متعاقدتان منذ سنين مضت، وإذا كانت السماء تغض الطرف كثيرا كي نتقاطع، وإذا كانت ملائكتي الحارسة تسرب لي معلومات عمدية عن كل شيء، وإذا كنت أنت تعرفين هذا كله دون أن أنطقه..
إذا كان هذا-كل هذا- على هذا القدر من الثبات والرسوخ واليقين..لم أفتقدك على هذا النحو الموجع؟
ولم أشك-ورأسك مستكين على صدري- أن المخطط قد تعتريه أي عوامل خارجية تغير من النتيجة النهائية؟
حبيبتي..
كل ما أملكه من حطام الدنيا هو جاكتي المفضل الذي أخلعه عليك في الليالي القارسة البرودة، وزجاجة العطر التي لا تفارق حقيبتي، ونحو عشرين ورقة مالية من فئة لم أتفحصها جيدا ولا يعنيني تفحصها، والكثير من حبك الذي لم يختمر كاملا بعد..
ربما لأن نبؤتي قالت: إذا أحب..كتم..وإذا كتم مات؟
حبيبتي..
كل هذا الإفصاح الذي تعتقدينه..هو الكتمان عين الكتمان..
إذ أن الحقيقة لا تختزلها الحروف مهما كانت الملابسات والدوافع والموهبة.

الأربعاء، 18 يناير 2012

تبوء المحاولة دوما بالفشل..أن تحبس أباك

الحياء يكبت الشوق بيني وبين أبي.
نراوغ هذه الحقيقة، بتدبير لقاءات كثيرة خارج المنزل، كي نحتضن بعضنا البعض، كأن في المسافة الزمنية والمكانية لآخرة مرة التقينا، مبرر وجيه لهذا الافتقاد، ومن ثم تنسحب مشروعية كاملة تغطي خجل كلينا من حضن، كلانا في مسيس الحاجة إليه.
العلاقة بيننا متجمدة عند نطقة واحدة برأيه، ومتغيرة كل لحظة برأيي أنا.
يقول لي أنت مازلت صغيرا بعيني، ثم يلتقط يدي-يالهف نفسي على يده- كي يجرني ويعبر بي الطريق، بينما ابتسامة واسعة تجلل ثغري (هل أشاكسه وأقول له أنا لست صغيرا؟).
حين يتحمس-ونادرا ألا يتحمس!- تمتد أنامله الباردة (وفي هذا أمر عجيب، كف يده كأنها قدت من نار! دوما ساخنة حد الالتهاب) إلى معصمي، فأحس كل ما في نفس أبي مصبوب في كبدي.
أرى الزمن يحتم علينا تبادل الأدوار، أن أرعاه هو، وأن يهدأ ويطمئن بالا لأني هناك.
لكني كمن يحاول تكبيل الأسد.
أقول له كثيرا: أنا أفضل منك في كل شيء، إلا أنك أكثر حياء مني!
يغلبه الحياءُ فلا يرد. ولو غالب حياءه لما رد أيضا.
أفتعل معه شجارات كثيرة، كي أرى بريق العصف والعطف في عينيه.
هذا رجل حرق زنزانته ذات مرة، وضرب قائد المعتقل ذات مرة، وركل الذين يعذبونه وهو مقيد وشتمتهم بينما سريان الكهرباء في جسده (تعذيبا) لم يحل بينه وبين الثأر لكرامته.
قال لهم ذات مرة وقد شكلوا لجنة لفحص حالته النفسية، جاء على رأسها قيادي مرموق بالداخلية، لمعاينته في الحبس الانفرادي: يا سيادة اللواء أنا حبست سجنكم بداخلي..أنا حر.
أحاول أن أحبسه داخلي، وأن أقول له ارتح أنت، لكني يوما لم أستطع حبس رجل سجن معتقلا كاملا بداخله.

الجمعة، 30 ديسمبر 2011

اختلاس الزوجة



أحتفظ بتفاصيل كثيرة قيد السرية، لم أبح لك بها.
الأمر الذي جعل حبي لك اختلاسيا في درجة من درجاته. أي نعم أحبك كما يحب أي زوج مخلص زوجته، وأصارحك بخبر كل ذرة من كياني : كيف مالك لك وفيم الميل كان، لكنما هناك ما هو يعتمل تحت سطح هذا الستر المفضوح من الهوى.
أحبك على نحو سري بيني وبين نفسي، بتفاصيل كثيرة أحفظها عنك لم أبح وربما لن أبوح بها أبدا.
كمراهق، أنزوي على نفسي، معك كنت أم لا، وأغمض عيني، أسترجع العطر وأستبين الملامح وأذوب في الانثناءات..
أصيخ لنبرتك المترددة في صدى نفسي، وأواريك كلك بداخلي، حتى دون أن تعلمي أنت شيئا.
وربما في هذا السلوك، فصام الذي لا يصدق أنك معه.
ربما فيه، ارتداد لمراهقة نقية أولى، ليس في قاموس عواطفها سوى الاختلاس.
طرف شالك المعلق، أضمه إلي، وأستنشق عطرك فيه، فيكون في نفسي كفاية إلى حين.
انظري..انظري..عندي ترجيح..
كل هذا الاختلاس وكل هذا الانغلاق على حبك..ربما لأنني لا أصدق أنك معي حقيقة.
ونهاية: لو كنت موجودة معي، فهذا هو حالي..وإن لم تكوني، فها قد عرفت مقدار ما اختسلته من سيرتك وطيفك وعطرك.

الثلاثاء، 27 ديسمبر 2011

لماذا أحلم بالشرطة العسكرية؟ ولماذا يحلمون هم بابن لادن؟



"كان نحو 4 عساكر من الشرطة العسكرية يحيطون بي، ويضعون صواعق كهربائية تحت إبطيَ وعلى صدري" إلى أن استيقظت من الكابوس شبه المؤلم.
حسنا، ما الذي تغير في الأمر كي أحلم الآن بالشرطة العسكرية؟
قبل سنوات، كنت أحلم بصورة متكررة باقتحام أمن الدولة لمنزلنا، على النحو الاكتساحي الذي كان يتكرر من وقت لآخر..
(كتائب وفيالق تكفي لاحتلال إحدى دويلات أوروبا الشرقية، وكمية أسلحة كفيلة بإعادة رسم خريطة التسلح في الحي الذي أقطن به).
ثم يتطور الأمر-في أحلام أمن الدولة وقوات الأمن المركزي ومساعدوهم من القوات الخاصة- لاشتباك عنيف .. يحاولون أن يكبلوني في سريري، بينما أركل يمينا وشمالا وأوجه لكمات لا نهائية، تنتهي عادة إلى أنني أقاتل أجسادا هوائية غير موجودة حقيقة..ثم أستيقظ لأتبين أن الأمر كان مجرد حلم..وأحمد الله على مقاومتي، وأتمنى أن تستحيل يوما ما لاشتباك حقيقي، أنال من أحدهم فيه، حتى ولو قتلني.
كان الأمر بديهيا لي من الناحية النفسية..أن أحلم باقتحامات شرطية متكررة لمنزلي، ومحاولة لاعتقالي (أبي لم يكن طرفا في الحلم، ربما لقناعتي أنهم يطاردونه ولن يجدوه-حسيا ومعنويا-أما أنا فالهدف الأقرب).
أحاول الآن فهم رمزية حلم تعذيبي على يد أفراد من الشرطة العسكرية وأحار حقا.
ليس لي عداوة منهجية مع الجيش، بل مازلت حتى الآن متيما بفكرة "الجيش المصري" بل وأتمنى دوما أن أكون أحد أفراده، رغم إعفائي من الخدمة العسكرية بتأجيلين متتاليين..وأزيحه دوما جانبا بعيدا عن سياسات المجلس العسكري.
بل أتطرف في الفصل، لدرجة التفرقة بين عساكر وضباط الاشتباك المباشر مع المتظاهرين، وعساكر آخرين، يقفون بأماكن مجاورة (كضباط جيش حراسة السفارة الأمريكية بالقرب من مجلس الوزراء) والذين يستنكرون ما يفعله زملاؤهم على بعد مترات منهم!
(لي أصدقاء وجيران وأقارب يؤدون الواجب الوطني بالجيش، سواء ضباط أو عساكر).
قبل 4 سنوات تقريبا كتب بك ميلنوفسكي مراسل بي بي سي أنه كان يحلم بأسامة بن لادن في المرة الأولى التي زار فيها نيويورك بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وكان الحلم الذي كتبه ميلنوفسكي في نهاية 2007 في أحد تقاريره الصحفية " كان بن لادن يجلس على بعد مقعدين مني في الطائرة، ولم ألحظه في البداية حيث كان وجهه مختفيا في العمامة التي يرتديها ولكن الرجل الذي يجلس بجانبي همس في أذني بلطف "أعتقد أن الرجل الذي يجلس بجانبي هو اسامة بن لادن وأنا أشعر بالذعر".
ثم يبحث ميلنوفسكي عن آخرين يحلمون ببن لادن، فينتهي الأمر إلى أن كابوس أسامة بمثابة حمى في العالم الغربي!
صاحب المطعم يحلم به كأنه نادل لديه، والرجل العادي يحلم ببن لادن يعرض عليه أن يدفع له ثمن مشترواته من السوبر ماركت، في تنويعات على أسامة تنتهي كلها بطابع جاثومي شنيع.
يسأل المراسل طبيبا نفسيا في نهاية الأمر فيقول له:" ابن لادن وفقا لمصطلحات التحليل النفسي هو الوحش الذي يقترب من القرية وقد ظللنا لمئات وألاف السنين نتخيله في صورة النمر الحاد الأسنان أو بمعنى آخر مخلوق لا يشبهنا".
أعود لأفراد الشرطة العسكرية الذين يختارونهم وفقا لطول قاماتهم الذي يزيد على قامتي بنحو 15 سنتمتر كاملة، وأعود لدروعهم، ولملابس الاشتباك التي تحيلهم من مجرد جيران وأصدقاء وأبناء وطن واحد، لكائنات غريبة فعلا، هي بصورة أو بأخرى تنويعة لصورة النمر الحاد الأسنان.." أو بمعنى آخر مخلوق لا يشبهنا".
بالأمس جلس بجواري شرطي عجوز، أول ما رأيته، وجدتني لا شعوريا أقول همسا: مرحى بالرجل الطيب. فلم يعد مرأى أفراد الشرطة يثير التوتر أو الجزع، فهم أولئك الطيبون الذين يضربون القنابل المسيلة للدموع فحسب، وبعض الرصاص المطاطي هنا وهناك، لكنهم لا يدهسون بالمدرعات، ولا يضربون على هذا النحو الوحشي.
هناك حالة استبدال وإحلال قاسية تجري للوعي العام للمصريين، استبدال رموز الشر، وتغير القيم.
أنا مازلت عند رأيي، لقد حدثت تطورات وتحورات نفسية عميقة في الشخصية المصرية، لا يمكن إهمالها بحال من الأحوال.
أقول لحبيبتي: انتظريني عند السلك الشائك بالقرب من نقطة الاعتصام، والسيدة العجوز على ناصية منزلي تستوقف توكتوك وتقول له: خدني لحد المدرعة اللي ع الناصية يا ابني..وبائع العسلية المفضل لي يناقشني في ضرورة الالتجاء لحكومة ائتلافية!
أعود لأفراد الشرطة العسكرية الذين يختارونهم وفقا لطول قاماتهم الذي يزيد على قامتي بنحو 15 سنتمتر كاملة، وأعود لدروعهم، ولملابس الاشتباك التي تحيلهم من مجرد جيران وأصدقاء وأبناء وطن واحد، لكائنات غريبة فعلا، هي بصورة أو بأخرى تنويعة لصورة النمر الحاد الأسنان.." أو بمعنى آخر مخلوق لا يشبهنا".
أعود لأفراد الشرطة العسكرية الذين يختارونهم وفقا لطول قاماتهم الذي يزيد على قامتي بنحو 15 سنتمتر كاملة، وأعود لدروعهم، ولملابس الاشتباك التي تحيلهم من مجرد جيران وأصدقاء وأبناء وطن واحد، لكائنات غريبة فعلا، هي بصورة أو بأخرى تنويعة لصورة النمر الحاد الأسنان.." أو بمعنى آخر مخلوق لا يشبهنا".
أعود لأفراد الشرطة العسكرية الذين يختارونهم وفقا لطول قاماتهم الذي يزيد على قامتي بنحو 15 سنتمتر كاملة، وأعود لدروعهم، ولملابس الاشتباك التي تحيلهم من مجرد جيران وأصدقاء وأبناء وطن واحد، لكائنات غريبة فعلا، هي بصورة أو بأخرى تنويعة لصورة النمر الحاد الأسنان.." أو بمعنى آخر مخلوق لا يشبهنا".
أكررها مؤكدا!

الاثنين، 26 ديسمبر 2011

في دحض هواجس الزوجة




ارفعي عنك كل هذا الحرج، ودعي كل هذه الهواجس:
الوزن: لا تتهيبي من زيادة وزنك، أنا زوجك الذي يبتهج كلما زاد الحيز الذي تشغلينه من الكون..ليت الكون ملؤك أنت ولا سواك..كثفي وجودك في هذا العالم..فأنا أحتاجه.
شيب الشعر: حين يبيض شعرك، كخيوط فضة منسابة، سيكتمل بهاؤك القمري، وتستحيلين شبيهة بإحدى سيدات قبائل الهنود..اللوائي كان يتم تأليههن بعد الوفاة (جمال وكبرياء).
تهدل البشرة: هل تعتقدين أن بشرتي ستكون نضرة يومها؟ دعينا نتهدل سويا ونقتسم ضعفينا معا.
أخالك بعد أربعين سنة من الآن (أو سأعيش أنا لذا الحين؟) بينما مشيئتك الوئيدة لا تفرق كثيرا عن حركتك الظبائية..قفزات مبتهجة متتالية..ريمُ يقطع الفناء ويستقبل صدر الدنيا بكل جموح.
أقلت لك مسبقا أن مشيتك الانطلاقية هذه التي تفعمها الحياة أسرتني أول ما رأيتها؟
كلك يازوجتي..جميلة..دعيني أرى الجمال في كل ملامحه بكل هيئاته وصيغه..دعي عنك كل هذه الهواجس..فإنها أحلامي الجميلات.

الأحد، 11 ديسمبر 2011

السلفيون والثقافة..هل يقرأ عبد المنعم الشحات رجل المستحيل فعلا؟



على نحو بدا كوميديا أكثر منه أي شيء آخر، قال نادر بكار المتحدث الرسمي باسم حزب النور السلفي أن الحزب (والتيار السلفي) لا يعاديان الأدب والفنون، وأنهم يحترمون أعمالا أدبية كرجل المستحيل وروايات أحمد خالد توفيق "ماوراء الطبيعة" وأشعار فاروق جويدة.
تشير الخيارات الذوقية للتيار بأنه في حالة مراهقة شاملة، وليس على مستوى ممارسة السياسة فحسب، والتي يعمد السلفيون إلى اعتبارها فضيلة تعكس قدر برائتهم في مواجهة باقي التيارات المدنسة.
يكف المراهق في مصر عن قراءة رجل المستحيل ببلوغه السادسة عشر، ويميز رداءة شعر فاروق جويدة فور التحاقه الجامعة، ويظل يقرأ أحمد خالد توفيق من باب الحنين، واتساقا مع عذوبة الرجل وإنسانيته المتفلتة من بين سطوره.
ربما نستسلم لطرافة التصريح، الذي-ربما- اعتبره بكار بيانا من فوق سبع سماوات ، ليدحر مزاعم العلمانيين عن معاداة السلفيين للثقافة، وليسعى لحل أزمة تصريحات الشحات حول أدب نجيب محفوظ.
لكن هذا التصريح-بهذه الخيارات- يكشف لنا ما هو أعمق من مجرد "مراهقة".
أعتقد أن السلفيين يميلون للخيارات الوقائية..
فالسلفي طوال الوقت يتوخى المناطق الإشكالية والشائكة التي قد تورده مواضع الشبهات..فهو يريد أدبا بلا مشاهد جنسية ولا تساؤلات عقيدية، ولا نزوع فلسفي مغاير لعقيدته..هو بالأحرى لا يريد شيئا مؤرقا.
وأنا شخصيا أحترم هذه الرغبة وأقدرها جدا..وأتفهمها، وأعتقد أن لكل شخص حق قراءة ورفض ما يريد، وفقا لأي أرضية يستند إليها (ذوقية أو سياسية أو عقائدية).
وهو أمر ليس حكرا على السلفيين فحسب، فاليسار- هذا التوجه الذي قطع أفراد كثيرون منتمون له مسافات في المعرفة والجدل، ربما غير مسبوقة في الوعي الإنساني- يتخذ مسافة قاسية من أدب "جورج أورويل" وآخرين، من الذين بدلوا مذاهبهم وكانوا شيعا!
وبالمثل كانت القطيعة بين الرأسمالية (وملحقاتها من عقائد سياسية واقتصادية وانسانية) وبين أدب آرثر ميللر وهارولد بنتر!
أي أن المعاداة العقيدية بين الجماعات السياسية وبين الأعمال الأدبية ليست بدعا، جاء به السلفيون، ومن ثم هم الأغبياء الرجعيون الظلاميون.
مذهبي الشخصي : إذا لم يعجبك نجيب محفوظ فلا تقرأه..ببساطة!
ولكن ليس من حقك أن تحجر على ذوقي وخياراتي الشخصية، ولن أرهن متعتي الشخصية بمساحة عقلك، ومقدار طموحك ورؤيتك أنت.
أعود مرة أخرى للخيارات السلفية، وأحاول فهم ما ورائها.
أولا: رجل المستحيل.
تمثل هذه السلسلة الصراع بين المخابرات المصرية ممثلة في بطلها أدهم صبري (الخارق جسديا وذهنيا) في مواجهة الموساد.
ومن ثم هي اختزال لا واع-في الذهن السلفي- للصراع بين المسلم و "اليهودي" الذي سنحاربه يوما ما.
ويمكن تمثلها نسبيا في ادعاء شعور وطني، هو في الأغلب وليد ضغوط وليس حقيقيا، لأن وطن السلفي حيث ترامت دولة الإسلام لا حيث ترسمت الحدود الحديثة.
كما أن أدهم معادل موضوعي للقوة والتفوق والنضال حتى النهاية(وإن بفجاجة ولا معقولية)، وهو أمر يشبه رؤية السلفي لنفسه، فهو يكافح ضد آثام عالم لا يتفهم نبله، لكنه سيظل يحارب حتى النهاية.
ثم المرأة في "رجل المستحيل"..فهي إما سونيا جراهام عميلة الموساد العاهرة الشريرة..أو منى زميلة أدهم، وهي عادة مغلوبة على أمرها ومخطوفة ويحررها أدهم!
وهي رؤية مثالية للخيارات المتاحة أمام المرأة في الوعي السلفي: عاهرة شريرة..أو طيبة مغلوبة على أمرها.
ثانيا: ما وراء الطبيعة.
بطل ما وراء الطبيعة "رفعت اسماعيل" شخصية انعزالية يرى في الآخرين مجرد "حضور مزعج" ومقاييس مجتمعية مختلة. ويسعى رفعت لدحض الخرافات دائما، أي نعم هو يسلم بوجود جوانب ميتافيزيقية، لكنه يهدم بعض الأساطير أحيانا، ويتعوذ بالله ويقرأ بعض الآيات القرآنية قبل مواجهة المسوخ والوحوش. بل يورد مؤلف السلسلة في أحد المواضع اقتباسا عن الإمام شرف الدين النووي أثناء مناظرته لأحد المتنبئين.
ما رأيك؟
هو بطل رواية مثالي..لأنه انعكاس كبير للسلفي في المسافة التي يتخذها من المجتمع..ولأنه أول بطل رواية حسب معرفتي يقرأ القرآن في مسايرة الأحداث الدرامية للرواية!
ثم المرأة في "ما وراء الطبيعة"..المرأة هنا دوما إما ثرثارة أو حمقاء أو غيور أو لصة أو شيء طيفي أثيري صعب الوجود والتحقق.
أدب خالد توفيق فضفاض، وعذب وأخاذ فعلا، لكن حين يجيء في صف واحد مع رجل المستحيل وفاروق جويدة (وهذا لن أخوض فيه، فشعره أسخف من أن يقيم) كخيارات سلفية، فأن هناك شيئا ما ، يكشف جوانب هذا السلوك النفسي السلفي.
السلفيون بسطاء، يعتقدون أن بحجاب النساء ستنضبط الموازنة العامة، وبحرق روايات نجيب محفوظ سنحرر المسجد الأقصى، وبهدم تمثال رمسيس سينزل الله علينا من السماء المن والسلوى.
هي عقلية بسيطة، تميل إلى إدراك الكون في إطار معادلات خطية، لا معادلات مركبة.
أدب نجيب محفوظ=رذيلة=سخط من الله=عدم بركة في الرزق والعمر.
ثم هي عقلية "النص" لا الجدل..ويرتبك السلفي ويضطرب حين لا يستند إلى نص.
وإذا استدرج السلفي لنص غير النص الذي عهده..يحس بالضياع، وبشتات المرجعية (لو أنها ضربت وتر الاقتناع فيه) ومن ثم هو يريد أن يستأنف حياته وفق المعادلة الخطية المطمئنة جدا.

الأربعاء، 7 ديسمبر 2011

في مسألة الرفق بالصبية

يتحجج أبي دوما بحديث شريف لم أسمعه من أحد مطلقا سواه، ومضمون الحديث الذي لا أتذكر نصه: أن الجنة جزاء من أدخل البهجة على قلب صبية صغيرة أو طفل.
يحتمي أبي بهذا الحديث، حين يحاول أن يبرر تعاطفه مع كل الأطفال والبنات الصغيرة في عائلتنا والعائلات المجاورة.
كدت أموت شماتة فيه، حين اضطر للبحث عن ساعتين، عن حقيبة سوبر مان أو هانا مونتانا أو أيا من هذه الأغراض التي يورطه فيه أطفال عائلتي، وكنت أقول له: كي تدرك أنني كنت طفلا وديعا مثاليا لا يطلب شيئا.
وهو في بحثه هذا، ينطلق في الأغلب متورطا في عهد قطعه على نفسه، إذا حصد الصغير الدرجة النهائية سيحضر له كوكب فضائي هدية، أو إذا حفظت الصبية جزء قرآن سيجلب لها شيئا ما خزعبليا.
وأبي يتعامل بقدسية مع الأطفال، ليست لغيرهم في عرفه، فهو لا يتحمل أن يحنث وعدا معهم، ولا يطيق أن يكسر قلوبهم المرهفة..رغم أن هذه القلوب تنسى كل شيء بعد ربع ساعة، ويمكن إلهائها بقطعة شيكولاتة أو أي شيء آخر.
يصدمني أبي مرة أخرى بإرثه المفخخ الكامن في كياني، والذي أكتشفه يوما بعد يوم في مفارقات مختلفة.
بالأمس، والصبية أمامي، أجد في نفسي حيالها، ضعف أبي حيال أطفاله وبناته (أبا وخالا وعما و...و...).
أخلل أصابعي أصابعها وأتمنى لو مسدت شعرها..يتفجر بداخلي نبع خفي فيه ألف أب وأم وعم وخال..ألف من كل فصيل رؤوف.
اسألها فتنطق بطريقة طفولية محببة، ولكنة أقرب للريفية البسيطة: آه وربنا.
تقول لي: آه وربنا، لتحسم لي الصبية شيئي الأشد خصوصية.
أمازح الصبية في مشيي، ألكزها بيدي، فإذاها خفيفة غضة كأنها الطيفُ.
أتمنى لو ضممتها إلى ضمة لا فكاك منها، بينما أتنسم رائحتها، التي تلفتني باديء كل مرة ألتقيها فيها.
وكلما هممت بأمر ما، أنظر إلى برائتها، لوجهها الصبوح الذي ألقى حموله-بتردد- على كتفيك، فأقول أنا أمها وأبوها وبقيتها الباقية.
وفي تدفق السيل مني، ألمسها عن غير قصد، فيجيء في الجسم خدر عجيب.
لولا أثر الصبية في ملمسها، لما عرفت اليوم أنني كنت منقوصا دونها..اليوم جاءت لتكملني.

الاثنين، 5 ديسمبر 2011

فتاة أحلامي..روءة

على نحو أو آخر تظل "نورا" في فيلم "العار" هي فتاة أحلامي.
وذلك منذ الوقت المبكر الذي فطنت فيه إلى أن حياتي المستقبلية ستكون إلى جوار فتاة أحلام، يتم تقنين علاقتي بها في إطار زوجي.
"روءة"..كان اسمها في الفيلم "روءة".
المساندة اللانهائية والدعم للزوج الذي يعمل في الاتجار بالمخدرات..حتى وهي ترص له أحجار الشيشة وتخوض معه نقاشات جدلية حول "صحة" و"خطأ" نشاطه السري..ثم ينتهيان سويا إلى أن اتجاره هو قرارهما المشترك وأن حياة الزوج هكذا..وهي تحبه هكذا..ولا داعي لأي تساؤلات كونية ماداما على نفس موجة البث.
وكان هو بدوره يحبها دون تعقيدات، رغم مشكلة عدم الإنجاب التي كانت تعاني منها.
روءة..وهي تقول له أيوة يا أخويا! يا الله يا الله يا الله..
دوما أحلم بزوجة من هذا الطراز..تقول لي أيوة يا أخويا!
تهتم بالمطبخ على نحو مقدس، جدلية/مشاكسة على نحو لطيف، جسورة وفدائية ك"روءة"...
ربما في تاريخ السنيما المصرية لا أبكي إلا عند مشهد وفاة روءة وهي تساعد زوجها في التقاط شحنة المخدرات من البحر..حين قررت الغوص بنفسها.
هذا المزيج من الحنية والافتداء..والقدرة على خوض معارك الحياة (أيا كانت أبعادها القيمية)..
أريد زوجة تتسلل معي في جنح الليل كي نذهب سويا للحرب في قيرغيزستان، ودعم خلايا المقاومة الشعبية هناك
هذه الزوجة التي تشعر معها أنكما تختلسان علاقتكما من الزمن نفسه، وأنه رغم شرعية كل شيء، إلا أنكما حتى النهاية نابضان دافقان.
لا أريد زوجة تجيد تطرح قراءة جدلية لهيجل أو دريدا..ولن أستمتع حين أخوض مع زوجتي نقاش حامي حول "موتسارت" ام "باخ"..سأكون أكثر سعادة وهي تبرر لي أنها طبخت محشي الكرنب دون محشي الباذنجان، لأنني أحب الأول أكثر.(دعنا نرتبط بالطبيعة).
هذه هي الزوجة التي يمكن أن تستخرج رشاشك الآلي من دولابك، وتفرغ رصاصه في قلب من يقترب منها أو يضايقها..هذه التي تحبك بلا تعقيدات أو خلفيات ملحمية.
الزوجة التي تعتبرك قدرها وتعتبرها قدرك..تتوكأن على بعضكما البعض..وتقاتلان سويا..بل وأحيانا تشتبكان معا.
لا أريد زوجة تحاججني أثناء غضبي..ولا أريد زوجة مكسورة الجناح..ولا أريد زوجة سلبية..أريد واحدة تتحدث بجسارة، ويمكنها تطوير النقاش إلى اشتباك بدني..ينتهي بضحك مشترك..أن نلهو كطفلين معا.
التي تربت على كتفك وأنت تأكل، بينما تمشط شعور الأبناء بعد تحميمهم..هذه هي المعادل الموضوعي للطبيعة الأم.
حيث عاطفتك، وعقلك، متعلقان بها..لأنه لا يوجد خيار آخر. ولأنه لا توجد حيثيات منهجية لتبرير حبك لها، ولا سياقات حاكمة لتمديد أمد العلاقة بينكما (أنتما شخصان متعلمان عاقلان راشدان يبغيان إنشاء أسرة سعيدة، ليبتسما جوار أبنائهما الاثنين "فقط؟" في مضاهاة رديئة لبوسترات تنظيم الأسرة التي تستعرض هذا النموذج الاصطناعي الغبي)..أنت تحبها لأن الأمر هكذا..